الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

«اختطاف العقول» .. فضائيات ومنصات أجنبية ناطقة بالعربية

تعاظمت الأدوار التي تقوم بها بعض القنوات الفضائية الناطقة بـ«لغة الضاد» في منطقتنا العربية. الأمر لم يتوقف على الكم الهائل من الشاشات التي غزت الفضاء العربي من مختلف الدول الباحثة عن موطئ قدم لها في منطقتنا، الكم قد يكون أخف وطأة على المتلقي العربي من الكيف، أو بلغة الإعلام «السياسة التحريرية»، التي تنتهجها هذه المنصات الفضائية. لا يخفى على أحد أن مساعي بعض هذه القنوات الفضائية تكمن في الرغبة في الحصول على قطعة من كعكة «عقول شباب المنطقة»، وبعضها يرغب في تحقيق مكاسب تجارية وجذب الإعلانات الضخمة التي تتوفر في عدد من الدول، فضلاً عن بعض القنوات التي تبحث عن تحقيق مكاسب سياسية، حتى لو كان الأمر يتعارض مع مفاهيم الأمن القومي العربي.

جرت مياه كثيرة في أنهار السياسة داخل منطقتنا العربية، خلال السنوات العشر الأخيرة. كما شهدت منطقتنا تغيرات جوهرية في الجغرافية السياسية، واكبت هذه التغيرات «طفرة غريبة» في عمل الأذرع الفضائية، للدول التي تسعى إلى أن يسمع الشباب صوتها بعيداً عن صوت وطنها أو تلك الباحثة عن دور لها في منطقتنا. الخطاب الإعلامي لبعض القنوات بات يركز على تعميق الفجوة بين الشعوب وحكوماتها من جهة، أو العمل على ضرب «اللحمة» الوطنية عن طريق إذكاء نار الفرقة بين أبناء الوطن الواحد.

مع تكشف مثل هذه الأدوار التي تمارسها بعض هذه الفضائيات، باتت الحاجة ملحة لتسليط الضوء عليها، حتى نحصن العقل العربي من أثر أي أدوار أو نوايا قد تكون لدى هذه الفضائيات.



نزعة دعائية

بدورهم حذر خبراء وأساتذة إعلام، من أن الإعلام الموجه إلى الرأي العام العربي أصبح تأثيره قوى لدى الكثيرين من أبناء المنطقة، الذين بات عدد منهم ينصتون لما تقوله هذه المحطات، مؤكدين في الوقت نفسه أن حائط الصد الوحيد الذي يقي المجتمعات من تأثيرات هذه القنوات هو تداول المعلومات بحُرية وشفافية.

وحذَّر الخبير المغربي في قضايا الإعلام والاتصال، الدكتور محمد عبد الوهاب العلالي، من مخاطر القنوات التلفزيونية الأجنبية الناطقة باللغة العربية، والمنصات الرقمية المُواكِبة لها، على عقل المشاهد العربي.

وقال "العلالي" لـ"الرؤية" إن تلك القنوات تؤثر على آليات القرار السياسي لدول المنطقة، وعلى منظومة القيم الدينية والثقافية، وأنماط السلوك الاجتماعي.

و أوضح العلالي، وهو استاذ جامعي بالمعهد العالي للإعلام والاتصال في المغرب ويحاضر في عدة جامعات حول العالم، أن تلك القنوات التلفزيونية، ومنصاتها الرقمية، تخدم أجندات سياسية للدول والهيئات التي تتبع إليها، وتُسَوِّق لمشاريعها السياسية والتجارية، وتهدف إلى التأثير على الرأي العام المحلي، من خلال نشر أخبار كاذبة وإشاعات؛ لتزوير الحقائق، وصناعة أساطير جديدة تكرس صورة سلبية عن الواقع العربي.

وأشار إلى أن تلك القنوات، تعد تعبيراً عن الاهتمام الكبير للقوى العظمى بالمنطقة العربية عموما، ومنطقتي الشرق الأوسط والخليج العربي بشكل خاص، كونهما قلباً للصراعات السياسية العالمية، ومنبعاً للديانات والحضارات الكبرى، و سوقاً اقتصادية ضخمة.

وقال الخبير الإعلامي الدكتور ياسر عبدالعزيز، إن عدداً من الدول التي تطلق منصات إعلامية ناطقة باللغة العربية «هي دول لديها مصالح في المنطقة، وتحاول التواجد من خلال آلة إعلامية ودعائية لصيانة تلك المصالح وتعزيزها، وهو أمر شائع في العالم العربي».

