الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

(ثمار السلام 5-1): رؤية السلام الإماراتية أعطت «قبلة الحياة» لحل الدولتين

تأتي معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية لتصنع «معادلة جديدة» في المنطقة، وتبرز «آليات تفاوضية» مبدعة، بعيداً عن الوسائل الكلاسيكية التي جاء بها عشرات الوسطاء الدوليون منذ عام 1948 وحتى الآن، ويكفي أن المعاهدة جمدت خطط ضم الأراضي لإسرائيل، وهو الأمر الأول الذي لم تتراجع عنه إسرائيل منذ عقود.

سيذكر التاريخ أن قادة الإمارات لم يكونوا رواداً فقط في بناء المفاعلات النووية السلمية، وإرسال المسبار لاكتشاف الفضاء، بل كانوا في طليعة العمل الجاد والمخلص من أجل تعزيز ثقافة الحياة وبناء مستقبل لكل شعوب المنطقة، وكشفت مفردات معاهدة السلام الإماراتية الإسرائيلية، أنها قامت على رؤية مبدعة ودبلوماسية شجاعة واستنارة فكرية وسياسية تستشرف معالم المستقبل، والمتغيرات التي ستلحق بالمنطقة خلال الفترة القادمة، وهو ما يستوجب مقاربة جديدة ترى القيادة الإماراتية أن البقاء فيها، والمساهمة في تشكيلها أفضل للشعوب العربية من الانزواء والابتعاد والتعامل بالأطروحات القديمة التي لم يجن منها العرب إلا مزيداً من الضعف وضياع الحقوق. فالرؤية الإماراتية تعتمد على اتفاقيات جديدة من حيث الطرح والثمار.

دبلوماسية خارج الصندوق


بتحليل مضمون كافة المبادرات التي طرحها وسطاء دوليون أو إقليميون لحل أزمة الشرق الأوسط منذ عام 1948 وحتى 13 أغسطس الماضي، نكتشف أن كل هذه المبادرات والأطروحات بدأت وانتهت عند فلسفة سياسية كلاسيكية استسلمت للواقع دون أي محاولة جادة لتغييره أو حتى تعديله، ولذلك ماتت غالبية هذه المبادرات قبل أن تولد، ولا نتذكر من هذه القرارات الدولية أو المبادرات إلا أسماء أصحابها والتي فشلت جميعاً في رسم طريق المستقبل لمنطقة عاشت ما يزيد على 70 عاماً في تغذية الكراهية، وتسخير كل إمكاناتها من أجل حروب لا تنتهي، وزاد من هذه الأجواء المظلمة أن قضية العرب الأولى والمركزية «وهي القضية الفلسطينية» دخلت غياهب النسيان بفعل ما سُمي «بالربيع العربي» وأصبح الاهتمام بالقضايا الوطنية والمحلية له الأولوية، ونسي الجميع القضية الفلسطينية، فالعراق وسوريا منشغلان بمواجهة داعش والقاعدة، والتدخلات الإقليمية في اليمن ولبنان وليبيا لا تحتاج لشرح أو توضيح، ووسط كل ذلك اتفق كل الساسة الإسرائيليين من اليمين (الليكود) واليسار (أزرق أبيض) وغيرهم على ضم 35% من أراضي الضفة الغربية، ودعمت الولايات المتحدة هذا التوجه وأعلن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أن إسرائيل تستطيع أن تفعل ما تراه في مصلحتها، والمؤكد أنه إذا ما تمت هذه الخطوة، فهي تعني بكل وضوح نهاية لحل الدولتين، لأن قضم 35% من أراضي الضفة الغربية في مناطق غور الأردن وشمال البحر الميت مع وجود 600 ألف مستوطن إسرائيلي يعني عدم وجود أراضٍ لقيام الدولة الفلسطينية، وبكل صراحة ودون تقليل للذات ماذا كان سيفعل العرب؟ سيصدرون مجموعة من البيانات والخطابات والإدانة والشجب فقط، حتى المظاهرات التي كانت تخرج في السابق دعماً للانتفاضة الأولى لم يعد لها مكان بعد كل ما فعلته الثورات الملونة بدول المنطقة، كما لا يمكن التعويل على أي طرف دولي، فإسرائيل والولايات المتحدة لم تقيما وزناً للاتحاد الأوروبي أو الموقفين الروسي والصيني عندما ضمت تل أبيب الجولان السوري عام 1981، واعترفت الولايات المتحدة بنقل السيادة الإسرائيلية على الجولان العام الماضي، ناهيك عن أن الانتخابات الأمريكية على الأبواب، والتي توصف بأنها أصعب انتخابات في آخر 50 عاماً، فماذا فعل الانتهازيون والمتاجرون بالقضايا العربية؟ هل أوقفوا بناء المستوطنات في الضفة الغربية؟ هل أوقفوا قرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس؟ وهل يزعمون، مجرد زعم، بقدرتهم على وقف أو تجميد قرار الضم الإسرائيلي؟


