الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

لبنان.. الفردوس المفقود

لبنان.. الفردوس المفقود

هل يفر اللبنانيون من جنتهم؟ (إيه بي أيه)

يحتفظ اللبنانيون، وغيرهم على حد سواء، دوماً في مخيلتهم بصورة مفعمة بالحنين لما يجب أن يكون عليه لبنان، وكأنه قطعة من الجنة. لكن جاءت الانفجارات المروعة الأخيرة في مرفأ بيروت لتكرس الهوة السحيقة بين تلك الصورة الحالمة والواقع المرير.

وقال تقرير نشره معهد بروكينجز الأمريكي بموقعه على الإنترنت، إن أسطورة الجنة الموعودة في لبنان تحطمت بالفعل حتى قبل الانفجارات المدمرة التي ضربت بيروت مؤخراً. فالإهمال الجسيم والتجاهل الذي يرقى لدرجة الجريمة لما يجري في ميناء بيروت على مدى السنوات الماضية جاء كدليل إضافي، وكأن اللبنانيين كان ينقصهم ما يثبت لهم فشل حكوماتهم المتعاقبة في تطبيق القانون.

ووسط صيحات التنديد بالإهمال والدعوات للمحاسبة تلزم جماعة حزب الله صمتاً غامضاً مثل غموض دورها المحوري في مرفأ بيروت وأيضاً في مطارها الدولي.

وإذا كانت الغارات الإسرائيلية قد استطاعت الحد من قدرة حزب الله على تنفيذ عمليات تهريب عبر الحدود السورية لسلاح يزعم أنه للدفاع عن لبنان، في حين أنه أضر بشكل جسيم باللبنانيين أنفسهم، فهذا يعني أن حزب الله لجأ بشكل متزايد لاستيراد السلاح عبر ميناء بيروت.





وقال تقرير معهد بروكينجز الذي كتبه جيفري فيلتمان، وهو مستشار سياسي سابق للأمين العام للأمم المتحدة، إن اهتمام حزب الله بالميناء مرتبط أيضاً بشبكته الاقتصادية، وربما يكون لتجارة المخدرات الأولوية على تجارة السلاح، فهي تمتد من أفريقيا إلى أمريكا اللاتينية.

لذا ومن خلال هيمنته على الميناء، يغطي حزب الله أنشطته ويتفادى دفع رسوم جمركية أو حتى ضرائب. أمور أشبه بممارسات المافيا.

بعد أن يواري اللبنانيون ضحاياهم الثرى، ويلملمون جراحهم، لا شك أن غضبهم وإحباطهم سيتفاقم من حكومتهم ومنظومتهم السياسية ككل. أي حكومة مسؤولة في هذا الموقف ستشكل فوراً لجنة تحقيق وتحاكم المتورطين، وسيسعى الناس حينئذ إلى تجاوز خلافاتهم السياسية للتضامن معاً وكشف الحقيقة. والتساؤل المشروع هنا هو كيف أُعطي حزب الله تلك الصلاحيات في منطقة الميناء وكيف تملص المتورطون معه من المحاسبة طوال هذا الوقت بما أدى إلى تلك التداعيات المأسوية الفادحة.

يبدو أنه من المستبعد أن تتحلى هذه الحكومة اللبنانية، التي تعتمد على حزب الله وحلفائه لدعمها في البرلمان، أو أي حكومة غيرها، بشجاعة الاعتراف بالمسؤولية عن المأساة التي ألمت بعشرات الأسر اللبنانية.



بل يبدو مستبعداً أيضاً أن تتجه تلك الحكومة، المتكئة على حزب الله، للمجتمع الدولي لطلب مساعدته في إجراء تحقيق دولي، كما حدث في 2005 عندما قبل اللبنانيون بتدخل الأمم المتحدة للتحقيق في قضية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري. وهي التحقيقات التي أفضت فيما بعد إلى تشكيل محكمة لبنان الخاصة. (آنذاك ساد الخوف أن يتعرض المحققون اللبنانيون ومسؤولو القضاء للتهديد أو حتى التصفية إذا ما كشفوا الحقيقة، وهي المخاوف القائمة الآن أيضاً).



عملية التفجير الضخمة التي راح ضحيتها الحريري عام 2005، أحدثت دماراً في بيروت يقل بكثير عن ذلك الذي أحدثه انفجار الميناء، ومع ذلك أحدثت زلزالاً سياسياً غير وجه لبنان، وأرغم القوات السورية على الخروج بعد نحو شهرين فقط من الأراضي اللبنانية. (ولسوء الحظ تكشف موالاة الحكومة الحالية لدمشق عن أن اللبنانيين نسوا أن يغلقوا الباب بعدما خرج السوريون).

الأمل الآن منعقد على أن يؤدي انفجار 4 أغسطس إلى زلزال سياسي جديد في لبنان، يجبر الحكومة على إجراء تحقيق يحظى بالمصداقية أو كما في 2005 اللجوء إلى القضاء الدولي. زلزال يجبر قادة لبنان وأمراء الحرب على تنظيف الفوضى التي أحدثوها طوال السنوات الماضية. لكن هل سيقوم اللبنانيون على قلب رجل واحد كما فعلوا في 2005؟

لبنان كان يعاني الأمَرَّين قبل انفجار المرفأ، من تردٍ اقتصادي وانهيار للعملة وتفشي جائحة كورونا وتنامي معدلات الفقر وأزمة أمن غذائي وغيرها. لذا من الصعب أن نلوم اللبنانيين إذا ما تخلوا عن عزمهم على التغيير وبدلاً من ذلك سعوا إلى الفرار من التي كانت يوماً جنتهم وآلت اليوم إلى بلد منكوب.