الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

المغرب والجزائر.. المحبة فوق السياسة

لم يَقْوَ التوتر القائم بين أنظمة الحكم في المغرب والجزائر منذ ستينيات القرن الماضي، على محو أواصر الأخوة والمحبة بين الشعبين الشقيقين، اللذين فَصَلَا الصراعات السياسية عن أُخوَّتهما المبنية على مشتَركات عدة، تشمل الدين الإسلامي، والتاريخ المشترك، والعادات والتقاليد، والحدود البرية، وعلاقات المصاهرة، وغيرها من الروابط المتينة الأخرى.

ويتشارك الشعبان المغربي والجزائري الكثير من مكونات هويتهما الثقافية، خصوصاً في الشرق المغربي والغرب الجزائري؛ فاللهجة تقريباً نفسها، لا سيما في ولاية تلمسان الجزائرية ومدينة وجدة المغربية. وأكلات الكسكس، والطاجين، والحريرة، الشهيرة في المغرب، موجودة أيضاً في الجزائر. كما تُعتبر الجّْلَّابَة لباساً تقليدياً في البلدين. وحتى موسيقى الرَّايْ ورقصة الرّْكَادَة ذات الأصل المشترك.

ولا يُفوِّت المغاربة والجزائريون على أنفسهم أية فرصة، لإظهار مشاعر الحب والتقدير لبعضهم البعض على مواقع التواصل الاجتماعي. وقد شاهد العالم كيف تابع المغاربة بشغف مباريات المنتخب الجزائري في بطولة كأس الأمم الإفريقية، التي أقيمت في مصر عام 2019، حيث شجعوه وساندوه، وأطلقوا شعارات من قبيل «خَاوَة خاوة» (إخوة إخوة)، و«أنا مغربي إذاً أنا جزائري»، وذلك بعد خروج المنتخب المغربي في وقت مبكر من تلك البطولة الإفريقية.



محطاتُ صراعٍ

وبعد فترة الاستعمار الفرنسي الطويلة (132 سنة في الجزائر) و(44 سنة في المغرب) نشبت بين البلدين في أكتوبر عام 1963 «حرب الرمال»، التي جاءت بعد مطالبة المغرب للجزائر بأن تعيد لها منطقتي بشار وتندوف، مبررة طلبها بأنهما كانتا جزءاً من أراضيها، وضمهما الاستعمار الفرنسي إلى الأراضي الجزائرية. وهو ما رفضته الجارة الشرقية للمغرب. وانتهت الحرب في 5 نوفمبر عام 1963، ووقَّع البلدان اتفاقاً لوقف إطلاق النار في 20 فبراير عام 1964.

وساءت الأمور أكثر بين البلدين بعد دعم الجزائر لجبهة «البوليساريو» الانفصالية، التي تأسست عام 1973 لطرد المستعمر الإسباني من الصحراء المغربية، وبدأت تطالب في وقت لاحق بانفصال تلك المنطقة المغربية، وتأسيس دولة مستقلة. وتتخذ «البوليساريو» من تندوف في الجنوب الغربي للجزائر مقراً لها.

وتطالب «البوليساريو» بمنح ساكني منطقة الصحراء المغربية الحق في تقرير مصيرهم، عبر تنظيم استفتاء يقررون من خلاله البقاء تابعين للمغرب أو الانفصال عنه، في حين يرفض المغرب ذلك، مؤكداً أن تلك المنطقة جزء من أراضيه، وكانت تابعة له قبل أن تستعمرها إسبانيا عام 1884. ويُقدِّم منذ عام 2007 مقترح الحكم الذاتي لحل هذه الأزمة.

وقررت الجزائر عام 1994 إغلاق حدودها البرية مع المغرب، بعدما اتُهمت مخابراتها بالوقوف وراء تفجير فندق أطلس أسني في مراكش في السنة نفسها، وفرضت الرباط تأشيرة دخول على الجزائريين.



أخوة مستمرة

وحول الموقف الشعبي من تقارب البلدين، اعتبر الشاب المغربي، هشام النباش (28 عاماً)، أنه «من الصعب أن تعبث الحسابات السياسية بعلاقة الأخوة بين الشعبين».

وتمنى النباش، في حديثه لـ«الرؤية»، أن يصلح المستقبل ما أفسده الماضي، «وأن تعود المياه إلى مجاريها، ويصبح بإمكان الشعبين تبادل الزيارات، والتجول بحرية بين المدن المغربية والجزائرية، وبالتالي إنعاش العلاقة المستمرة بين البلدين على امتداد قرون من الزمن».

وقالت الطالبة بجامعة وهران بالجزائر، مريم رفيدة (23 عاماً)، «أنا لا أُكن أية مشاعر حقد تجاه المغاربة، بل أحبهم. رغم وجود توترات سياسية بين البلدين».

وتربط رفيدة علاقة صداقة بمواطنين مغربيين، تقول «إن علاقتي بهم شبيهة بعلاقتي بأي جزائري... تشابه لهجتي وعقليتي الشعبين يسهل التواصل بينهما».

وتحلم رفيدة بحدود برية مفتوحة بين الجزائر والمغرب، مردفة في حديثها لـ«الرؤية»: «لقد زرت تلك الحدود البرية في وقت سابق، ورأيت هناك مظاهر الحب المتبادل بين الشعبين».

بدوره، أوضح الطالب الجزائري بن عبد الله نور الإسلام (19 عاماً)، أن «الشعبين الشقيقين ضحية للصراع السياسي بين قادة البلدين منذ ستينيات القرن الماضي، حول منطقة تندوف الحدودية بين المغرب والجزائر، بسبب التقسيم الحدودي الذي أرساه الاستعمار الفرنسي قبل مغادرته للمنطقة».

وأكد نور الإسلام، في تصريح لـ«الرؤية»: «الشعب المغربي من أحبِّ الشعوب العربية إلي، بسبب التاريخ المشترك بين البلدين، وتشابه عقليتي وأفكار شعبيهما».

وتحدث نور الإسلام عن ضرورة تحديد آليات لتجديد العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين في أقرب الآجال الممكنة؛ «لتحقيق الوحدة المغاربية، والسير نحو أهداف موحدة سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً، دون أي تدخل من أطراف خارجية».

من جهتها، قالت الطالبة في الرباط، آمال الدغري (20 عاماً)، إن «المغاربة والجزائريين يظلون إخوة، رغم المشاكل السياسية بين نظامي البلدين»، مبرزة أنه «لا دخل للمواطنين في قرارات المسؤولين».

وأضافت الدغري، في حديثها لـ«الرؤية»، أنها تتمنى أن تُفتح الحدود البرية بين البلدين؛ «لأن ذلك سيساهم في تقدم اتحاد المغرب العربي وازدهاره، خصوصاً على المستوى الاقتصادي».