الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

السودان على صفيح ساخن.. حراك سياسي دولي وخلافات بين المدنيين والعسكريين

تمر السودان بحالة من الحراك السياسي هذه الأيام تترافق مع أوضاع داخلية محتقنة بين العسكريين والمدنيين المسؤولين عن حكم البلاد، على وقع الأزمات الاقتصادية التي ورثتها الحكومة عن نظام عمر البشير الذي عاث في البلاد فساداً.

في الوقت الذي وصل فيه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد إلى الخرطوم صباح اليوم الثلاثاء في زيارة للسودان تستغرق يوماً واحداً، استقبلت البلاد أيضاً وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في زيارة تهدف إلى توسيع نطاق السلام في الشرق الأوسط بين إسرائيل وجيرانها.

وكالة الأنباء السودانية (سونا) ذكرت اليوم أن رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك كان في استقبال نظيره الإثيوبي.

وكانت الوكالة نقلت عن السفير الإثيوبي الجديد لدى الخرطوم، يبلتال أميرو، القول إنه سيتم خلال الزيارة بحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية.

وأشار السفير إلى أن الزيارة «تصب في اتجاه تعزيز العلاقات بين البلدين وتعضد العلاقات الثنائية وتعظم الأدوار المتبادلة بين البلدين والشعبين». وزيارة آبي أحمد جاءت بعد تعاظم الخلافات حول سد النهضة الإثيوبي وبعد تقارب الموقف المصري مع السوداني واتفاقهما على أن قضية ملء السد لا يجب أن تتم بقرار أحادي من أديس أبابا.

أما زيارة بومبيو فتأتي في وقت تعاني فيه الدولة الإفريقية من أزمات اقتصادية كبيرة يعتبر السودانيون أن من ضمن أسبابها هو وضع البلاد على لائحة الإرهاب الأمريكية، والتي تمنع وصول الاستثمارات والانفتاح على المجتمع الدولي، ويعتبرون أن زيارة الضيف الأمريكي فرصة سانحة للتخلص من هذا القيد.

وهو ما أكده رئيس الوزراء السوداني حمدوك عقب اللقاء بالقول «ناقشنا مع بومبيو حذف اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب». وأضاف أنه طلب الدعم الأمريكي لثورة السودان.

حراك سياسي

وفي خضم هذا الحراك السياسي برزت خلافات بين العسكريين والمدنيين في الحكومة السودانية بسبب الأزمة الاقتصادية.

وتثير الأزمة الاقتصادية المستفحلة في السودان هذه الخلافات بين الطرفين منذ أن تولى السلطة مجلس السيادة منذ أكثر من عام بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير.

وأطاح الجيش السوداني بالبشير بعد أشهر من الاحتجاجات الشعبية ضده. وفي أغسطس 2019، توصل «تحالف الحرية والتغيير» الذي قاد الاحتجاجات والمجلس العسكري الذي تولى السلطة آنذاك، إلى اتفاق تاريخي حول مرحلة انتقالية تستمر 3 أعوام نصّ على تشكيل مجلس سيادة وحكومة من عسكريين ومدنيين.

ويرأس مجلس السيادة الفريق أول عبدالفتاح البرهان، ويرأس الحكومة عبدالله حمدوك. لكن، وفي مواجهة الاستياء الشعبي المتزايد إزاء عدم إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية في السودان، يتبادل الطرفان الاتهامات بالمسؤولية عن ذلك.

وقال البرهان أمس الاثنين متحدثاً إلى جنود في منطقة عسكرية في مدينة أم درمان المجاورة للخرطوم والواقعة على الضفة الغربية لنهر النيل «هناك حملة لتفكيك القوات المسلحة... الآن الحديث يدور عن شركات القوات المسلحة».

وأضاف «عندما جئنا إلى السلطة، وجدنا أن هناك 421 شركة حكومية فقط، 200 منها تعمل تحت إدارة الحكومة و221 منها تعمل خارج النظام الحكومي. طرحنا الأمر على مجلس الوزراء، ولكنهم لم يتخذوا أي خطوة».

وجاء كلامه رداً على تصريحات أدلى بها رئيس الوزراء الجمعة والسبت الماضيين، واعتبر فيها أن غالبية موارد البلاد الاقتصادية ليست تحت سيطرة الحكومة. وقال في مقابلة مع الإذاعة الرسمية (راديو أم درمان) «18% فقط من الموارد الاقتصادية للبلاد تحت سيطرة الحكومة».

الجيش لا يحتكر

وتعاني البلاد من أزمة اقتصادية خانقة بلغ فيها معدل التضخم في يوليو الماضي نحو 143%، وفق إحصاءات حكومية. وتراجعت قيمة الجنيه السوداني مقابل الدولار الأمريكي إلى 187 جنيهاً في السوق السوداء، في حين أن السعر الرسمي، وفق البنك المركزي، هو 55 جنيهاً للدولار الواحد.

وأكد البرهان أن شركات الجيش لا تحتكر شيئاً، وقال «شركات القوات المسلحة لم تحتكر تصدير المواشي أو الذهب ولم تحجر على أحد الاستفادة من موارد البلاد. الفاشلون هم من يريدون أن يجدوا شماعة ليعلقوا عليها الفشل ولا أحد يمكنه تعليق فشله على القوات المسلحة».

ويتألف مجلس السيادة من 11 عضواً 6 منهم مدنيون و5 عسكريون.

وتعمل بعض الشركات المملوكة للجيش في الزراعة وتصنيع وتجارة الأدوية وإدارة مستشفيات خاصة وتصدير اللحوم، إضافة إلى مجمعات للتصنيع العسكري.

وأكد البرهان أن هذه الشركات تدفع الضرائب للحكومة.

استعادة شركات

وقال حمدوك في كلمة بمناسبة مرور عام على توليه منصبه «هناك قضية ذات أولوية تحظى باهتمام متزايد وشوشت عليها أكثر المعلومات الخاطئة بالإضافة إلى وجود تساؤلات جادة بخصوصها في المجال العام».

وأوضح أنها «قضية استعادة الشركات الاقتصادية التابعة للقطاعين الأمني والعسكري. هذه القضية هي محط اهتمام الحكومة وقد بدأت فيها خطوات عملية لمعالجتها بحسب الاتفاق بين هياكل السلطة الانتقالية على مبدأ ولاية وزارة المالية على المال العام».

ويقول المحلل السياسي ورئيس تحرير أسبوعية إيلاف الاقتصادية خالد التجاني لفرانس برس «إثارة هذا الأمر لا يعبر عن اقتناعات رئيس الوزراء، ولكنه أشار إليه بصورة مخففة لوقوعه تحت ضغط يمارسه (تحالف) الحرية والتغيير وقد اضطر إلى اتخاذ هذا الموقف».

وشدد البرهان على أنه عرض أمام الحكومة تحويل بعض شركات الجيش إلى «شركات مساهمة عامة» ووضع بعضها «تحت إشراف وزارة المالية، لكن أحداً لم يستجب لذلك».

وعلق التجاني بالقول «تصاعد هذا الخلاف يبقى رهناً برد فعل المدنيين في الحكم باعتبار أنهم من بدؤوا بإثارة هذه القضية عبر خطاب رئيس الوزراء والمقابلة التي أجراها مع الإذاعة».