الخميس - 28 مارس 2024
الخميس - 28 مارس 2024

عرب 48.. فلسطينيون أم إسرائيليون؟.. تفاوض اللاجئين المباشر مع إسرائيل هو بداية الإصلاح الفلسطيني

منذ أن تأسست منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، لم تتوقف مطالب الفلسطينيين عن إصلاحها سياسياً لتحقيق الغاية المرجوة منها، وهي إقامة الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وحتى هذه اللحظة ليس هناك شيء من «القول الفصل»، بل اشتدت الخلافات السياسية فيما بينهم بعد معاهدات السلام العربية مع إسرائيل.

الفصائل الفلسطينية المُمثلة لعرب 48 في المخيمات السورية واللبنانية توجهت إلى موسكو، في حين فضّلت فصائل قطاع غزة، حماس والجهاد التحالف مع إيران، بينما استنجدت حركة فتح التي تمثل الأغلبية من فلسطينيي الضفة الغربية بالأتراك للحفاظ على سطوتها في السلطة الفلسطينية، وتركيا معروفة بتواصلها مع الأقلية التركية وخاصة في مدينة القدس.

وبما يفوق خلافاتهم السياسية، توسعت الهوة الاجتماعية «العرقية» بين الفلسطينيين؛ حيث تشهد الساحة الفلسطينية اليوم ظاهرة «تنمر» فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة الذين انهالت اتهاماتهم بتخوين عرب إسرائيل لذهابهم للسياحة في دولة الإمارات، وهذه ليست المرة الأولى التي يُتهم بها عرب إسرائيل بالخيانة.

لعل هذا الحديث يفيدنا في الوصول إلى بعض الحقائق المتعلقة بأصحاب الهوية المجهولة أو «المُعلقة»، وهم عرب 48، الذين هاجروا عام 1948 من إسرائيل إلى المخيمات في سوريا ولبنان والعراق والأردن. وهو التقرير الأول من نوعه الذي سوف يتناول أعظم انتهاك للقوانين الدولية من حيث صمت المجتمع الدولي على تسمية أو «وصم» هذه الفئة بالهوية الرقمية «48» دون أن يتوافق الفلسطينيون والإسرائيليون على تحديد هويتهم الوطنية إن كان عرب 48 فلسطينيين أم إسرائيليين!.

المجتمع الفلسطيني:

أفضل تسمية تليق بـ«فلسطين» هي «أرض المنتصرين»؛ فمن الفرس إلى الروم ثم العرب، ومن الأكراد والترك الى إسرائيل اليوم، وهي أرض كرقعة الفسيفساء المتنوعة، كل قطعة فيها تُمثل شريحة معينة حكمت فلسطين لا تمت بصلة لبقية الأطياف الذين حكموها من قبل ولا من بعد.

ورد في بعض المراجع المسيحية أن العرب لم يدخلوا بيت المقدس «قلب فلسطين» إلا بعد الفتح العمري، وأن وجودهم كان مؤقتاً لفرض هيبة العرب ثم العودة إلى مضاربهم الرسمية في جنوب فلسطين وجنوب وشرق الأردن.

مركز المعلومات الفلسطيني أشار أيضاً إلى أن رفض العرب مصاهرة سريان القدس بعد الفتح العمري كان سبباً لتواصل سكان فلسطين الأصليين مع الفرس ضد العرب، وأن مذبحة السلطان قايتباي المملوكي عام 1473م في جنوب فلسطين كانت لمنع سيادة الأيوبيين على فلسطين، بالإضافة إلى فترة تحقير الأتراك لقحاح العرب وتفقيرهم وتجهيلهم من دون أعاجم فلسطين الذين استحوذوا على الاقتصاد والتعليم.

كافة المعطيات التاريخية تشير إلى أن القبائل العربية «البدو» استوطنت في جنوب فلسطين 48، والعائلات العربية «الفلاحين» استوطنت في شمال فلسطين، وخاصة في ضواحي مدينة حيفا جنوباً وشرقاً 48، بينما استحوذ الأعاجم على أكبر مدن الضفة الغربية كالقدس ونابلس 67، ومدينة خان يونس في قطاع غزة 67.

هنا يمكن القول إن ما رسم خريطة فلسطين هو اختلاف الأعراق بين الفلسطينيين أنفسهم، وهو ما رسم خريطة إسرائيل؛ فقيام دولة إسرائيل تم على 3 مراحل، فالأمر لم يكن متعلقاً بالقدرات العسكرية أو التمويل المالي، بقدر ما هو أن الإنجليز فهموا جيداً أن الفروق الاجتماعية بين عرب 48 وفلسطينيي الضفة الغربية 67 كانت بمثابة مانع اجتماعي لولادة مقاومة مشتركة موحدة، بينما كانت المرحلة الثالثة هي فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية، وهو ما كان يتمناه الغزيون بعد ما انفصلوا عن حاميتهم مصر.