وأضاف أن مُلّاك هذه الوسائل «يفضلون دوماً إبقاء منصاتهم فعالة وقادرة على لعب الأدوار المطلوبة في كافة الأوقات، ويضخون الموارد الفائقة، لأن هذه المنصات أدوات لتمكينهم من تحقيق مصالحهم، علماً بأنه يمكن أن تحجم المهنية نزعتها الدعائية، من دون أن تهذبها تماماً».

وأشار عبدالعزيز إلى أن امتلاك وسائل إعلام قادرة على النفاذ والتأثير في الواقع السياسي والاجتماعي والثقافي العربي، «فرصة متاحة لكل فاعل سياسي لديه حصة معتبرة من التأثير الإقليمي، وقدرة على تمويل نفقات التمركز المطلوب، وإدارته بجدوى يمكن إدراك عوائدها».

وأكد أن بعض القوى الإقليمية حريصة على التواجد في هذه المساحة، «وهو ما نراه من نشاط لبعض الدول من حيث ضخ المزيد من الموارد في هذا الإطار ودعم قنوات إخوانية أو طائفية، رغم أن هذه الدول قد تعاني في بعض الأوقات من أزمات مالية، إلا أنها في الوقت نفسه تحرص أيضاً على التواجد في الإعلام الموجه للمنطقة العربية».



تجويد الإعلام العربي

وقال أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة الدكتور صفوت العالم، إن وسائل الإعلام التي تتحدث بلغة عربية هي في الأصل تنتمي إلى منظومة إعلامية في دولتها، فعلى سبيل المثال «فرانس 24، تتحدث بلغة الخطاب الفرنسي، وروسيا اليوم، تترجم السياسة الروسية، والحرة، تخاطب الرأي العام لإيجاد نوع من الاتصال الإقناعي بين الرأي العام في الولايات المتحدة وبين الدول التي تخاطبها».

وأضاف العالم، أن الوطن العربي ملف مهم في السياسات الخارجية لهذه الدول «وهو ما يدفعنا إلى تجويد الإعلام العربي، لأن الحقيقة لن تغيب، ولأن مخاطبة الرأي العام من مصادر متعددة ستكشف بشكل أو بآخر حدود الأشكال الدعائية».

وأكد أن الإعلام أحد الأسلحة المؤثرة، «وتأثير الإعلام الأجنبي كان أخطر في مرحلة ما قبل الفضائيات، لأنه لم تكن توجد في بلداننا العربية مصادر للمعلومات، وكانت إذاعة لندن ذات تأثير كبير على الرأي العام العربي في الخمسينات، والستينات والسبعينات». وأشار إلى أن الولايات المتحدة أطلقت قناة الحرة بالتزامن مع غزو العراق، لمخاطبة الرأي العام العراقي، بهدف تعزيز المصالح الأمريكية، وفي المقابل هناك قناة العالم الإيرانية، التي تعمل ليل نهار، وتتناول الشأن العربي كله، وتتابع الأحداث أولاً بأول «وهذا يدل أن هذه الدول واعية بتأثير الإعلام، على عكس عدد من الدول العربية».

وقال أستاذ الإعلام بالجامعة الخليجية في البحرين، الدكتور عبدالله الطاهر، إن الإعلام الأجنبي الموجه قديم جداً، وعادة تقف خلفه أجهزة المخابرات، باعتباره أحد أهم أسلحة الحرب النفسية. وأضاف: «الإعلام الأجنبي الموجه يلعب دوراً مهماً في العلاقات الدولية، ووسيلة للدعاية تحقق تأثيراً ونفوذاً كبيرين، أقوى من الدبلوماسية، ويمثل بالطبع.



تصحيح المفاهيم

مخالفات بعض وسائل الإعلام الأجنبية للمعايير المهنية أدت إلى تراجع ثقة الشباب العربي بها، واعتبرت شريحة واسعة منهم إن تلك الوسائل «منحازة ولا تنقل الأخبار بحيادية، وتمثل خطورة على أفكار الشباب ونظرتهم لأوطانهم».

يقول عدي مناوي، طالب عراقي، إنه للأسف هناك من يصدق بعض هذه القنوات ويقع فريسة لما تبثه من مغالطات، لكنه لا يستطيع مجابهة هذه المعلومات المغلوطة بمفرده، ما دفعه للتفكير في إنشاء مجموعة على «فيسبوك» لتفنيد الأخطاء وتصحيح المفاهيم.

