الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

ملء مربعات النفوذ: القيصر بوتين يسابق إدارة بايدن في الشرق الأوسط

ما الذي يجري على خارطة الشرق الأوسط لجهة العلاقات مع القوى الكبرى حول العالم، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية؟

علامة استفهام ارتفعت مؤخراً، وفي توقيت لافت ومثير للانتباه، حيث تبدو الولايات المتحدة الأمريكية مرتبكة بين إدارتين، واحدة على رأسها رئيس يرفض الإقرار بهزيمته في الانتخابات الرئاسية، والأخرى تواجه عقبات كؤود في مستقبل الأيام.

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية بات الحضور الأمريكي في الشرق الأوسط حضوراً جذرياً معمقاً، واستمر الأمر طوال عقود، وتجلت العلاقات خلال العقدين التاليين لسقوط الاتحاد السوفيتي، غير أن الدعم الأمريكي لقوى الإسلام السياسي والجماعات الأصولية أفقد واشنطن الكثير من مربعات نفوذها التاريخي في المنطقة.

أما عن روسيا، فقد كان حلمها الأكبر منذ زمن بطرس الأكبر وكاترين العظيمة، إيجاد موطئ قدم على المياه الدافئة في البحر الأبيض المتوسط.

شهدت العلاقات السوفيتية العربية مداً كبيراً، ودعم السوفييت العالم العربي في حروبه الإقليمية، وإنشاء بنيته الهيكلية، غير أن المشهد اضطرب من جديد بعد حرب عام 1973، وبدت واشنطن القطب المنفرد بمقدرات الأمور شرق أوسطياً.

سببان للتغيير

ما الذي جرى ودفع مسارات الأحداث في طريق مناوئ لما كان عليه الحال من قبل، بمعنى ميل دفة السفينة العربية إلى روسيا، وبعيداً عن أمريكا، أو على الأقل محاولة ضبط المسافات بين العواصم العربية وبين موسكو وواشنطن.

أمران مؤكدان:

الأول: هو الخطأ الفادح الذي ارتكبته واشنطن، تجاه الحلفاء والأصدقاء في العالم العربي بدءاً من 2011، لا سيما حين أرغم الحلفاء الأصدقاء على التنحي كما حدث مع الرئيس المصري الراحل حسني مبارك، ومن هنا نظر البعض إلى أهمية إعادة التوازنات وإقامة جسور صداقة وعلاقات ثنائية قوية، عسكرية وأمنية، اقتصادية وعلمية مع روسيا الاتحادية.

الثاني: هو أن فلسفة الرئيس باراك أوباما والتي عرفت بالقيادة من خلف الكواليس قد أضرت بالحضور الأمريكي، وهنا بدأ الدب الروسي الذي تحول إلى ثعلب رشيق الخطى، يقفز إلى قلب العالم العربي، وليجد ترحيباً من الشعوب العربية، وبعضها رفع صورة القيصر بوتين في ميادين تظاهراتها، وبالضد من أوباما، وقد هيأت الأحداث له قبولاً شعبياً ونخبوياً واسعاً، إذ أبدى الرجل وفاء بدرجة كبيرة لحلفائه في الحكم عربياً، ما تجلى في سوريا بنوع خاص، حتى وإن كانت موسكو تدافع عن مصالحها قبل أن تنافح عن الأسد وحكومات سوريا، على خلاف الأمريكيين الذين تنكروا لمن قدموا لهم جليل الخدمات عبر أكثر من 3 عقود.

لماذا الحديث الآن عن الانتشار الروسي في الشرق الأوسط؟

ربما لأن الأحداث تشير إلى أن روسيا تعمل بسرعة كبيرة على استباق رؤى بايدن المضطربة تجاه الشرق الأوسط، وذلك عبر تعزيز حضورها اللوجستي شرق أوسطياً.

أحدث تطورات المشهد الروسي الشرق أوسطي مرتبط بالسودان الذي خرج للتو من تحت طائلة العقوبات الأمريكية وربطه بالإرهاب.

قبل بضعة أيام كانت الحكومة الروسية تعلن عن مشروع اتفاق لإنشاء مركز لوجيستي للأسطول الروسي على ساحل السودان في البحر الأحمر، بموجب المرسوم الصادر عن رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين.

بايدن والمهمة الصعبة

حتماً لن يرضي هذا الاتفاق العم سام، والذي يرى فيه نكراناً من قبل الخرطوم لصنيع واشنطن تجاهها، إلا أن المؤكد هو أن السودان قد وجد في الأزمنة الحالية ما يسميه علماء النفس «الوقت القيم»، لإنجاز اتفاق مع الروس، وربما نرى عما قريب إنجازاً آخر مع الصينيين.

الانتشار الروسي في الشرق الأوسط يمتد من سوريا شرقاً، وإلى ليبيا والجزائر في غرب المتوسط.

أما عن ليبيا فتبدو الإرادة الروسية نافذة لجهة استرداد المصالح الضائعة منذ بداية الأزمة في 2011 ونهاية عهد العقيد القذافي، ووقتها لم تكن روسيا من القوة والمنعة لوقف المخطط الأمريكي – الأوربي لتفكيك وتفخيخ ليبيا.

أما الآن فإن الناظر للعلاقة بين روسيا والمشير حفتر، وما يجري على مربعات نفوذ ليبيا، يدرك الأهمية الاستراتيجية التي يوليها الروس لعودة أساطيلهم من جديد إلى حوض البحر المتوسط، وهو الأمر الذي حرموا منه في مصر بعدما طرد الرئيس المصري الراحل أنور السادات، الخبراء الروس أوائل السبعينيات وقبل حرب أكتوبر المجيدة.

فيما الجزائر، فهي أحد أهم عملاء موسكو عسكرياً، ولعل صفقة صواريخ «إس 400»، التي تحصلت عليها مؤخراً تبين مقدار رسوخ التعاون بين البلدين، ناهيك عن المشروعات المستقبلية القادمة.

السؤال الجوهري هنا: هل على إدارة الرئيس بايدن أن تقلق من جراء تعاظم النفوذ الروسي شرق أوسطياً؟

يمكن القطع بأن روسيا – بوتين، استطاعت وبدرجة كبيرة أن تحقق الكثير من حلم بطرس الأكبر، ففي الخليج العربي وثق الروس علاقتهم مع أهل المنطقة، وفي شمال إفريقيا نجد الكيمياء بين الرئيسين المصري عبدالفتاح السيسي والروسي فلاديمير بوتين على أفضل ما يكون، ما يعني أن طريق روسيا إلى القلب الإفريقي مفتوح وممهد.

يمكن للمرء أن يتصور مقدار العبء الملقى على كاهل إدارة بايدن القادمة تجاه الملفات الخارجية، وفي الوقت الذي يحتاج لولاية كاملة مدتها 4 سنوات لإصلاح الأعطاب الداخلية الأمريكية.

يحتاج الحديث عن الانتشار الروسي في المنطقة إلى حلقات عديدة وعريضة لتفكيك المسارات المختلفة، غير أنه وفي كل الأحوال يمكن القطع بأن روسيا استخدمت زمن الربيع العربي المغشوش كـ«حصان طروادة»، ونفذت منه إلى مواقع ومواضع قوة سابقة لها في المنطقة.

كيف لبايدن وإدارته التعاطي مع العالم العربي والشرق الأوسط؟

إلى قراءة قادمة إن شاء الله.