الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

«فساد وفشل حكومي».. كيف يزيد انفجار بيروت ثراء النخب اللبنانية؟

تسود المخاوف بين اللبنانيين من أن انفجار بيروت الذي قتل وأصاب آلاف الأشخاص وألحق دماراً هائلاً بالعاصمة، قد يؤدي إلى إثراء النخبة اللبنانية، كما حدث خلال التسعينات.

وذكرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية في تقرير بعنوان «كيف يمكن أن يؤدي انفجار بيروت إلى إثراء النخب اللبنانية؟»، أنه عندما شرع لبنان في إعادة إعمار العاصمة بيروت بعد 15 عاماً من الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين 1975 و1990، كانت النتيجة بمثابة صفقة بالنسبة للمسؤولين الحكوميين وأصدقائهم. فقد ذهبت عقود إعادة الإعمار إلى المقربين، واختفت أموال المساعدات، وازدهرت شبكات المحسوبيات.

والآن، وبينما تفكر الحكومة ملياً في ما يجب القيام به بشأن منطقة الميناء التي دمرها الانفجار الضخم الذي وقع في الرابع من أغسطس الجاري، فإن العديد من اللبنانيين يساورهم القلق من دوران حلقة الفساد مجدداً، ما يؤدي إلى سلب السكان منازلهم.

ولا يوجد مكان يتعمق فيه القلق أكثر من الأحياء المحيطة بالميناء، حيث لقي أكثر من 220 شخصاً حتفهم ودُمّرت أو تضررت آلاف المنازل في انفجار أطنان من مادة نترات الأمونيوم التي تم تخزينها بشكل غير صحيح بميناء بيروت.

«الحكومة لا تساعد. هي غير موجودة حتى، ولكنني أضمن أنها ستحاول الاستيلاء على أرضنا وعلى بيوتنا المدمرة»، بهذه الكلمات أعرب فاسكين ماموريان عن غضبه، مشيراً إلى أن «هذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك».

وكان ماموريان يزيل الحطام من منزل عائلته ذي الأسقف العالية والمزخرفة والذي يعود تاريخه إلى قرن من الزمان، وقد تعرَّض لأضرار بالغة في انفجار بيروت، وهي مهمة وقعت على عاتق أصحاب المنازل والمتطوعين بدلاً من الحكومة.

وقال: «لا نعرف من سيدفع ثمن ذلك. وكل ما أعرفه هو أنني خلال الأسابيع الماضية دفعت للعمال لإزالة الأنقاض».

وكان الانفجار بمثابة كارثة أخرى في بلد يعاني بالفعل من انكماش اقتصادي، وأزمة ديون، والآن زيادة كبيرة في حالات الإصابة بفيروس كورونا (كوفيد-19).

ويلقي اللبنانيون باللوم على حكومتهم بشكل كبير في الإهمال، فقد كان 2750 طناً من مادة نترات الأمونيوم قابعة في الميناء لمدة 6 سنوات، على الرغم من المخاوف التي أثارها مختلف المسؤولين.

وقال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة القديس يوسف في بيروت ومدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس كريم بيطار إن الكثير من السكان ينقصهم المال لإجراء الإصلاحات وقد يُدفعون لبيع ممتلكاتهم بأقل من قيمتها الحقيقية «إلى مسؤولين معيّنين يحاولون الاستيلاء على الأحياء المتضررة».

وأشار بيطار إلى أن أموال المساعدات قد ينتهي بها المطاف إلى الأيادي الخاطئة. مضيفاً: «في الماضي ساعدت أموال المساعدات الدولية في فترة ما بعد الحرب الأهلية أمراء الحرب على البقاء في مناصبهم، عوضاً عن المساعدة في إعادة بناء الدولة».

وحتى قبل الانفجار، كان العديد من اللبنانيين يعانون من أزمة اقتصادية طاحنة. وتضاعف عدد الأشخاص الذين يعانون من الفقر خلال العام الماضي تقريباً ليتجاوز 50% من السكان، وفقاً للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا).

ويعاني نحو 23% من سكان البلاد من الفقر المدقع، وهو ما يعني بالنسبة للبنان أن يعيش الفرد على أقل من 6 دولارات يومياً.

ويعد لبنان واحداً من أكثر الدول تفاوتاً في توزيع الثروات في العالم، حيث بلغت ثروة أغنى 10% ما يقارب 70% من مجموع الثروات الشخصية. ومن المتوقع أن تزداد معدلات الفقر نتيجة لارتفاع التضخم وتأثير انفجار ميناء بيروت، وفقاً لتقرير (الإسكوا).

ومنذ أواخر العام الماضي، ارتفع سعر الدولار الأمريكي أمام الليرة اللبنانية، بعد أن أبقت الحكومة على ثباته لأكثر من 20 عاماً. فقد جعلت البنوك من الصعب على الناس الحصول على الدولارات مع الاستمرار في العمل بسعر الصرف الرسمي (1507 ليرات مقابل الدولار) حتى مع ارتفاع سعر الصرف بالسوق السوداء إلى 7000 ليرة للدولار.

والنتيجة هي أن أعمال ترميم المنازل، والتي تتطلب شراء الواردات بأسعار الدولار، أصبحت بعيدة المنال بالنسبة لأغلب الناس، الذين ما زالوا يحصلون على الرواتب بالعملة المحلية، والمقومة بسعر الصرف الرسمي.

من جهتها، قالت أستاذة الدراسات والتخطيط المدني بالجامعة الأمريكية في بيروت منى فواز إن: «التعافي سيكون طريقاً شاقاً، معربة عن تخوفها من أن عملية إعادة الإعمار بعد الانفجار قد تعزز القوى نفسها التي أدت إلى تدمير أحياء بيروت في المقام الأول».

يستشهد العديد من اللبنانيين بالعمل الذي قامت به الشركة اللبنانية لتطوير وإعادة إعمار وسط بيروت (سوليدير) بعد الحرب الأهلية باعتباره حكاية تؤكد استشراء الفساد في لبنان.

وقال بيطار: «لقد طردت سوليدير ملاك الأراضي وأنشأت وسط المدينة الحديث، فهي منطقة يستحيل تمييزها لأنها تختلف تماماً عن المدينة القديمة».

واليوم، لا تزال العديد من المباني في المنطقة خالية، وأصبح المشروع مصدر استياء عام. وعندما اندلعت الاحتجاجات المناهضة للحكومة في أكتوبر الماضي، بدأت هناك.

وفي وقت سابق هذا الشهر، قال وكيل وزارة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية ديفيد هيل إن على لبنان إجراء إصلاحات اقتصادية للحصول على مساعدات.

فيما قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارة لبيروت عقب الانفجار إن الأمر يتطلب وجود نظام سياسي جديد حتى تتلقى البلاد الأموال، وإلا فإن لبنان سوف يستمر في الغرق.