ويضيف محمد بركة، طالب سوري أن متابعة القنوات الإخبارية بشكل عام تسبب له ضغوطاً نفسية، «خاصة مع الحالة الإنسانية الصعبة التي تعيشها سوريا منذ نحو 10 سنوات، وعمليات النزوح واللجوء والقصف والموت».

ويتابع أن «الإعلام لا يعبر عن معاناة الناس بشكل صادق، فكل منصة تحاول معالجة الخبر أو الصورة من الزاوية التي تخدم توجهاتها، وفي أحيان كثيرة تتم المتاجرة بأوجاع الضحايا وحشرهم في الصراعات السياسية بين ملاك وسائل الإعلام».

بدوره، يرى محمود المغربي، لبناني يعمل في شركة لشحن البضائع، أن أوجاع الوطن أصبحت كبيرة، وإنه قرر منذ التفجيرات التي شهدها مرفأ بيروت في أغسطس الماضي، التوقف عن مشاهدة القنوات الإخبارية بشكل عام سواء المحلية أو الأجنبية الموجهة. ويضيف أن «المشكلة ليست في تصديق الناس لما تبثه هذه القنوات من عدمه، ولكن المشكلة في أن الناس ملَّت تكرار المحتوى».

ويشير أحمد صابر، الطالب في السنة النهائية بكلية الإعلام جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا، إلى أنه بحكم دراسته لنظريات الإعلام «فهو محصن ضد المحتوى الذي تبثه هذه المنصات، كما أنها لا تقدم ما يقنع المشاهد الذي يتمتع ببعض الوعي». ويضيف صابر أنه يمر على صفحات السوشيال ميديا التابعة لهذه المنصات من باب الفضول؛ لمعرفة المحتوى الذي تبثه، متابعاً: «لا أجد فيها غير الجهل والخطاب العنصري الأصولي الذي ينبذ الآخر، فأحمد الله أنني لست من جمهورها». ولا يتوقف الطالب الجامعي عند المشاهدة فقط، لكنه يعمل على تفنيد الأكاذيب التي ترد في برامج هذه القنوات، وتوضيحها للشباب قائلاً «أشعر بأن هذا التزام أخلاقي، بأن أوضح الحقائق لمن حولي، حتى لا يقعوا فريسة لهذه الأباطيل».

ويختلف معه محمد عصام، الطالب في كلية التجارة بجامعة عين شمس المصرية، الذي يقول إنه لا يتابع القنوات التي تبث من تركيا على سبيل المثال، «لأنه غير مهتم بالصراع الحالي بين الأنظمة، ويؤمن بأنها صراعات مرحلية.



ثورة رقمية

قال الإعلامي المصري نشأت الديهي، إن قوة بعض قنوات الإعلام الأجنبي الموجهة لمنطقتنا العربية تكمن في إمكاناتها الهائلة، ومنصاتها المتكاملة، التي تعمل وفق خطة عنوانها العريض جذب الشباب العرب إما لأغراض اقتصادية كجذب الإعلانات أو أهداف تجارية، فضلاً عن الأهداف السياسية.

شهادة الديهي لها خصوصيتها، فقد سبق له العمل في احدى الفضائيات الناطقة بالعربية، وقدم استقالته على الهواء من العمل بها، موضحاً أن بعض القنوات ومنصات السوشيال ميديا التي تستهدف المنطقة العربية لا تتصف بالحياد أو المهنية، وتعمل وفق مصالحها الخاصة بصرف النظر عن أية عوامل أو معايير مهنية، ما يجعل منها أداة خطر على عقل الشباب العرب.

وأضاف الديهي في تصريحات خاصة أن أخطر هذه الأساليب محاولة كسر صورة الرموز الوطنية، ونعتها بصفات عديدة لمحاولة رسم صورة ذهنية سلبية لدى الجمهور العربي عن القادة والحكام.

وتابع: «الإعلام الآن لم يعد شاشة وصحيفة وكاتباً ومذيعاً، بل أصبحنا نعيش ثورة رقمية شاملة، تستهدف ذهن وسلوك الإنسان للتحكم في مزاجه العام، لو أردنا بناء إعلام وطني يحوز ثقة الجمهور العربي فلا بد من سرعة وضع آليات مرنة ومتطورة لمواجهة الآخرين أولاً، ودحض ما يروجونه، وفي نفس الوقت نسارع بنشر المعلومات الموثقة، مع التدريب الدائم على الإعلام الرقمي، ووضع برامج واقعية تخاطب الجمهور الحقيقي، وليس الافتراضي.

