الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

لبنانيون يحاولون التعايش مع صدمة انفجار بيروت

لبنانيون يحاولون التعايش مع صدمة انفجار بيروت

رجل يشير إلى ساعته التي توقفت عند انفجار بيروت. (أ ف ب)

في بلد أدمته الحروب والاغتيالات والتفجيرات منذ عقود، أعاد الانفجار المدمر بمرفأ العاصمة اللبنانية بيروت، الذي أوقع 171 قتيلاً على الأقل وأكثر من 6 آلاف جريح ودماراً غير مسبوق، إحياء جراحات الماضي مترافقة مع شعور أقوى باليأس والعجز.

وبعد وقوع الانفجار، أصبحت تانيا تخشى البقاء وحدها، وظنّت كارلا على مدى أيام أن حرباً ستندلع، فبالنسبة إلى اللبنانيين الذين نجوا من الانفجار، لا تزال الصدمة عنيفة وسيكون صعباً على كثيرين تجاوزها.

كانت كارلا (28 عاماً) تقف على شرفة منزلها في منطقة الجعيتاوي في شرق بيروت عندما بدأ كل شيء يهتز من حولها، ثم دوّى الانفجار الضخم الذي أطاح بزجاج نوافذها.

وتقول «اعتقدت أنها غارة جوية، ذكرني دوّي الانفجار بما عشته خلال حرب عام 2006»، بين حزب الله وإسرائيل.

هرعت كارلا إلى سلم المبنى، كما كانت تفعل مع كل غارة جوية خلال الحرب، فتحت جارتها الباب وجرفت باتجاهها بالمكنسة الزجاج المتناثر في منزلها.

وتضيف كارلا «كانت هذه إحدى ردات الفعل خلال الحرب. حين ينكسر شيء ما، نكنسه».

وعاش لبنان بين 1975 و1990 حرباً أهلية مدمرة، ثم سلسلة أزمات وتفجيرات واغتيالات أبرزها اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في 2005، وحوادث أمنية عديدة داخلية وعلى الحدود مع إسرائيل.

وترفض كارلا اليوم العودة إلى شقتها، مفضلة البقاء في منزل والديها وإن كانت لا تستطيع النوم ليلاً.

وتقول «حين تمر سيارة في الشارع، أول ما يخطر في بالي أن طائرة تحلق في الأجواء».

وتضيف «كل شيء يعيدني إلى ذكريات الحرب. لم أكن أعرف إلى أي درجة أثّرت بي».

ضغوط نفسية

منذ أيام، يتنقل فريق من منظمة «أطباء العالم» الدولية من منزل إلى آخر لتقديم الدعم النفسي لعائلات منطقة الكرنتينا المتضررة والقريبة من مرفأ بيروت.

وتقول مديرة برنامج الصحة النفسية في المنظمة نويل جوان «نحاول أن نحثهم على التنفيس عن غضبهم والتعبير عن مشاعرهم».

وتضيف: «حين يتكلمون يقولون لنا إنهم شعروا بالارتياح.. بعد إخراج كل الغضب داخلهم، وكأنهم عبارة عن كوب ممتلئ يفرغ شيئاً فشيئاً من محتواه».

ولم يستفق اللبنانيون بعد من هول التفجير الضخم الذي ضرب العاصمة بيروت، الأسبوع الماضي.

ويخيّم الحزن على شوارع بيروت المنكوبة وسكانها والعابرين فيها. ولا يتمكن كثر من حبس دموعهم من شدة التأثر والحزن أثناء تجولهم أو قيادة سياراتهم.

عند مدخل حي مار مخايل، يقفز رجل عجوز من مكانه حين يسمع صوتاً ناجماً ببساطة عن مطرقة عامل. يضع رأسه بين يديه ويختبئ خلف سيارة قبل أن يطمئنه أحد المارة بالقول «لا شيء هناك».

بعد يومين من وقوع التفجير، تداولت وسائل إعلام تقارير عن اندلاع حريق في المرفأ، فعمّت الفوضى بين السكان والمتطوعين الذين كانوا يساعدون على تنظيف المنطقة، وبدأ البعض بالركض في كل اتجاه، وسرت إشاعات مفادها أن القوى الأمنية ستعمل على إخلاء المنطقة.

ولكن في النهاية، لم يحصل أي شيء.

في مقهى في شارع الحمرا غرب العاصمة، تسأل زبونة النادل سؤالاً بات يتكرر على لسان كثر: ماذا كنت تفعل بعد الساعة 6 من يوم الثلاثاء 4 أغسطس، أي لحظة وقوع الانفجار؟

وتقول مديرة الأنشطة في «أطباء بلا حدود» الدولية ريما مكي «لا يجب أن ننسى أن هذا حصل في وقت كان المجتمع اللبناني يتعرض أساساً لضغوط نفسية»، جراء الانهيار الاقتصادي من جهة وانتشار فيروس كورونا من جهة ثانية.

وتضيف «من الطبيعي جداً أن تكون لحادثة صادمة بهذا الشكل تداعيات» سريعة، مشيرة إلى أن ردود الفعل تختلف بين شخص وآخر وقد تتجلى بالذعر أو البكاء أو حتى الانقطاع عن الواقع.

شعور بالذنب

وتقول تانيا (32 عاماً) إنها كانت تتجول في أسواق وسط البلد حين وقع الانفجار.

وتضيف الوالدة لطفلين «بكيت بشكل متواصل في أول يومين. كنت أسأل نفسي: لماذا تبكين؟ عائلتك بخير». فأجيب «لكنَّ آخرين ماتوا».

وتوضح «كأنني كنت أشعر بالذنب لأني ببساطة نجوت بحياتي».

لا تتذكر تانيا بوضوح ما حصل حين وقع الانفجار، إلا أنها تحتفظ بكدمات زرقاء على جسدها نتيجة إصابتها.

لا تستطيع الشابة اليوم أن تبقى وحدها. وتقول «الصباح يمر بسهولة أكثر، أما خلال الليل فلا أستطيع أبداً البقاء وحدي».

تجفل تانيا مع كل صوت مرتفع حتى إنها باتت تخشى الاقتراب من الأبواب والنوافذ.

وتقول الشابة التي انتقلت إلى منزل عائلتها في منطقة البقاع في شرق لبنان «حين أفتح النافذة، أخشى أن ينفجر الزجاج في وجهي».

أما عمر فتطارده منذ وقوع الانفجار فكرة واحدة مفادها أنه لو كان بقي في منزله لكان مات أو تشوَّه.

عاد عمر بعد ساعتين على وقوع الانفجار إلى منزله. ويقول الشاب الثلاثيني «طارت السكاكين من مكانها، وانفجرت النوافذ في كل أنحاء المنزل».

ويتساءل الشاب الذي فقد شخصين من معارفه في الكارثة، «لا أعرف كيف يمكن لأحد أن يتخطى شيئاً كهذا».

ويضيف «نواصل حياتنا، ولكننا نفعل ذلك بطريقة مختلفة».