الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

ترجمة القرآن إلى العبرية.. بوابة لفهم الإسلام وفرصة للتقارب

ترجمة القرآن إلى العبرية.. بوابة لفهم الإسلام وفرصة للتقارب

تفاوتت الترجمات من حيث الدقة والكفاءة اللغوية في نقل معاني الكتاب الكريم إلى القارئ العبري. (الرؤية)

على امتداد عصور التاريخ ظلت الترجمة فعلاً يُسهم في تقارب الشعوب وسد الفجوات بينها وتعزيز التفاهم والتآلف البشري، ومن هذا المنطلق لعب نقل محتوى الكتب، خصوصاً المقدسة منها، دوراً مهماً في تعريف أبناء الحضارات والديانات ببعضهم البعض بعيداً عن الصور النمطية والتأويلات المحرّفة والسرديات الناقصة.

وفي هذا الإطار، وعلى مدى القرون الماضية شهدت الساحة اليهودية مبادرات لترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة العبرية تفاوتت حسب المختصين من حيث الدقة والكفاءة اللغوية والأسلوبية في نقل معاني الكتاب الكريم إلى القارئ العبري حول العالم.

ونوه مختصون من إسرائيل وبلدان عربية بدور مبادرات الترجمة إلى العبرية في شرح الدين الإسلامي من مصدره الأساسي للإسرائيليين، لافتين إلى أنها تفتح الباب أمام التعريف بقيم الإسلام بصورتها الحقيقية بعيداً عن تعصب المتطرفين وانتقائية مُشعلي الفتن.


وقالت لـ«الرؤية» الباحثة الإسرائيلية في قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة بن جوريون ـ النقب البروفيسورة دانيلا طلمون هيلر إن أولى الترجمات العبرية للقرآن الكريم تعود لمخطوطات في القرن الـ17 اعتمدت على ترجمة إيطالية، فيما ترجع أول ترجمة عن العربية إلى عام 1875 قام بها المستشرق هيرمان ريكِندورف في ألمانيا.


وحسب الباحثة، فقد شهد القرن الـ20 ظهور عدة ترجمات من طرف باحثين ومستشرقين إسرائيليين مثل يوسف يوئيل ريفلين عام 1937، وأهارون بن شيمش 1971، وأوري روبين من جامعة تل أبيب عام 2005، إضافة إلى صبحي عدوي، وهو من عرب إسرائيل، عام 2015.

قراءات مشتركة

وأكدت هيلر أن دراسة معاني القرآن الكريم تعد أمراً شائعاً في الأوساط العلمية الإسرائيلية في أقسام دراسات اللغة العربية والديانات والدراسات التاريخية، ولدى طلاب المتوسطة الراغبين في تحسين لغتهم العربية من خلال قراءة سور قرآنية.

وأشارت إلى أن قسم دراسات الشرق الأوسط، الذي تعمل فيه، يقدم دروساً حول بعض سور القرآن الكريم في مساقات التاريخ، اللاهوت، القانون وغيرها، موضحة أنها لاحظت عند إشرافها على هذه الدروس اهتماماً شديداً لدى الطلاب بهذا الأمر، خصوصاً عند قراءة التوراة إلى جانب القرآن ومقارنة القصص الواردة فيهما حول الأنبياء مثلاً.

ولفتت إلى أن غالبية دروسها تكون بحضور طلاب مسلمين، مشيرة إلى أن قراءة النصوص الدينية في القسم بشكل جماعي تعد أمراً مثيراً لفضول الطلاب واهتمامهم حيث ينخرطون فيها بحماس.

وحول دور الترجمة في سد الفجوة الثقافية بين المسلمين واليهود، أوضحت هيلر أن الأمر يمكن أن يُحدث فرقاً إذا تم من خلال أعمال مشتركة أو نتج عن اجتماعات أو أنشطة ثقافية مشتركة.

الأقرب للعربية

بدوره، أوضح لـ«الرؤية» د. محمد عبود أستاذ اللغة العبرية وآدابها بجامعة عين شمس، أن «العبرية» تعتبر أكثر اللغات الآن قدرة على نقل معاني القرآن وروحه، لأنها «أخت سامية للغة العربية، فاللغتان تنتميان إلى شجرة اللغات السامية، وبينهما تقارب لافت وشديد في البناء النحوي والصرفي، والاشتقاقي والمعجمي أكثر من تقارب اللغة العربية مع أية لغة حية أخرى».

ولفت إلى أنه وبعد قيام إسرائيل سنة 1948، ظهرت ترجمتان لمعاني القرآن بالعبرية، باعتبارهما كل ما يمكن نسبته للمؤسسة الأكاديمية والجهود الاستشرافية الإسرائيلية في هذا الباب، وهما ترجمة أهارون بن شيمش 1971، وترجمة أوري روبين عام 2005.

