الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

روحانيات الأزمة.. تجار الدين يصطادون في «مياه كورونا»

يمثل الدين ملاذاً من الطراز الأول لمليارات البشر في أزمة وباء كورونا الذي لا يملك أهل العلم ولا السياسة إجابات تذكر بشأنه. وسعت المؤسسات الدينية الرسمية إلى إبراز مدى سماحة الأديان واتساعها لإجراءات الوقاية والعلاج. أغلق المسجد الأقصى والحرم المكي مؤقتاً، وعلقت تأشيرات العمرة، وأقر الأزهر إغلاق المساجد، وقدم بابا الفاتيكان عظاته عبر الإنترنت دون الحشود الأسبوعية المعتادة. وبدأت الكنائس أسبوع الآلام قبل عيد القيامة دون السماح بشعائر ومراسم متبعة في العادة في تلك المناسبة. وشهدت الأديان غير السماوية إجراءات مشابهة، فألغيت احتفالات العام الجديد لدى البوذيين.

لكن تجار الدين، من أصحاب الآراء المتطرفة والأجندات السياسية والمصالح الضيقة، الذين حاولوا اختطاف الخطاب الديني، رأوا في الأزمة فرصة لتشديد قبضتهم على أتباعهم وتعزيز سلطتهم الدينية ولو على حساب سلامة الأرواح.

لجأ البعض إلى تقريع المؤمنين وتحميلهم مسئولية تفشي الوباء باعتباره غضباً إلهياً، وسعى آخرون إلى تصوير أنفسهم، وليس الدين، على أنهم الملاذ الوحيد من خلال الترويج لآراء والتمسك بممارسات تهدد سلامة الناس. وعملت الفئة الأسوأ على توظيف الأمر سياسياً مع التستر بغطاء ديني.

في كوريا الجنوبية، تسبب قس أصر على إقامة قداسات كالمعتاد في تحويل كنيسته إلى بؤرة لانتشار الفيروس. وفي مصر، طالب أسقف في أسيوط المصلين بترديد مقولة «لو صلينا من قلبنا كورونا مش هييجي عندنا»، رغم أنه حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة. وقال رجل الدين الإيراني علي رضا بناهيان، إن انتشار فيروس كورونا يعتبر «مقدمة لظهور إمام آخر الزمان» في إشارة إلى «المهدي المنتظر».

وحاولت عناصر تنظيم الإخوان الإرهابي استغلال الأزمة في تأجيج الغضب وتأليب المصريين على الحكومة وإنكار الإجراءات التي اتخذتها منذ بداية الأزمة، ودعوة الناس للخروج في تجمعات، غير عابئين بمخاطر الاختلاط، وكذلك دعوة أحدهم في فيديو بثه على «فيسبوك»، لمصابي كورونا إلى زيارة أقسام الشرطة والاختلاط بعناصر الأمن والقوات المسلحة لنشر الوباء بين هذه الشريحة التي كبحت إرهابهم.



ويقول أستاذ الطب النفسي الدكتور جمال فرويز إن ما تفعله هذه العناصر هو «اصطياد في مياه عكرة، دون مراعاة قدسية الحياة». وحذر فرويز من اعتماد رجال الدين خطاب العقاب الإلهي في تفسير الأزمة، لافتاً إلى أن هذا الأمر يمثل خطورة كبيرة على الناس الذين سيعتبرون أنفسهم مذنبين ويستحقون العقاب، وقد يترتب على ذلك عدم اتباعهم الإرشادات الصحية والاستسلام للمرض. وقال لـ«الرؤية»، إن الناس في كل مكان بالعالم ينتابهم الهلع ويبحثون عن الطمأنينة، وإن خطاباً من هذا النوع يفقدهم الراحة النفسية ويساهم في ارتفاع معدلات الاكتئاب التي تؤثر بدورها على الجهاز المناعي للإنسان.

مكاسب تجار الدين

وقال أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان الدكتور رشاد عبداللطيف، إن اللجوء إلى الله والتعلق بالروحانيات مرتبط بالإنسان منذ بدء الخليقة، وتطور الأمر مع نزول الرسالات.

وأضاف لـ«الرؤية»، أن الناس في التاريخ الإسلامي لجأوا إلى الله حين ضربهم الطاعون، وكذلك في أوروبا المسيحية كان الكهنة يجمعون الناس للصلاة في الكنائس، لافتاً إلى أن الثورة الصناعية أدت إلى التعلق أكثر بمسألة البحث العلمي، والاعتماد على العلوم في كل ما يواجه العالم من تحديات.

وقال الكاتب والمفكر المصري كمال زاخر، إن البشر عموماً يلجأون إلى القوة الأعظم من كينونتهم حين يعجزون عن مواجهة المصائب، لكن محاولة إثارة صدام بين العلم والإيمان أو تصويرهما كنقيضين ليست سليمة.

