الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

صراع الكهرباء في لبنان.. كواليس فشل الدولة في إضاءة الأنوار

صراع الكهرباء في لبنان.. كواليس فشل الدولة في إضاءة الأنوار

إيمانويل ماكرون: ما يحتاجه لبنان هو تغيير جذري - رويترز

تفقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شوارع بيروت المدمرة الأسبوع الماضي بعد الانفجار الهائل في المرفأ، الذي راح ضحيته 158 شخصاً على الأقل، وقدم الدعم للشعب اللبناني ووجه رسالة حازمة للطبقة الحاكمة في البلاد.

قال إن ما يحتاجه لبنان هو تغيير جذري.

وقال ماكرون في مؤتمر المانحين الدوليين «لابد من تبني مبادرات سياسية قوية لمكافحة الفساد وفرض الشفافية وتنفيذ الإصلاحات التي طرحت قبل عامين».

وأضاف أن على رأس هذه الخطوات «إصلاح قطاع الطاقة لحل أزمات نقص الكهرباء التي تؤثر على الشعب اللبناني اليوم». وكرر ماكرون تلك النقطة أكثر من مرة خلال زيارته التي استمرت يوماً واحداً.

وأمس الاثنين أعلن رئيس الوزراء حسان دياب استقالة حكومته في مواجهة الغضب الشعبي المتزايد.

نُكب لبنان منذ سنوات بانقطاعات الكهرباء، ويرى كثيرون من اللبنانيين أن عجز الدولة عن توفير الكهرباء بشكل يمكن الاعتماد عليه أصبح رمزاً لأوجه الفشل الأخرى في البلاد. وأصبحت عبارة «الكهربا راحت» من بين أوائل العبارات التي ينطقها الأطفال هنا.

وكل يوم ينقطع التيار فتنطفئ الأنوار وتتعطل البرادات (الثلاجات) وأجهزة الغسيل لساعات عندما يتوقف التيار الوارد من شركة كهرباء لبنان المملوكة للدولة.

ورغم كل ذلك تمنى الشركة بخسائر تصل إلى 2 مليار دولار سنوياً تمثل نحو ثلث العجز في الموازنة اللبنانية.

ومنذ مؤتمر المانحين الذي انعقد في باريس في 2018 أبدى البنك الدولي ودول غربية وعربية استعداداً لضخ مليارات الدولارات لمساعدة لبنان على ترتيب أوضاعه المالية والبنية التحتية بدءاً بالكهرباء، وذلك بشرط واحد أن تطبق بيروت إصلاحات من بينها إقامة هيئة تنظيمية للقطاع وتحديث الشبكة وزيادة الأسعار في نهاية المطاف إذ إنها لم تتغير منذ التسعينيات.

وعلى مدار العامين الأخيرين ظل المانحون يراقبون الوضع محبطين بينما انهار الاقتصاد اللبناني ولم تطبق أي إصلاحات وتجادل الساسة حول موقع بناء محطة كهرباء جديدة.

وكان السبب الرئيسي وراء كل ذلك هو الخلفية الطائفية والفئوية للنظام السياسي في البلاد التي يبلغ عدد سكانها 6 ملايين نسمة موزعين على مذاهب عديدة إسلامية ومسيحية.

ويريد أكبر حزب مسيحي في الحكومة وهو التيار الوطني الحر بناء محطة الكهرباء في منطقة مسيحية شمالية على شريط صخري يطل على ساحل البحر المتوسط بالقرب من قرية اسمها سلعاتا.

ويقول الحزب إن المحطة ضرورية لأمن الطاقة في لبنان. غير أن أحزاباً سياسية أخرى والمانحين الدوليين أثاروا مخاوف من هذه الفكرة لأسباب ليس أقلها أن سلعاتا ليست متصلة بشبكة الكهرباء.

ويخشى البعض أن يكون وراء إصرار التيار الوطني الحر على سلعاتا دوافع أخرى من بينها موقعها في جزء يتركز فيه المسيحيون من البلاد. وينفي التيار الوطني الحر أن له أهدافاً خفية.

وتكشف وثائق اطلعت عليها رويترز ومقابلات أجرتها مع أكثر من 10 مسؤولين على دراية بالأمر كيف رفض التيار الوطني الحر تقديم أي تنازلات رغم تنامي علامات الاستفهام حول إمكانية نجاح مشروع سلعاتا وبعد أن أصبح جلياً أن المانحين لن يمولوا المشروع في إطار الخطوات الفورية لإصلاح قطاع الكهرباء.

