الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

ثمار السلام (5-5): اتفاقيات السلام «المسار الوحيد» لإعادة الأراضي العربية المحتلة

هناك حقيقة لا يمكن الفرار منها أكدتها العقود الماضية من الصراع العربي الإسرائيلي، وهي أن استعادة الأراضي العربية المحتلة تتحقق فقط بالمفاوضات والاشتباك الدبلوماسي والسياسي مع إسرائيل وليس بالقتال والحروب، وهذا ما أكدته اتفاقيات السلام المصرية الإسرائيلية، ومعاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية المعروفة باتفاق «وادي عربة» 1994، وقبلها بعام استعاد الفلسطينيون جزءاً مهماً من أراضيهم من خلال اتفاق «أوسلو» 1993، ففي الوقت الذي استعاد فيه الأردن كل أراضيه المحتلة وعاد لحدوده الدولية كما كانت عليه قبل حرب 4 يونيو 1967، فإن اتفاق أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين هو الاتفاق الوحيد الذي منح الفلسطينيين أراضي منذ قيام إسرائيل 1948، ولم يحصل الفلسطينيون على «متر أرض واحد» بعد اتفاق أوسلو رغم الأصوات التي رفضت أوسلو، وما زالت ترفض كل جهود السلام التي جرت في طابا وواي ريفر وأنابوليس وصولاً إلى المفاوضات التي انتهت في أبريل 2015 في عهد الرئيس الأمريكي السابق أوباما. فإلي أى مدى يمكن البناء على هذه الاتفاقيات السابقة أو معاهدات السلام الجديدة بين إسرائيل من جانب ودولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين من جانب آخر؟

نواة الدولة الفلسطينية

طوال مراحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لم يحصل الفلسطينيون على «شبر واحد» من الأراضي حتى اقتنعوا بأن طاولة المفاوضات هي السبيل الوحيد لتحقيق الحلم وتقرير مصير الشعب الفلسطيني من خلال قيام دولة فلسطينية، وتحقق ذلك من خلال اتفاق «أوسلو» عام 1993 الذي تم توقيعه في واشنطن 13 سبتمبر 1993 برعاية الرئيس الأمريكي الأسبق كلينتون بعد سلسلة من المفاوضات جرت من خلف الكواليس في أوسلو، وكانت قد بدأت منذ أن انطلقت مفاوضات السلام في مدريد 1991. وأوسلو هو أول اتفاق بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، وهو ما شكل بداية حقيقية بين الشعبين الفلسطيني وإسرائيل من خلال الاعتراف المتبادل بين الطرفين، ولأول مرة تلوح في الأفق إمكانية قيام دولة فلسطينية عندما نص إعلان مبادئ «اتفاق أوسلو» على إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتأسيس المجلس التشريعي الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة أيضاً، والعمل على تحقيق إقامة دولة فلسطينية على حدود 4 يونيو، وتحقيق تسوية تعتمد على قرارَي الأمم المتحدة 242 و338، كما أثمر هذا الاتفاق على نص واضح يؤكد رغبة الطرفين في حل القضايا الأخرى العالقة بما فيها القدس والمستوطنات والحدود واللاجئون، والبناء على الاتفاقيات الأخرى مثل اتفاق غزة أريحا، وبروتوكول باريس الاقتصادي.


حقق اتفاق أوسلو لأول مرة في التاريخ الخطوة الأولى نحو بناء دولة فلسطينية بها رئيس وبرلمان ووزراء، وتم الاعتراف بفلسطين كدولة «مراقب» في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر 2012، وبات للسلطة الوطنية الفلسطينية «وضع الدولة» في الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وهناك 22 توصية من برلمانات بالاتحاد الأوروبي للاعتراف بالدولة الفلسطينية، كما اكتسبت فلسطين عضوية أكثر من 35 منظمة دولية منها اليونسكو، والعدل الدولية وغيرها، وكل ذلك تحقق بعد اتفاق أوسلو، وما كان ليتحقق دون معاهدة السلام الفلسطينية الإسرائيلية.


