الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

من طرابلس إلى طرابلس.. محاصرة مصر هدف أردوغان الحقيقي

سلط حادث انفجار مرفأ بيروت الضوء على المصالح التركية الإيرانية المتشابكة في لبنان من جهة، ومساعي أنقرة الحثيثة لتنفيذ مخططاتها لبسط النفوذ في المنطقة وتحجيم دور القوى ذات التأثير الفاعل فيها تاريخياً، من جهة أخرى.

وتناولت ورقة تحليلية، أعدتها المحامية الأمريكية الخبيرة في مجال الأمن القومي ايرينا تسوكرمان، أبعاد الحراك التركي في لبنان، وخطوات أنقرة الاستفزازية في شرق المتوسط، مشيرة إلى أن الأمر يتعلق بمخطط استراتيجي تركي أكثر عمقاً وتعقيداً يتمحور حول إضعاف مصر عبر محاصرتها من جميع الجهات بقوى وجبهات معادية.

وأوضحت المحامية في المقال المنشور في موقع مركز «بيغن ـ السادات» للدراسات الاستراتيجية، أن انفجار بيروت حمل الكثير من الأسئلة والقليل من الإجابات، مؤكدة أنه بغض النظر عن أسباب الانفجار أو القصد النهائي منه، فإن اللوم يقع على جماعة حزب الله الإرهابية التي خزنت المواد ذات الخطورة الانفجارية العالية بين مساكن المدنيين في انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي.

وأشار التحليل إلى أن علاقة حزب الله بالانفجار واستحواذه على المساعدات المقدمة للبنانيين بعده، والمعلومات التي تكشفت مؤخراً حول تزويد إيران للحزب بشحنات نترات الأمونيوم عام 2013، كلها معطيات تكشف جانباً واحداً من القصة متشابكة العناصر.

وأكدت إيرينا تسوكرمان أن الجانب الآخر من قصة الانفجار المروع، يشير إلى علاقة تركيا بالملف، حيث أشار أحد المحققين إلى أن شحنات نيترات الأمونيوم المخزنة في بيروت كانت مطابقة للمادة الموجودة في شحنة تم حجزها في اليونان أثناء عبورها من تركيا نحو ميناء مصراتة الليبية في العاشر من يونيو الماضي، حيث كان يفترض أن تنتهي في يد مقاتلي الميليشيات الحليفة لتركيا ومرتزقتها هناك.

ولفتت إلى أن من شأن هذه الأخبار أن تؤكد مصداقية الشائعات حول التعاون التركي الإيراني في ملفات عدة تشمل استراتيجية تركيا الجيوسياسية الشاملة، فيما لم يتبين بعد ما إذا كان هذا المستوى من التعاون العسكري بين الطرفين يعود إلى عام 2013 إبان عمل أنقرة وطهران معاً على خرق العقوبات الدولية المفروضة على إيران أم أنه تطور حديثاً، مشيرة إلى نقطة يتم التغاضي عنها كثيراً تتمثل في الحضور التركي المتزايد في اليمن.

دعم إخوان لبنان

وسلطت تسوكرمان الضوء على تقارير أشارت إلى إرسال تركيا شحنات أسلحة عبر سوريا إلى لبنان حيث تدعم أنقرة فرع تنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي هناك.

وقالت إن نشاط تركيا في مدينة طرابلس اللبنانية، التي تعتبر مركزا محورياً لنشاط التيار الإسلامي، يعود لسنوات طويلة، فيما عملت أنقرة اعتباراً من 2012، على تعزيز التعاون السياحي مع لبنان، مشيرة إلى أن أردوغان يجد في لبنان، نتيجة موقعه الجغرافي وأوضاعه الحالية ونظراً لعوامل تاريخية، مكاناً مناسباً لخططه التوسعية.