وأضاف لـ«الرؤية»، أن بعض تجار الدين يخشون أن يكونوا الخاسر الأكبر من تفشي وباء كورونا، لأن الواحد منهم اعتاد أن يمارس نوعاً من السلطة على الناس، وصوروا أنفسهم على أنهم يملكون مفاتيح الجنة والنار، لإخضاع الأتباع لهذه السلطة الروحية.

وأشار إلى أن البشرية أمام مخاض لولادة عالم جديد، يتراجع فيه تأثير جماعات التوظيف السياسي للدين من جماعات تمارس سلطة دينية على الناس وتحارب العلم، معتبراً هذه الأمور من الإضاءات الإيجابية لهذا الحدث الكارثي حسب تعبيره.

التوعية بدلاً من التضليل

ويرى استشاري الطب النفسي الدكتور كريم درويش، أن الإنسان حين يتعرض للخوف الشديد فإنه يبحث عن الطمأنينة، والأديان توفر له هذا الاحتياج، مؤكداً أن اللجوء إلى الله لا يكون بالكلام، ولكن يتوجب أن يطبق الإنسان معه الإرشادات لتجنب الخسارة.

وأضاف لـ«الرؤية»، أنه رغم الطمأنينة التي توفرها المعتقدات، ينقسم الناس إلى فريقين، أحدهما يرى أن الوباء ابتلاء من الله وعليه أجر، فيبحث في سيرة الأنبياء عن طرق مواجهة الكوارث، وآخر يراه عقاباً إلهياً على جرائم البشرية، وهذا النوع يشعر بداخله أنه مذنب وقد يتحول الأمر لاكتئاب شديد بسبب هذا النمط من التفكير.

وحمل رجال الدين مسؤولية توعية الناس بدلاً من تضليلهم. وأكد أن رجل الدين يجب أن يتزود بالعلوم الدنيوية إلى جانب العلوم الدينية.

بدوره، قال أستاذ علم الاجتماع السياسي عمار علي حسن، إن هذا الوباء ليس الأول الذي يضرب البشرية، وسبقه عدد من الأوبئة في قرون بعيدة، وحتى القرن العشرين، وخلال هذه الفترات كان يثار الجدل بين من يتبنون نظرة دينية ويرون فيه عقاباً للبشرية وبين من يقدسون العلم وحده، لافتاً إلى أن هذه المشادات أو الانقسامات كانت تنتهي بمجرد ظهور المصل وتراجع الخطر.

وأضاف لـ«الرؤية»، أن هناك تيارات دينية في كل أنحاء العالم سواء الأديان السماوية أو الوضعية يتحدثون بشكل واحد وطريقة واحدة، ويتهمون الناس بالابتعاد عن الصواب كل حسب معتقده، ويرون في الوباء عقاباً أيضاً وأن الخلاص منه يعتمد على العودة للطريق.

وأكد أن هدف هذه اللهجة الخاطئة هو محاولة للحفاظ على مكتسبات رجال دين ومصالحهم خاصة أن تأثير وباء كورونا على المجتمعات الإنسانية لن يكون بسيطاً وسيصل إلى مختلف المناحي من إدارة الأفراد والمؤسسات وكل العلوم.

آية وليس عقاباً

وقال أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر الدكتور أحمد كريمة، إن الوباء آية من آيات الله، وليس عقاباً للناس على جرم ارتكبوه، مشيراً إلى أن التاريخ الإسلامي مليء بالأوبئة التي ضربت البشرية ولم يقل أحد أن الطاعون في عهد الخليفة عمر بن الخطاب كان عقاباً للناس، بل العكس فمن يصبر على الابتلاء له أجر الشهداء كما بشر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم.

وأضاف لـ«الرؤية»، أن المتطرفين وأصحاب المنهج السلفي المتشدد لا يكلمون الناس إلا بالوعيد والعذاب وليس جديداً عليهم أن يحملوا الناس مسئولية الوباء، لافتاً إلى أنه لا توجد هيئة علمية إسلامية قالت مثل قولهم، وأن هيئة كبار العلماء ودار الإفتاء ومنظمة التعاون الإسلامي تبنت خطاباً لا يخوف الناس بل يدعوهم لالتزام منازلهم واتباع الإرشادات الصحية.

وعن دعوات جماعة الإخوان الإرهابية للتجمهر ونشر العدوى بين المصريين، أكد أستاذ الشريعة الإسلامية أن هذا منهجهم، وأنهم لا يريدون إصلاحاً في الأرض، ولكن يسعون للفساد كما اعتدنا ويتبنون منهج الخوارج على الدوام.