والد الرئيس الحالي

وفي رسالة وجهها الرئيس الإسرائيلي الحالي رؤوفين ريفلين إلى ندوة افتراضية شارك فيها إعلاميون عرب وإسرائيليون مؤخراً، أشاد رؤوفين بترجمة والده المستشرق يوسف ريفلين لمعاني القرآن إلى العبرية مورداً الأمر في سياق الحديث عن تعزيز التسامح والسلام في المنطقة.

ورأت الباحثة الإسرائيلية هيلر أن ترجمات القرآن إلى العبرية لم تكن على نفس المستوى الأكاديمي والأسلوب اللغوي، حيث كان بعضها مفهوماً بشكل جيد مثل ترجمة ريكِندورف فيما زاد تميز بعضها بلغته المحاكية للغة التوراة وأسلوبه الشاعري مثل ترجمة يوسف ريفلين.

ولفتت إلى أن بعض الترجمات اعتبرت أقل أكاديمية مثل ترجمة بن شيمش، فيما كانت ترجمة روبين التي يبدو أنها حلت محل ترجمة يوسف ريفلين لدى الأوساط الأكاديمية، دقيقة ومقروءة، رغم افتقارها للأسلوب الشاعري لدى والد الرئيس الحالي.

بدوره اعتبر الباحث محمد عبود أن ترجمة ريفلين تعد واحدة من الترجمات المهمة والجيدة التي يُفضل الرجوع إليها بالمقارنة مع الترجمات الكاملة الأخرى، ولأهميتها البالغة صدرت لها أكثر من طبعة (1963، 1972، 1987)، لافتاً إلى أن الرجل تميز بمعرفته الواسعة بالأدب العربي.

النظرة العدائية

وأشار محمد عبود إلى أنه وبالنظر إلى مسار الترجمات المنجزة، يظهر أن شخصية المترجم، وتوجهاته تؤثر كثيراً في العمل، ومدى أمانته، ودقته.

وأوضح أن الترجمة المكتملة الأولى التي أعدها ريكِندورف عام 1875 ومقدمتها، عكست التوجهات العدائية التي سيطرت على المترجم ورؤيته للإسلام آنذاك، مؤكداً أن هذا التوجه لم يلبث أن اختفى في الترجمة الثانية المكتملة التي أعدها ريفلين، والتي بدأها بمقدمة هاجم فيها المترجم السابق، و«أشار إلى أن الأخطاء والعدائية في الترجمة الأولى حفزته للقيام بهذا العمل».

من جهته أكد الباحث في منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة يونس حديبي أن المستشرقين اليهود في تعاطيهم مع النص وتوصيلهم للترجمة لم يكونوا على صعيد واحد ورؤية واحدة، موضحاً أن عمل ريفلين الذي بدأ بمقدمة صغيرة تحدث فيها عن أهمية القرآن ومكانته عند المسلمين، يختلف عن غالب المستشرقين الذين كانوا يفتتحون كتاباتهم بالهجوم على الإسلام والقرآن، حيث «اختط لنفسه منهجاً مشى عليه من بعده في عملية الترجمة وهذا ما يحتاج منا كمسلمين وبالأخص أهل التخصص في هذا الشأن النظر في الترجمات وتصحيح ما ينبغي تصحيحه».

الحرب الإعلامية

وأكد يونس حديبي صحة الطرح القائل بأن الترجمات يمكن أن تقود إلى فهم الإسرائيليين أكثر للدين الإسلامي ما سيسهم في تحسين الصورة المشوهة نتيجة السياسة والدعاية الإعلامية، وبالتالي تعزيز فرص تحقيق السلام بين شعوب المنطقة على اختلاف دياناتها، موضحاً أن الكثير من المفاهيم المتعثرة التي يروج لها المتطرفون «نجدها منقولة بالمعنى الذي يسعى أهل التطرف إلى ترويجه وهذا مما يحرف الفهم الصحيح ويزيد من الضبابية».

بدوره، اعتبر محمد عبود أن الترجمة بشكل عام تعد من أبرز وسائل التفاهم والتقارب بين الشعوب، مؤكداً أن ترجمة معاني القرآن الكريم إلى العبرية تفتح أمام الإسرائيليين نافذة للتعرف على الدين الإسلامي من خلال النص المؤسس لهذا الدين بعيداً عن الدور الذي لعبه عدد من المتخصصين الإسرائيليين في الشؤون الإسلامية والعربية الذين كانوا يحرصون طيلة سنوات الصراع على انتقاء كل ما يسيء للعرب والمسلمين ونشره وتضخيمه في إطار الحرب الإعلامية التي صاحبت الصراع بكل فصوله.