السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

«حصار كورونا» يُقلّب مواجع الغزيين: ما كنا نعانيه في الحروب يعيشه العالم بأسره الآن

خلت شوارع قطاع غزة من المارة والسيارات، إلا من بعض المضطرين للخروج.

كما أغلقت المحال التجارية أبوابها، باستثناء المخابز والصيدليات. كذلك أُغلقت المدارس والمؤسسات، فيما عدا المشافي، التزاماً بطلب السلطات البقاء في المنازل، ضمن الإجراءات المشددة لمواجهة وباء «كورونا».

مشهد لا يفرض نفسه على الغزيين سوى في الحروب، التي تعرض لها القطاع، على مر السنوات الماضية.

هذا الحصار يعيد إلى أذهان سكان غزة ذكريات أليمة. نفس أجواء الخوف والقلق، حتى وإن كانت دون أصوات انفجارات، ودون مبانٍ مدمرة، ودون أشلاء.

ومنذ عام 2008، تعرض قطاع غزة إلى 3 حروب مدمرة، وعدة جولات للصراع، أدت في مجملها إلى استشهاد قرابة 5 آلاف فلسطيني وإصابة عشرات الآلاف وتدمير عشرات الآلاف من المنازل والمدارس والمؤسسات والطرقات.

«حينما أنظر من شرفة المنزل، وأرى الشوارع خالية من المارة والمحال التجارية مغلقة، أتذكر أيام الحروب التي عشناها خلال السنوات الماضية». هكذا أعربت أميرة سمير (44 عاماً) عما يعتريها من مشاعر في هذا الأيام.

وأضافت في حديث خاص لـ«الرؤية»: «الحروب فقط هي التي كانت تمنع الناس من الخروج من منازلهم الصغيرة إلى الشوارع والأسواق، وتمنعهم من الذهاب إلى المدارس والجامعات».

وأكدت أن هذه الأجواء يرافقها الخوف والقلق، ليس من قصف الاحتلال، إنما من هذا الوباء القاتل. وأشارت إلى أن بعض التجار يحاولون احتكار السلع قبل أن تتصدى لهم وزارة الاقتصاد وتقوم بمحاسبتهم وتحذيرهم، وهو تماماً ما حدث خلال الحروب السابقة.

من جهته، قال أكرم حمدان (53 عاماً): «خلال الحروب كانت السلطات تمنعنا من الخروج أو التجمعات. من كان يخرج كان يخرج للضرورة القصوى، إما لشراء حاجيات المنزل أو علاج أو غيرها من الضروريات. والآن الأمر يتكرر».

وأضاف حمدان لـ«الرؤية»: «هذه الأجواء تشبه إلى حد كبير أيام الحروب التي عشناها في أعوام: 2008 و2012 و2014. إلا أننا في الحروب، كنا نعرف عدونا جيداً من خلال طائراته ودباباته، لكن الآن نحن لا نعرف عدونا الذي يتمثل في فيروس كورونا ومن يحمله».

وأشار إلى أن الحيطة والحذر الذي يتم أخذه اليوم هو نفسه الذي كان يؤخذ خلال الحروب، ولكن ليس التخفي من طائرات الاحتلال أو الابتعاد عن مناطق القصف، إنما من خلال الاحتياطات اللازمة في عدم المخالطة والنظافة والتعقيم المستمر.

وشبه حمدان مناطق الحجر الصحي بمدارس الإيواء، التي كانت تقيمها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» للنازحين من منازلهم التي دمرها الاحتلال، أو أولئك الذين يقطنون المناطق الحدودية القريبة من المعارك والاجتياحات.

وقال: «المساجد والمدارس والجامعات لم تغلق إلا في زمن الحروب، خشية أن يقوم الاحتلال بقصفها، أما اليوم وفي زمن كورونا فتغلق خشية أن تنقل العدوى من خلالها».

ومن جهته، قال دكتور أدهم حسونة، أستاذ الإعلام في جامعة الأقصى في غزة: «الأجواء في قطاع غزة تشبه إلى حد كبير أجواء الحروب الـ3 السابقة من خلال الشوارع شبه الفارغة، والحجر المنزلي الذاتي، الذي فرضه المواطن الغزي طواعية من باب الوعي والحرص على سلامة المجتمع».

وقال حسونة لـ«الرؤية»: «يضاف إلى ذلك تحليق طائرة الاستطلاع على فترات متباعدة وبضجيج أقل مما كان في الحروب السابقة». وأضاف: «الحروب كانت تجمع أفراد العائلة للتحاور والتسلية، كذلك الأمر في زمن كورونا فإن العائلة تجتمع، ولكن في ظروف خاصة واستثنائية، وبشكل متباعد لعدم الاختلاط».

وقال: «إن متابعة الأخبار اليومية والعاجلة كانت من سمات الحروب السابقة، والآن يتكرر الأمر ولكن لمتابعة أخبار هذا الوباء. إلى أين وصل، والأرقام، والإحصائيات المتجددة، مثلها مثل إحصائيات الشهداء والجرحى في زمن الحروب، حيث كان المواطن الغزي ينام على عدد من الشهداء ويستيقظ على عدد آخر».

وأكد أستاذ الإعلام أن وزارتي الصحة والداخلية كانت خلال الحروب تصدر تعليمات للمواطنين للالتزام بها بعدم الاقتراب من أماكن القصف، أو تعليمات في حال سقوط شهداء وجرحى، وها هو المشهد يتكرر بمطالب جديدة تتعلق بالوقاية من فيروس كورونا.

وأشار إلى أنه من المفارقات العجيبة هو أنه خلال الحروب، كان المواطنون يشيعون الشهداء بشكل سريع، ولا يفتحون بيوت العزاء، خشية استهدافها من قبل طائرات الاحتلال. والآن لا يسمح إلا لعدد قليل لتشييع حالات الوفاة، دون أن يتم فتح بيت عزاء أيضاً.

كذلك مُنعت الحفلات والأعراس، خشية الاختلاط. و«من المفارقات الغريبة أيضا أن ما يحدث في قطاع غزة يتعرض له العالم بأسره، مشبها حالة الركود في العالم بحالة قطاع غزة على مدار 14 عاماً من الحصار والعزلة». وأضاف الأكاديمي الفلسطيني: ما يعيشه سكان قطاع غزة من انعزال شبه تام عن العالم الخارجي بفعل الحصار الإسرائيلي المستمر منذ 14 عاماً، يعيشه العالم كله الآن جراء انتشار فيروس كورونا.