الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

حقوق المرأة في تونس.. هوة شاسعة بين القوانين والممارسة

حقوق المرأة في تونس.. هوة شاسعة بين القوانين والممارسة

تونسيات في وقفة مناهضة للعنف ضد النساء. (أ ف ب)

كادت نادية «تخسر كل شيء» حتى طفلتها، عندما تقدمت خلال فترة الإغلاق السنة الماضية بشكوى قضائية ضد زوجها العنيف، في ظل صعوبة تطبيق المؤسسات التونسية للقوانين الرائدة في البلاد على صعيد مكافحة العنف ضد المرأة.

تؤكد السلطات التونسية أن عدد الشكاوى المتعلقة بالعنف الجسدي واللفظي ضد النساء تضاعف 5 مرات خلال فترة الحجر بين مارس ويونيو 2020. ولا يزال المنحى التصاعدي مستمراً.

وتلقى مركز الإصغاء الخاص بـ«الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات» في تونس العاصمة، في الأشهر الأخيرة عدداً كبيراً من الشهادات لنساء تعرّضن للعنف الأسري يفوق بكثير تلك المسجلة في الفترة عينها من العام الفائت.

وأقرّ البرلمان التونسي في عام 2017 قانوناً طموحاً لمكافحة العنف ضد المرأة، ودعمه سياسيون ومنظمات من المجتمع المدني تعمل على أن تكون «المرأة التونسية» تقدمية ومتحرّرة من كل القيود الاجتماعية.



يوسع هذا النص القانوني الذي لقي إشادات كثيرة، نطاق التجاوزات التي تعرّض مرتكبوها للعقاب على صعيد العنف ضد النساء، ويؤكد جليّاً ريادة تونس في المنطقة في مجال حقوق المرأة ويكفل حماية قانونية ومادية لضحايا العنف.

لكن في المقابل، يبقى إحقاق الحق للضحايا مساراً صعباً في ظل غياب الإرادة السياسية ونقص الموارد.

تحمّلت نادية الأربعينية سوء معاملة زوجها وتهديداته سنوات عدة ولم تدّعِ عليه أمام القضاء في غياب أي مورد مالي مستقل لها. وتقول لوكالة فرانس برس: «كان يفعل ذلك (التعنيف) عندما يكون في حالة سكر ثم يعتذر، وكان يسافر شهوراً عدة سنوياً للعمل خارج البلاد لذلك فضّلت ألّا أفعل شيئاً».

وتتابع بتأثر ظاهر: «لكن وخلال فترة الحجر المنزلي، وجد نفسه عالقاً في البيت، وكان متوتراً ويسرف في الشرب. وفي يوم من الأيام، أفشت لي طفلتي أنه يلمسها بطريقة غير لائقة».



إثر ذلك، سارعت نادية لطلب الشرطة التي استدعته بعد أيّام للتحقيق معه. ولم تفض جلسات الاستماع لزوجها إلى نتائج ملموسة. ولم تتمكن نادية من تأكيد التهمة عليه إذ تمكّن من خلال موارده المالية من الاستعانة بمحامٍ، فيما هي تفتقر للإمكانيات وتخشى إمكان دفعه رشى لتبرئته في القضية.

وطلبت الشرطة من نادية جمع كلّ الأدلة والبراهين المتوافرة لديها في قرص مدمج، وهو ما فعلته الزوجة المعنَّفة. وبعد أسابيع طويلة من دون تحقيق نتيجة، وخوفاً من فقدان حضانة ابنتها في حال الانفصال عن زوجها، اختارت نادية اللجوء إلى «الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات».

كلفت الجمعية محامياً اكتشف عند فتحه ملف القضية أن الشرطة لم ترسل القرص الذي يحتوي الأدلة إلى القضاء. وتقول نادية «من حسن الحظ أني حظيت بدعم، كنت سأخسر كل شيء بما في ذلك طفلتي». وجرى تحويل ملفها إلى قاضٍ آخر وبعد أيّام قليلة أوقفت الشرطة زوجها.

وللتكفل بالنساء الباحثات عن حماية الشرطة، أنشأت وزارة الداخلية التونسية 130 فرقة متخصصة في هذا المجال منذ عام 2018. وكُلّف المئات من عناصر الشرطة المدرّبين خصيصاً لهذه المهمات، من بينهم نساء، التحقيق في حالات العنف الأسري وتنفيذ الأوامر القضائية لإبعاد الخطر عن الضحايا.

وباتت مدارس الشرطة تقدّم تعليماً خاصاً لعناصرها بشأن التعامل مع هذه القضايا، كما أن العناصر الذين يحاولون ثني النساء عن ملاحقة أزواجهن المعنّفين يواجهون احتمال السجن.



غير أن حماية النساء ضحايا العنف الأسري تتطلب الكثير من الصبر والجهد، وفق منظمات المجتمع المدني. وتقول رئيسة «الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات» يسرى فراوس لوكالة فرانس برس إنّ «هناك تبايناً كبيراً بين قانون 2017 والممارسات المؤسساتية والاجتماعية التي لا تواكب هذا المنحى التحرّري». ويلحظ القانون سبل الوقاية والحماية من العنف الأسري ومعاقبة مرتكبيه والتعويض عن ضحاياه، و«هذا يتطلب بنى تحتية ومراكز إصغاء وملاجئ، لكن الدولة لم تخصص ميزانية» لذلك، وفق فراوس.

يُضاف إلى ذلك «غياب النقاش العام بشأن قضايا النساء» منذ انتخابات 2019 التي تقدّم فيها المحافظون.

إلى ذلك، خمد الجدل حول مسألة المساواة في الميراث بعد أن أطلق الرئيس التونسي الراحل الباجي قائد السبسي عام 2018 مبادرة قانونية من أجل التساوي في عملية توزيع الإرث بين الرجل والمرأة.

وفي تقدير فراوس «يجب أن نخوض معركتين بشكل متوازٍ تشملان القوانين والعقليات»، من خلال تدريب قضاة ومحامين والشرطة والأطباء «ليتولوا المساواة».