ومن هؤلاء المسؤولين الذي حاورتهم رويترز مصادر دولية مطلعة على أفكار المانحين وساسة لبنانيون كبار من مختلف الاتجاهات وناشطون في المجتمع المدني. وطلبت المصادر الدولية عدم نشر أسمائها لحساسية الأمر.

وتكشف تغطية رويترز للتطورات أيضاً كيف أصابت تلك الحلقة المانحين بالإحباط رغم أن لبنان يحتاج إليهم أكثر من أي وقت مضى بعد الانفجار الذي هز البلاد الأسبوع الماضي.

وفي ظل هذا الجمود السياسي بخصوص المحطة ازدادت انقطاعات الكهرباء سوءاً. ومنذ أكتوبر الماضي خرج آلاف اللبنانيين إلى الشوراع للاحتجاج على الطبقة الحاكمة في البلاد وكانت شبكة الكهرباء المتعثرة على رأس قائمة المظالم.

وقالت سميرة العزار التي تعمل مديرة لصالة تمرينات رياضية «أمضينا 10 أيام بلا كهرباء على الإطلاق». وكانت قد انضمت الشهر الماضي للاحتجاجات خارج مقر شركة الكهرباء في بيروت والتي تم وضع أسلاك شائكة على سياجها الأصفر في الآونة الأخيرة.

وردد المحتجون هتافات تطالب بإطفاء الأنوار في بيوت القيادات الحاكمة وإنارة بيوت أفراد الشعب.

ويتيح الفشل في إصلاح قطاع الكهرباء لمحة عن الكيفية التي انزلق بها لبنان إلى أسوأ أزمة تواجهه منذ انتهت في 1990 الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاماً وكيف تفسخ النظام المالي تحت وطأة الدين العام فحال بين أصحاب المدخرات وحساباتهم المصرفية وتسبب في عجز الدولة عن سداد الدين السيادي وهوى بقيمة العملة اللبنانية وزاد معدلات الفقر.

وزاد انفجار الأسبوع الماضي اللبنانيين بؤساً على بؤس بنشر الدمار في قلب بيروت التجاري وحرمان نحو 250 ألفاً من المأوى. كما جعل انقطاع الكهرباء عمليات إزالة آثار الانفجار أكثر صعوبة وخطورة في الشوارع المظلمة المغطاة بالزجاج المكسور والركام في ظل وجود خطر سقوط الحطام طوال الوقت.

وعزا المسؤولون الانفجار إلى كمية ضخمة من نترات الأمونيا مخزنة بشكل غير آمن في مرفأ بيروت. وبالنسبة لكثيرين من اللبنانيين لم يكن الانفجار سوى أحدث مظاهر الإهمال من جانب النخبة الطائفية التي فشلت على مدى عشرات السنين في توفير أبسط الخدمات.

وقال جان كوبيس منسق الأمم المتحدة الخاص للبنان إنه بغير إصلاح قطاع الكهرباء من خلال «تدابير فورية وملموسة وسليمة تقنياً واقتصادياً، لا يمكن للبنان أن يوقف الانهيار الاقتصادي والاجتماعي المتزايد ويصبح اللبنانيون محكوماً عليهم ببؤس متزايد لن يستطيعوا أن يتحملوه».

وأضاف «البلد كله يعرف ذلك. لكن هل يدركه القادة؟»

وتصدت الحكومة للمنتقدين الذين اتهموها بالتقاعس عن إصلاح الشبكة. وبعد أن قال وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان خلال زيارة لبيروت في يوليو إن خطوات معالجة مشكلة الكهرباء ليست كافية، قال رئيس الوزراء دياب إن لو دريان ليس لديه معلومات كافية عن مدى إصلاحات الحكومة.

ودافع وزير الطاقة ريمون غجر الذي رشحه التيار الوطني الحر عن سجل الإدارة. وقال في رد مكتوب لرويترز إن الوضع المالي لشركة الكهرباء والخدمة في تحسن. وأضاف أن العقبات الرئيسية أمام الإصلاح هي «تأخيرات في العمليات الإدارية للحصول على الموافقات الضرورية».

ورداً على سؤال عن سبب مطالبة التيار الوطني الحر بإقامة محطة الكهرباء في سلعاتا قال زعيم التيار جبران باسيل لرويترز «أنا إصراري هو على 24 ساعة كهرباء... الكهربا ما بتنعمل إلا ما تكون موزعة لسلامة الشبكة. اسأل أي خبير. نحن بحاجة إلى عدة مواقع».

*