وحذر الديهي من أن بعض منصات التواصل الاجتماعي تهدف إلى التحكم في معنويات ومزاج الآخرين، وتوجيه تفكيرهم لما يحقق أهدافاً تضر بالمنطقة، وغالباً ما تكون هذه الأفكار ضد دولنا الوطنية. ودلل على ذلك بأن هدف جماعة الإخوان الإرهابية على سبيل المثال، هو ضرب مصر من الداخل، من خلال محاولات التشكيك والتشويه المستمرين، وهدف أجهزتها المعادية أن تصبح مصر دولة لا حزب لها ولا قوة، لفرض سياسات الأمر الواقع، وإخراجها من المعادلات السياسية في الإقليم.



أهمية القنوات الوطنية

طالب إعلاميون مواطنون بتحديد أهداف موحدة مدعومة بالأرقام والدراسات لوسائل الإعلام العربية لتقوم بمهمتها، على أكمل وجه وغلق الباب أمام توجه الشباب، والمشاهد العربي لمتابعة بعض وسائل الإعلام الأجنبية حتى ولو كانت ناطقة باللغة العربية.

وأرجع الإعلاميون ظاهرة انتشار محتوى بعض القنوات الفضائية على منصات السوشيال إلى استعانتها بالذباب الإلكتروني، مشيرين إلى أنه رغم ذلك، فإن غالبية الشباب العرب أضحى لديهم الوعي الكامل بأهمية متابعة القنوات الوطنية، وعدم إتاحة الفرصة لبعض القنوات من تمرير رسائل هدامة للشباب العرب.

ويقول الإعلامي الإماراتي عبدالرحمن الطنيجي، إن هناك وعياً من السواد الأعظم من الشباب لا سيما من دول الخليج ومصر ودول عربية أخرى، بأهمية القنوات الوطنية، وفي المقابل بات أكثر وعياً لتفنيد الأكاذيب والمغالطات التي تمارسها بعض الفضائيات.

وأضاف الطنيجي أن هذه الفضائيات تنفق المليارات لأسباب كثيرة من ضمنها، رفع شعارات وهمية من أجل جذب شريحة من المتابعين، غير أنه بعد حدوث فوضى في دول عربية كثيرة أضحت جليةً أمام الشباب العرب أجندات تلك القنوات والرسائل التي تبثها.

وبرر تواجد محتواها على السوشيال ميديا، باستعانتها بالذباب الإلكتروني لترويج محتواها بشكل كبير، إلا أن المحتوى المعروض يظل في خانة «عدم استحقاق المشاهدة».

ويرى الإعلامي المصري عمرو عبدالحميد، أن خطورة أي إعلام موجه إلى أي مجتمع تعتمد على وعي أبناء المجتمع نفسه، وذلك هو حجر الزاوية الرئيسي، لكن ولأن مجتمعاتنا العربية نسبة كبيرة من أهلها بسطاء ولم يأخذوا حظاً كافياً من التعليم، تصبح مسؤولية الحكومات كبيرة في إيجاد خطوط دفاع وحماية إعلامية لمواجهة أي رسائل سلبية.

وأكد عبدالحميد أنه لا يمكن بناء أي إعلام وطني قوي دون توفير المعلومة، متابعًا: تلك هي أهم وسيلة لبناء الإعلام الوطني، وبدون ذلك سيذهب المتلقي للبحث عن المعلومة في مصادر أخرى، قد تمثل أهدافها وتوجهها خطورة كبيرة.

وأشار إلى أنه يتوجب على وسائل الإعلام العربية إذا ما أرادت كسب ثقة الجمهور أن تعتمد المصداقية أولا، لأنها هي كلمة السر التي على أساسها يقرر المشاهد متابعة الوسيلة أو العزوف عنها، إلى جانب السرعة في تقديم المادة الاعلامية، بأشكال عصرية وجاذبة، لأن السرعة عنصر مهم جدا هذه الأيام في وجود منافسة قوية بين جميع المنصات الإعلامية.

وكان لدى رواد الإعلام الاجتماعي وجهة نظر جسدها المؤثر الإماراتي على وسائل التواصل الاجتماعي عبدالله بن دفنا، الذي رأى أن وسائل الإعلام العربية يتوجب عليها أن يكون لها حضور قوي على وسائل التواصل الاجتماعي في محاولة لملء الفراغ الفضائي.