أول تراجع إسرائيلي أمريكي

وسط كل هذه التحديات والكوابح تحركت الدبلوماسية الإماراتية بطريقة مبتكرة، ووفق شجاعة وإخلاص أبهر الجميع، حيث نجحت الإمارات في تحقيق اختراق تاريخي بتطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل تجميد قرار إسرائيل بضم 35% من أراضي الضفة الغربية، وهذه هي السابقة الأولى في تاريخ إسرائيل، أن تجبرها دولة عربية على وقف قرار كبير مثل هذا، كما أن الرئيس ترامب الذى أوفى بكل وعوده الانتخابية، ولا يتراجع عن أي قرار مهما كانت كلفته السياسية تعاطى إيجابياً مع المقاربة الإماراتية وضغط لأول مرة منذ وصوله للبيت الأبيض في 20 يناير 2017 على إسرائيل لتوقف قرار ضم الأراضي، وهو ما يمنح المفاوض الفلسطيني فرصة عظيمة وغير مسبوقة، فإسرائيل كانت تخطط لقرار الضم في أغسطس الماضي أو سبتمبر الجاري، وفي أقصى تقدير كان سيتم قبل الانتخابات الأمريكية، وهنا استطاعت الإمارات بهذه المعاهدة «شراء الوقت» للفلسطينيين كما قال الوزير أنور قرقاش، وهو ما يؤكد أن الرؤية الإمارتية شكلت بالفعل «قبلة الحياة» لحل الدولتين.

حلم مليار و800 مليون مسلم

وسيذكر التاريخ أيضاً أن القيادة الإماراتية هي التي حققت حلم أكثر من مليار و800 مليون مسلم حول العالم بزيارة الأماكن المقدسة في القدس الشرقية، خاصة المسجد الأقصى وقبة الصخرة، وهذه قضية لمن لا يعلم في غاية الحساسية للساسة والشعب الإسرائيلي، وكانت إسرائيل ترفض فتح هذا النقاش على الدوام، ونجحت الإمارات في انتزاع حق كل مسلم في العالم في زيارة المناطق المقدسة للمسلمين في القدس، وهو حق لم تستطع أي دولة عربية أو غير عربية تحقيقه، كما أن اتفاقيات السلام السابقة بما فيها اتفاق أوسلو الذي وقعته منظمة التحرير الفلسطينية مع إسرائيل عام 1993 لم ينص على ذلك، والمؤكد أن هذا الإنجاز التاريخي الذي حققته الإمارات لمسلمي العالم هو استجابة لمطلب رئيسي للقيادة الفلسطينية، فالرئيس محمود عباس نفسه كان يقول دائماً إن «زيارة السجين» لا تعني «دعم السجان» بمعنى أنه كان يدعو العرب والمسلمين لزيارة القدس والأراضي المحتلة، وهو ما حققته المعاهدة الإماراتية الإسرائيلية التي ستغير وجه الحياة في القدس، فعندما يزور مئات الألاف من المسلمين والعرب المدينة المقدسة سيكون هناك مشهد بمفردات مختلفة عن المشهد الحالي، الأمر الذي سيساهم بشكل عملي في مد جسور الثقة بين شعوب المنطقة، ويجذر لثقافة ومصالح يستفيد منها الجميع بعد سنوات طويلة من الشك المتبادل، الأمر الذي يساعد في «بناء نظام إقليمي» يقوم لأول مرة منذ 7 عقود على التعاون وليس الحرب، والاستفادة من الطاقات المتاحة وليس تخزين السلاح والاستعداد للحروب، وهو ما يدعم موقف الدول العربية لتكون لأول مرة في دائرة الفعل وليس رد الفعل.

لقد أثبتت العقود الماضية أن ما تحقق للدول العربية من خلال اتفاقيات السلام الثلاث «كامب ديفيد - وادي عربة - أوسلو» يجعلها الوسيلة الأفضل لاستعادة كل الحقوق والأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967، فمصر استعادت من خلال كامب ديفيد كل أراضي شبه جزيرة سيناء، واستعادت الأردن كافة حقوقها من خلال اتفاقية وادي عربة 1994، كما أن الاتفاقية الوحيدة التي منحت الفلسطينيين أراضي ونواة للدولة، هي اتفاقية أوسلو التي تأسست بموجبها السلطة الوطنية الفلسطينية.