عرب 48:

لم تكن القومية الفلسطينية حاضرة كهوية مستقلة في مجالس الفلسطينيين الشعبية ما قبل عام 48 بالإطار التنظيمي الذي يعيشه الفلسطينيون اليوم، بل كان الأعاجم والمسيحيون ينسبون أنفسهم للكنعانيين العرب، بينما كان العرب يتباهون بأصولهم اليمنية والحجازية والمصرية وليس الفلسطينية، وهم حالياً الأغلبية من سكان المخيمات الفلسطينية الذين تم تسميتهم بعرب 48، مع تسمية العائلات العربية التي لم تهاجر عام 1948 بعرب إسرائيل، مع تشديد الملاحظة على أن المواثيق الإسرائيلية والفلسطينية توافقت على عدم تسميتهم بالفلسطينيين.

عاشت العائلات العربية في شمال فلسطين بأمن وسلام مع الألمان قرابة الـ80 عاماً ومع اليهود 30 عاماً ومع البريطانيين 28 عاماً، وذلك قبل عام 1948، وهو العام الذي قامت فيه دولة إسرائيل مع خروج البريطانيين من فلسطين والألمان من حيفا في العام نفسه.

كان لهذه العائلات العربية دور مميز في بناء مدينة حيفا مع الألمان بطابع هندسي فريد من نوعه عالمياً، والتزامهم بالنظم الإدارية التي أسسّتها بريطانيا، وكثير منهم عمل في وحدات الجيش البريطاني وفي مزارع اليهود التي أحيت الزراعة في فلسطين من جديد وفق التكنولوجيا الحديثة آنذاك.

ورغم أن التعايش السلمي كان أشبه بالظاهرة الإيجابية في حيفا المتعددة الأديان وضواحيها العربية، إلا أن أول ثورة فلسطينية ضد الوجود الأجنبي انطلقت من مضارب هذه العائلات العربية، والتي تعرف بثورة 1936. لذلك لا يمكن تناول معطيات هذه الثورة من خلال إطارها السياسي فقط دون فهم التقاطعات الاجتماعية والفكرية بين الفلسطينيين أنفسهم.

إن انتشار الفكر الشيوعي بين العائلات العربية الفقيرة كان السبب الأول لإحياء نزعة إعادة توزيع الثروة بين الأغنياء والفقراء، والذي بدوره جعل الشباب العربي الناشئ حينها ينظرون لبريطانيا كجزء من الإمبريالية الاستعمارية المعادية للشيوعية العالمية «الكمنترون». بالإضافة إلى الشبهتين الأكثر غرابة ودهشة: الشيخ عز الدين القسّام الذي ترك بلاده سوريا تحت الانتداب الفرنسي، واستوطن بين العائلات العربية لإعلان ثورة 1936 ضد بريطانيا، والمفتي أمين الحسيني المقدسي الذي قضى على البنية الاجتماعية للعائلات العربية من خلال تجنيد أبنائهم لصالح التحالف العسكري بين تركيا والنازية الألمانية.

الفصائل الفلسطينية:

لم يتناول الإطار النظري الفلسطيني القضية الفلسطينية إلا من جانب واحد فقط، وهو قيام إسرائيل كدولة صهيونية ضمن المشروع الإمبريالي الاستعماري الغربي، لذلك انحصرت جميع أدبيات الحلول الفلسطينية بالمحاور المعادية للإمبريالية وليس لقيام إسرائيل ذاتها على أرض فلسطين، وبالتالي تم ربط الشعب الفلسطيني بكافة أطيافه بمراهنات اليسار الإسرائيلي وليس بالشعب الإسرائيلي لتحقيق التعايش السلمي بين الشعبين.

حرصت السلطة الوطنية الفلسطينية على تسخير أعضاء الكنيست الإسرائيلي العرب 48 لتحقيق مصالحها ومشروع دولتها في الضفة الغربية 67، ما مهّد الطريق لسيطرة جورج حبش على كافة مخيمات اللاجئين التي غرس فيها أكثر من 10 فصائل شيوعية، جميع أدبياتها متطرفة فكرياً ضد العرب لا علاقة لها بالعودة إلى فلسطين.

إن ما فعله الشيخ القسّام والمفتي الحسيني ليس بعيداً من حيث النتيجة عما فعله الشيوعي جورج حبش؛ فالأول والثاني خلقا فجوة بين العائلات العربية والأوروبيين قبل عام 1948، بينما جورج حبش عمل على توسيع هذه الفجوة لتمتد ما بين عرب 48 والمجتمع العربي الخارجي، خاصة في منطقة الخليج العربي.

وفي الوقت نفسه، استفادت حركة فتح من هذه الفجوات لتأسيس قوميتها الخاصة بحدود الضفة الغربية، وهي الدولة الفلسطينية على حدود 67 بعد توقيع اتفاقية أوسلو. كما استفادت حركة حماس من الترويج الإعلامي المبالغ فيه لحصار إسرائيلي لقطاع غزة، الذي بدوره قاد الغزيين نحو تأسيس مشروع دولتهم خارج الإطار الفلسطيني.

خاض عرب 48 العديد من الحروب العسكرية في الدول العربية المجاورة غير حربهم ضد البريطانيين 1936، جميعها كانت حروباً بالنيابة عن الشيوعية «الأممية» وحزب البعث السوري والعراقي وبعض الطوائف اللبنانية، وعلى الرغم من ذلك، لا يمكن التعويل على انتشار الشيوعية فقط.

