قرر وزير المالية اللبناني غازي وزني مدَّ المهلة المحددة لمصرف لبنان المركزي لتقديم المستندات اللازمة للتدقيق الجنائي لحسابات المصرف، فيما أثار المزيد من المخاوف حول مدى الجدية في مصارحة المواطنين بأوضاع الحسابات العمومية في بلد يشهد أزمة اقتصادية خانقة واتهامات من نشطاء في الاحتجاجات الشعبية بتحويلات نقدية هائلة إلى الخارج.
وجمع لقاء في السراي الحكومي يوم الخميس رئيس حكومة تصريف الأعمال حسن دياب ووزير المالية وزني وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وبحث اللقاء ملف التدقيق في حسابات المصرف، الذي كلفت به الشركة الاستشارية ألفاريز آند مارسال.
وبعد الاجتماع أعلن وزني «تمديد المهلة المحددة لتسليم المستندات المطلوبة للتدقيق الجنائي مدة 3 أشهر».
وكان المصرف نفسه، أكد، قبل يوم واحد، أنه سلم «كامل» الحسابات العائدة له إلى وزارة المالية وفقاً للأصول.
واعتبر خبراء أن ثغرات قانونية وحسابات سياسية تقف وراء هذه المفارقة بين تأكيد المصرف تسليم «كامل» الحسابات ثم إعلان وزارة المالية في اليوم التالي عن تمديد المهلة لتسليم المستندات، بعد اجتماع حضره حاكم المصرف.
وفي يوليو الماضي، كلف لبنان شركة الفاريز آند مارسال المتخصصة في عمليات إعادة الهيكلة بالتدقيق في حسابات البنك المركزي وهو مطلب أساسي من صندوق النقد الدولي والمانحين الأجانب الذين يضغطون على البلد المثقل بالدين لمعالجة مشكلات الهدر والفساد، والتي كانت أحد أسباب الاحتجاجات الشعبية التي انطلقت في 17 أكتوبر 2019 وأطاحت بحكومة سعد الحريري وقتها.
وقالت الشركة في أكتوبر، بعد زيارة فريق لها إلى بيروت، إن المصرف أمدها بنسبة 42% فقط من المستندات المطلوبة، وطلبت من المصرف تزويدها بالمستندات المتبقية بحلول 3 نوفمبر.
ووسط جمود الوضع، عُقد اجتماع يوم الأربعاء الموافق 4 نوفمبر بين وزير المالية وزني، ومدير شركة Alvarez & Marsal دانيال جيمس، وهو اليوم نفسه الذي انعقد فيه المجلس المركزي لمصرف لبنان وأكد تسليم كل المستندات للوزارة وسط جدل حول ما إذا حاكم المصرف سيكون مخالفاً لقانون السرية المصرفية إذا سلم الحسابات إلى الشركة الاستشارية.
تضارب قانوني
**media[22419]**
وفي هذا السياق، يقول وزير العدل الأسبق إبراهيم نجار لـ«الرؤية» إن موضوع التدقيق الجنائي، هو في خضم جدلية معروفة في لبنان، وقد أبدى فيه الكثيرون آراء متضاربة، بل يبدو أن هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل أعطت رأيها، وخلصت إلى نتيجة تقول فيها، إن قانون الوصول إلى المعلومات يلغي السرية المصرفية التي تتمتع بها الدولة اللبنانية.
وأكد نجار أن الجميع في لبنان يريد معرفة أين أُهدرت الأموال العامة التي هي ملك الشعب اللبناني، مضيفاً أن لبنان «يجب أن يبقى دولة قانون، وبالتالي لا يجوز للمصرف المركزي تحت طائلة الملاحقة القضائية والجنائية، أن يرفع السرية المصرفية دون نصوص خاصة وواضحة، لأن المفروض من المصرف المركزي أن يطبق القانون بحذافيره دون محاباة أو رضوخ لاعتبارات سياسية أو مطلبية زائفة».
ويميز نجار بين قانون السرية المصرفية، وقانون الحق في الوصول إلى المعلومات، موضحاً أن «قانون السرية المصرفية هو قانون خاص، في حين أن قانون حق الوصول إلى المعلومات لا ينص على رفع السرية المصرفية، ومن المعروف قانوناً أن القانون الخاص لا يُلغى بقانون عام، بل يسمو عليه ويحتاج لقانون خاص لإلغائه أو تعديله».
تقاعس سياسي
**media[22434]**
في المقابل، يخالف المحامي علي زبيب، رأي نجار، باعتبار أن قانون النقد والتسليف (والسرية المصرفية) يسمو على قانون الحق بالوصول إلى المعلومات، ويؤكد زبيب لـ«الرؤية» أن «السرّية المصرفية لا تُطبّق على المال العام ولا تغطيه».
ويرى زبيب أن تذرع مصرف لبنان بالمادة 151 من قانون النقد والتسليف، لعدم إعطاء المعلومات لشركة «ألفاريس آند مارسال» لا يعتد به، خاصة أن جزءاً كبيراً من عمل المدققين يرتكز على أسئلة، ناهيك عمّا نؤكد عليه دائماً أن المال والحسابات العمومية غير مشمولين بالسرية.
وفي سياق حسم الجدل القانوني، يلفت زبيب إلى أنه «في حال كانت السلطة السياسية صادقة بتصديها للفساد، ومحاسبة من أوصل لبنان إلى حالة الانهيار المالي، فليقدم مجلس النواب على سن تشريع من مادة وحيدة، ينص صراحة على استبعاد كل من يتعاطى الشأن العام من السرية المصرفية».
يؤكد زبيب أنّ نية السلطة السياسية واضحة في عدم رغبتها في تنفيذ التدقيق الجنائي بأي شكل من الأشكال، وربما يكون هدفها الالتفاف على الغضب الشعبي، من خلال صمتها على الجدل القائم، أو من خلال إبقائها على ثغرات جوهرية في العقد الموقع مع الشركة المدققة بالحسابات، قد تعرض إجراءاتها، مستقبلاً، للإبطال.
ويؤكد زبيب أنه «إذا لم تحسم السلطة التشريعية الجدل القانوني، وقامت بتمييع هذا المطلب الذي انطلق من رحم الثورة اللبنانية، فسيتم التوجه إلى المؤسسات المالية الدولية، واتهامها بالتواطؤ مع السلطة السياسية، في حال قدمت أي مساعدة مالية للبنان، قبل القيام بتدقيق جنائي شامل وشفاف، كون الأموال في هذه المرحلة لن تصل إلى الشعب، بل إلى المسؤولين عن الهدر العام».