زيادة المستوطنات

ما يؤكد أن نهج السلام والمفاوضات هو الأنجح في استعادة الأراضي الفلسطينية أن «الحنجوريين» الذين عارضوا اتفاق «أوسلو» وسيطروا على الأجواء السياسية والإعلامية الفلسطينية منذ 1993 لم يستعيدوا «شبراً واحداً» من الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد هذا الاتفاق، بل زادت المستوطنات الإسرائيلية في القدس الشرقية والضفة الغربية منذ ذلك الوقت حتى وصل عدد المستوطنين الإسرائيليين إلى 600 ألف في الضفة الغربية وحدها، وكل يوم يمر دون اتفاق تقضم إسرائيل مزيداً من الأراضي، ولهذا ما كان مطروحاً في السابق بات يلهث وراءه الفلسطينيون اليوم، وهو ما يؤكد أن السلام والاستقرار وتحقيق حلم الدولة الفلسطينية يمكن أن يتحقق من خلال المقاربة الجديدة التي طرحتها معاهدتا السلام الإماراتية والبحرينية مع إسرائيل، وأن تشنج بعض الأطراف الفلسطينية ضد هذه المعاهدات يشكل «فرصة ضائعة» جديدة على الشعب الفلسطيني، وقد ساهمت سلوكيات الفريق «الحنجوري» في ضياع المزيد من الحقوق الفلسطينية، فالعمليات الانتحارية التي قامت بها بعض الفصائل الفلسطينية جعلت العالم يتعاطف أكثر مع إسرائيل، وزادت واشنطن مساعداتها العسكرية والاقتصادية لتل أبيب للوقوف أمام دعاة العنف الذين طالبوا بإلقائها في البحر، وهو في الأساس خطاب دعائي وليس واقعياً، فلا هم استطاعوا إلقاء إسرائيل في البحر ولم يسمحوا للآخرين بطرح «مقاربة مختلفة» تضمن حلاً عادلاً ومتوازناً للقضية الفلسطينية، وبعد سنوات من «الفرص الضائعة» قام هؤلاء بما فيهم فصائل فلسطينية بتغيير «الميثاق الخاص» بها للقبول بحدود 4 يونيو 1967، ولو كانوا قبلوا ذلك عام 1993 ربما كان الفلسطينيون في وضع تفاوضي أقوى.

انتهى عصر الحروب

شكلت كلمات رئيس الوزراء الأردني عبدالسلام المجالي التي قال فيها «انتهي عصر الحرب» أثناء توقيعه على اتفاق وادي عربة في 27 أكتوبر عام 1994، بداية جديدة على الإرادة السياسية الأردنية بإنهاء حالة العداء وبدء المفاوضات ووضع حد لسفك الدماء من أجل إقامة سلام عادل ودائم في المنطقة.

وجنت الأردن ثماراً كثيرة ومتعددة سياسياً واقتصادياً منذ اتفاقها مع إسرائيل، حيث استعادت الأردن كل الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967، وعادت الحدود بين الأردن وإسرائيل إلى الحدود الدولية، وتأكدت المكاسب الأردنية من اتفاق وادي عربة في 10 نوفمبر 2019 عندما أعلن ملك الأردن عبدالله الثاني انتهاء العمل بالملحقين الخاصين بمنطقتي الباقورة والغمر في المعاهدة، وفرض سيادة الدولة الأردنية عليها بعد انتفاع إسرائيل بهما لفترة دامت 25 عاماً، كما حققت الأردن من اتفاقية السلام مع إسرائيل مكاسب تتعلق باستمرار وصايتها الهاشمية على الأماكن المقدسة في القدس، حيث نص الاتفاق على أن تحترم إسرائيل الدور الخاص للمملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستعطي إسرائيل أولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الأماكن، ونتيجة لهذا الاتفاق أصبح للأردن مع مصر دور إقليمي كبير يقوم على تعزيز الاستقرار والسلام في المنطقة، كما استعادت الأردن كافة حقوقها المائية، وذلك في مياه نهرَي الأردن واليرموك ومن المياه الجوفية لوادي عربة، وهذه قضية حيوية للغاية للشعب الأردني في ظل الشح الذي تعانية المنطقة من المياه.

مكاسب اقتصادية

حققت الأردن ثماراً اقتصادية كبيرة من الاتفاق مع إسرائيل، حيث يزور مناطقها السياحية آلاف السياح الإسرائيليين، فنتيجة لمعاهدة «وادي عربة» أقيمت عدة معابر حدودية سمحت للسياح ورجال الأعمال والعمال بالسفر بين البلدين، وتدفق السياح الإسرائيليون لزيارة الأردن خاصة منطقة البتراء، كما نصت الاتفاقية على إقامة مناطق تجارة حرة واستثمار، والعمل المصرفي، والتعاون الصناعي، وفي ديسمبر 2013 وقّعت إسرائيل والأردن اتفاقية لبناء محطة لتحلية المياه على البحر الأحمر بالقرب من ميناء العقبة، ومنذ توقيع اتفاق السلام بين عمان وتل أبيب حصلت الأردن على الكثير من القروض والمساعدات الاقتصادية الدولية باعتبارها دولة تسعى لتعزيز السلام والاستقرار في المنطقة، وهو ما عاد بالمغانم الكثيرة والكبيرة على الشعب الأردني.

ثمار السلام (5-1)

ثمار السلام (5-2)

ثمار السلام (5-3)

ثمار السلام (5-4)