الأبرتهايد الفلسطيني:

إن ما يجب التحقيق فيه بعد مرور أكثر من 70 عاماً وطرحه على كافة المنصات الدولية، هو الأبرتهايد الفلسطيني ضد عرب 48، الذي لا يقل خطورة عن الأبرتهايد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين الذي تدّعيه السلطة الفلسطينية؛ فما فعلته منظمة التحرير الفلسطينية من محاولات طمس هوية عرب 48 ما زال غير مطروح على الساحة الإعلامية، والذي تجاهلته منظمات حقوق الإنسان، ولو تم طرحه، لكان أكبر انتهاك لحقوق الإنسان شهدته بشرية العصر الحديث.

إن حق العودة في القانون الدولي هو حق فردي وليس جماعياً، وغير قابل للتصرف من حيث حرية اختيار الفرد بين العودة أو اختيار مكان آخر غير موطنه الأصلي، ولكن السلطة الفلسطينية تصرفت بشكل مبطن وغير قانوني وبما يتنافى مع الأخلاق الدولية من خلال إلزام الدول العربية المستضيفة لمخيمات عرب 48 «باستثناء الأردن» بتحويل الحق الفردي الاختياري إلى التزام جماعي واقع تحت تصرف منظمة التحرير الفلسطينية فقط.

فالسلطة التي أباحت لمواطنيها في الضفة الغربية حرية التنقل والتجنس بالجنسيات العربية والأجنبية، وضعت قيوداً شديدة حدّت من حريات عرب 48 من حيث حرية اختيار السكن المناسب خارج نطاق مخيمات اللاجئين، مع التضييق الشديد على حرية السفر والتجنس بالجنسيات العربية والأجنبية.

ما يجب أن نفهمه جيداً، أن مطالبة السلطة الوطنية الفلسطينية بعودة اللاجئين 48، لا يعني العودة إلى دولة فلسطين في الضفة الغربية أو قطاع غزة كمواطنين فلسطينيين، بل العودة إلى دولة إسرائيل كمواطنين إسرائيليين، بمعنى أن الصفة القانونية التي تربط عرب 48 في مخيمات اللجوء بمنظمة التحرير الفلسطينية صفة وهمية أركانها القانونية غير متوفرة.

ولتوضيح الصورة بشكل «مجازي» أن الفلسطينيين الموجودين حالياً في المخيمات السورية واللبنانية هم أشبه بالأسرى الإسرائيليين المحتجزين في معسكرات السلطة الفلسطينية كورقة ضغط تتفاوض بها حركتا فتح وحماس لإجبار دولة إسرائيل على تنفيذ شروط الفلسطينيين في الضفة الغربية أو قطاع غزة!

الإصلاح الفلسطيني:

ما زالت العائلات العربية «المحتجزة» في مخيمات اللاجئين في سوريا ولبنان، دون رؤية واضحة لهويتهم القانونية؛ هل هم فلسطينيون أم إسرائيليون، كما أن وصمهم بالهوية الرقمية «عرب 48» دون اعتبار أن تعريف الإنسان بلغة الأرقام يتنافى مع أبسط مبادئ ومفاهيم حقوق الإنسان العالمية في حق الهوية الواضحة في قوميتها وتعريفها.

عادة ما يكون الحديث عن إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية محصوراً بالشق السياسي فقط، وأن مجرد التفكير أو البحث في الديموغرافيا الفلسطينية ما قبل عام 1948 يعتبر جريمة يُدان صاحبها بالخيانة العظمى، وكذلك الحديث عن السلام الاقتصادي مرفوض أيضاً خوفاً من إعادة توزيع ثروة فلسطينيي 67 ومشاركة قطاع غزة وعرب 48 بها.

إن المقارنة بين النهج الإسرائيلي مع عرب إسرائيل والنهج الفلسطيني مع عرب 48 من خلال الدراسات الاجتماعية الموثقة، مع الأخذ بالأسباب الاجتماعية التي كانت سبباً لانفصال قطاع غزة عن الضفة الغربية، بعيداً عن الأسباب السياسية، هي بداية انطلاقة الإصلاح الحقيقي لأوضاع الفلسطينيين، وذلك ليس من أجل إقامة دولة فلسطينية، بل من أجل تحديد الأولويات وفق مفهوم «المناطقية» بين الفلسطينيين وليس وفق المفهوم القومي المتشقق عبر التاريخ.

إن الحديث عن فصل قضية عرب 48 عن القضية الفلسطينية ليس غريباً ولا بعيداً عما فعله الغزيون بعد تفاوضهم المباشر مع إسرائيل بعيداً عن السلطة الوطنية الفلسطينية، وما يجب الاعتراف به أن من أبسط حقوق عرب 48 هو البدء بالتفاوض المباشر مع إسرائيل ما بين حق العودة أو حرية اختيار المكان المناسب، بشكل فردي وليس جماعياً تحت وصاية منظمة التحرير الفلسطينية التي لا تعترف بهويتهم الفلسطينية.