وفي إشارة إلى مستوى التنسيق بين إيران وتركيا في الساحة اللبنانية، أشارت الكاتبة إلى أن جزءاً مهماً من الجالية الأرمنية المعروفة بموقفها المناوئ لتركيا، يقف إلى صف حزب الله، فيما تتمتع دولة أرمينيا بعلاقات متميزة مع إيران، وهنا تكمن فرصة تركيا في توسيع حضورها لبنانياً عن طريق التنسيق مع طهران.

ولفت التحليل إلى استثمار تركيا في السوق اللبنانية لدعم تجارتها الخارجية واستغلالها للأزمة الأخيرة للترويج لنفسها باعتبارها المنقذ للبنان، فيما ظل تركيزها ينصب دائماً على الجانب الحكومي أكثر من الشعب اللبناني ذاته، ما يشير إلى الهدف التركي الأساسي من لبنان والمتمثل في تحقيق حلم السيطرة في شرق المتوسط.

3 جبهات ضد مصر

ونبهت الكاتبة إلى أنه في الوقت الذي تسعى تركيا لخلق صراع فوضوي في شرق المتوسط، تبدو أنقرة قادرة على إحراز مزيد من التقدم في اليمن، ما يعطيها نقطة ربط مع الصومال المجاور وكذلك ليبيا، ويمنحها طريقاً سالكاً نحو البحر الأحمر ذي الأهمية الاستراتيجية العالية.

وأشارت تسوكرمان إلى أنه فيما تعد مصر القوة المسيطرة في البحر الأحمر، تحظى تركيا بنفوذ واسع في دول مثل الصومال وإثيوبيا، كما أنها ربما تسعى للتسلل بهدف تقسيم التحالف الأمني الذي يجمع الدول المطلة على البحر الأحمر بقيادة السعودية.

وحسب المحامية الأمريكية، فإن تركيا تهدف إلى محاصرة مصر وإضعافها من خلال 3 جبهات: حرب استنزاف في ليبيا، ونزاع مسلح مع إثيوبيا التي تسلحت بطائرات عسكرية وأسلحة فرنسية متطورة بفضل قطر حليفة أنقرة، إضافة إلى جبهة بحرية عبر تقويض تعاون القاهرة مع الصومال وإثيوبيا، ما يفتح الباب أما تهديدات القراصنة والتهريب وحتى الإرهاب وهو ما من شأنه أن يشتت تركيز القوات المصرية التي تخوض معركة مستمرة ضد الإرهابيين في سيناء.

ولفتت تسوكرمان إلى أن سيناريو فتح عدة جبهات متزامنة يسمح لتركيا بتكريس نفوذها وسيطرتها في شمال إفريقيا، ما يؤثر بشكل قوي على أمن مصر لدرجة تجعل من التحالف مع الدول المناوئة لأنقرة في شرق المتوسط، نوعاً من الرفاهية بالنسبة للقاهرة.

وحل البراغماتية

ومع كل الأهداف والشعارات الدينية التي يتشدق بها أردوغان، فإن الغايات الحقيقية لخططه تبقى غارقة في وحل البراغماتية، حيث ترى المحامية الأمريكية أن الرجل يسعى من وراء كل تحركاته لفرض الهيمنة التركية على البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط والتحكم في حركة النقل البحري في المنطقة ذات البعد الاستراتيجي والتجاري الدولي.

وأثارت تحركات تركيا في شرق المتوسط سلسة ردود فعل دبلوماسية إقليمية ودولية، حيث وقعت مصر واليونان اتفاقاً لتعيين المنطقة الاقتصادية بينهما، كما دفعت التحركات التركية في المنطقة إيطاليا إلى إعلان رغبتها في الانضمام إلى المشروع اليوناني ـ الإسرائيلي ـ القبرصي في شرق المتوسط، فيما عززت إسرائيل وقبرص تعاونهما العسكري مؤخراً لمنع تركيا من تحقيق خطة «الوطن الأزرق»، الهادفة للهيمنة على بحر إيجة وشرق المتوسط والبحر الأسود، واتخذ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون موقفاً مناهضاً لمخططات تركيا.