وأوضح بن دفنا أنه لا بد من أن تبتكر وسائل الإعلام العربية طرقاً إبداعية من أجل المساهمة في انتشار محتواها على السوشيال ميديا، مثل ربط المحتوى بأفكار كوميدية محببة إلى جيل الشباب أو ربطه بمقتطفات درامية تناسب مضمون المحتوى بدلاً من تقديم محتوى «جامد» لا يلقى تفاعلاً كبيراً على وسائل التواصل المحببة إلى جيل الشباب العرب.

وأضاف بن دفنا أنه لا يمكن الزعم بأن وسائل الإعلام الغربية الناطقة باللغة العربية ليس لها جمهور، بل إن الاعتراف بوجود شريحة من الجمهور هو بداية مجابهتها والتوافق عليها في جذب شريحة شباب العرب المتابعين لها، لافتاً إلى أنه وبالرغم من ذلك فإن أغلبية الشباب العرب أضحى لديهم الوعي الكامل بتسييس تلك القنوات ومحاولتها تمرير رسائل هدامة للشباب العرب لأن هذا جزء من هدفها الأساسي.



مناعة وطنية

وإلى ذلك، حدد خبراء علم النفس، عدداً من المعايير، التي يجب اتباعها من قبل الفضائيات ومنصات السوشيال من أجل تحصين العقل العربي، حتى لا يقع فريسة سهلة، أمام بعض القنوات الفضائية، التي تستهدف الفئات محدودة الوعي والثقافة. وشددوا على ضرورة وجود استراتيجية واضحة لمواجهة محاولات اختطاف العقل العربي، بدلاً من انصرافه إلى منصات تفتقد المعايير المهنية، وبث معلومات تعتمد على زاوية معالجة واحدة، تستهدف الوقيعة بين الشعوب والحكومات.

وقال استشاري الطب النفسي الدكتور جمال فرويز، إنه كلما قل الوعي وتراجعت الثقافة، استطاعت هذه المنصات أن تؤدي دورها، «فعلى سبيل المثال تصدر الدولة قانوناً بعد دراسة جوانبه كلها، لكن هذه المنصات تستعين بوجهة نظر واحدة، وتصور لجمهورها أن هذا القانون يخدم مصالح النظام ويظلم المواطن البسيط، لتأجيج مشاعر العداء بين المواطن وحكومته».

وأضاف أنه لمواجهة مثل هذه الخطط لا بد من زيادة وعي وثقافة الشباب العرب، حتى يتسنى له فرز الغث من السمين في الخطاب الإعلامي الذي يملأ الفضاء العربي، لا سيما في ظل ما يشهده العالم من ثورة رقمية، جعلت منه أشبه بقرية صغيرة.

وتابع: «لا بد من التفريق بين وجوبية احترام الإعلام الغربي الذي يراعي المعايير المهنية، وبين منصات أخرى تعمل على إشعال الفتن في المجتمع، وزيادة الاضطرابات».

مؤكداً ضرورة إطلاق حملات توعية إعلامية وثقافية لتحصين العقل العربي ضد الدعاية المغرضة التي تبثها هذه المنصات.

وبدوره قال أستاذ علم النفس بجامعة أسيوط، الدكتور أحمد البهنساوي، إن الإعلام يعد إحدى أهم أدوات الحرب النفسية، وهو ما تتقنه بعض المنصات التي تستهدف منطقتنا، لافتاً إلى أن هذا الأمر يتم التخطيط له وتحديد أهدافه بدقة عالية، وليس بشكل عشوائي.

وأضاف البهنساوي أن «واحدة من نقاط قوة الزعيم الألماني أدولف هتلر في الحرب العالمية الثانية كانت الإذاعة، وبث الخوف والرعب في قلوب مواطني الدول التي استهدفها، فضلاً عن الدعاية التي مارستها أبواقه الإعلامية في ذلك الوقت».

وحذر البهنساوي من التهاون في مواجهة هذه المنصات، «لأنها تعتمد على استراتيجية استهداف العقل العربي وتضليله على مدار الساعة، ويخاطب فئات عمرية مختلفة كل حسب ما يناسبه، وهذا يستدعي جهوداً كبيرة لمواجهة هذه الأجندات، من خلال تثقيف المواطنين في المدارس ومراكز الشباب، ومن خلال الدراما، لخلق مناعة وطنية في مواجهة هذه الأكاذيب.

(شارك في التغطية سامي جولال من الرباط)