الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

«برلين 2».. اختبار جديد للمصداقية الدولية في ليبيا

يشكل مؤتمر برلين 2 المقرر أن تستضيفه المانيا في 23 من الشهر الجاري، اختباراً جديداً لجدية ومصداقية المجتمع الدولي في حل الأزمة الليبية، وإمكانية الولوج نحو حلول عملية للأزمات التي استعصت على الحل طوال العام ونصف العام الماضيين، منذ مؤتمر برلين الأول في 19 يناير 2020.

ورغم الحلحلة السياسية التي تمثلت في تشكيل مجلس الرئاسة والحكومة الجديدين، فإن الأوضاع على الأرض في ليبيا ما زالت هشة، فالالتزام بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2571 الذي أوقف إطلاق النار في أكتوبر الماضي، تحيط به حالة من الشكوك وعدم الثقة بين كافة الأطراف الليبية والإقليمية والدولية، ناهيك عن عدم الالتزام بخريطة الطريق التي وضعتها الأمم المتحدة للوصول بليبيا إلى شاطئ الاستقرار ومسار الدولة الوطنية بعد عشرية كاملة من الفوضى، والتي كانت عنواناً لحالة التشظي والخلاف التي سادت الساحة الليبية منذ عام 2011 وحتى الآن. فما هو جوهر الخلاف الليبي؟ وهل من رؤية لتثبيت أركان الدولة الليبية وصولاً لمرحلة جني الثمار السياسية والاقتصادية والأمنية؟

من هم المرتزقة؟

الخلاف الكبير الذي يسود الساحة الليبية يدور حول عدم الاتفاق على تعريف من هو المرتزق، وما هي التنظيمات المليشياوية، فجميع الأطراف في ليبيا ودول الجوار والدول الأوروبية ومعهم روسيا والولايات المتحدة، يطالبون بضرورة الخروج السريع للمرتزقة والمليشيات من الأراضي الليبية، لكن تظل نظرة كل طرف إلى من هو المرتزق والإرهابي محل خلاف، وإذا استطاع مؤتمر «برلين 2» تحديد هوية 20 ألف مرتزق وفق تقديرات الممثلة الخاصة للأمين العام في ليبيا بالإنابة، ستيفاني ويليامز، فإن ذلك سيكون نقلة نوعية في طريق تنفيذ قرار مجلس الأمن 2570، الذي طالب بخروج هؤلاء المرتزقة على وجه السرعة.

المشكلة الكبرى أن الجانب التركي مثلاً يرفض إطلاق صفة المرتزق والإرهابي على آلاف السوريين الذين جلبهم إلى مصراته وطرابلس، بزعم أن دخول هؤلاء إلى ليبيا جاء عبر اتفاق شرعي وقانوني مع رئيس مجلس الرئاسة الليبي السابق، فايز السراج، في نوفمبر 2019، وهنا لا تأخذ أنقرة في اعتبارها أن حكومة السراج انتهت شرعيتها في 17 ديسمبر 2017 بعد مرور العامين اللذين نص عليهما اتفاق الصخيرات، الذي أعلن في 17 ديسمبر 2015 أن حكومة السراج تستمر عاماً واحداً قابلاً للتجديد لعام آخر فقط، كما أن الموقف التركي يتجاهل أن الجيش الوطني الليبي جاء بقرار من البرلمان الشرعي المعترف به دولياً، ومن حقه القانوني والشرعي أن يتعاون مع من يريد للحفاظ على مقدرات الشعب الليبي، ويمكن حل هذه المشكلة بخروج جميع حاملي السلاح من الأجانب وغير الليبيين.

وترتبط نزاهة الانتخابات التشريعية والرئاسية التي يفترض أنها ستجرى في ديسمبر المقبل، برحيل المرتزقة، فلا يمكن أن يكون المواطن الليبي حراً في اختياره وهو تحت فوهة بندقية المليشيات، خاصة أن المنطقة الغربية التي بها النسبة الأكبر من سكان ليبيا، تعاني من الانفلات الدائم للمليشيات، وهو ما يزيد الشكوك حول إجراء الانتخابات في موعدها المقرر بعد 6 أشهر من الآن، الأمر الذي يدفع بأننا أمام سيناريو «صخيرات جديدة» عندما طالت الفترة الانتقالية بعد اتفاق الصخيرات إلى 6 سنوات بدلاً من عامين على الأكثر، وهو ما يستوجب الاتفاق على القاعدة الدستورية التي ستجرى الانتخابات تحت مظلتها. وفي هذه النقطة يدور الخلاف حول موقفين، الأول يدعو للاستفتاء أولاً على مسودة الدستور المطروحة للنقاش حالياً، ويدفع بهذا الرأي رئيس مجلس الدولة، خالد المشري، والموقف الثاني يتبناه رئيس مجلس النواب، المستشار عقيلة صالح، ويدعو للاعتماد على الإعلان الدستوري الساري حالياً كقاعدة دستورية ونص قانوني لتنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

وقد يمكن التغلب على هذه المعضلة بالتصويت على القانون الموجود في مجلس النواب حالياً، والذي يحدد خطوات انتخاب الرئيس الليبي الجديد، وذلك تجنباً للخلاف الكبير حول مسودة الدستور التي تتم مناقشتها، فالطبيعي أن يكون هناك إجماع أو على الأقل دعم كبير للدستور، وغياب هذا الدعم للمسودة الحالية للدستور قد يعمق الخلافات في المستقبل حتى حال إقرارها بنسبة ضعيفة.

الجيش الموحد

رغم أن مفاوضات 5+5 ، التي ضمت خمسة مسؤولين عسكريين من طرفي الصراع، وصلت لنتائج كبيرة؛ منها الحفاظ على وقف إطلاق النار، وفتح بعض مسارات التواصل في الأراضي الليبية، فإن موقف معارضي الجيش الوطني الليبي يعرقل توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، ويجب على مؤتمر برلين 2 أن يقدم تصوراً لبناء القوات المسلحة الليبية على أسس وطنية وليست أيدلوجية، أو جهوية ومناطقية. وحتى لو تأجلت هذه الخطوة لحين وجود مؤسسات منتخبة يظل على المجتمعين في برلين 2 واجب مساعدة الشعب الليبي في الحفاظ على مؤسساته الوطنية ومنها الجيش الوطني الليبي، ويمكن أن يلتحق به كل من يلتزم بالمعايير الوطنية للدولة الليبية بعيداً عن الانتماء للمشروعات السياسية والأيدلوجية العابرة للحدود، كما يمكن أن يتم ذلك عبر دعم الأمم المتحدة في نزع سلاح المليشيات والمرتزقة، وتشجيع المقاتلين الليبيين على الالتحاق بالعمل المدني، أو الانخراط في الجيش الوطني الليبي.

الأموال المجمدة

ربما القرار الذي يمكن أن يغيّر من حياة الليبيين هو وقف قرار تجميد نحو 200 مليار دولار من الأموال والأصول الليبية في الخارج، لأن إعادة الإعمار تحتاج إلى هذه الأموال حتى يشعر الليبيون بقيمة الاستقرار، وأن المستقبل يحمل ما هو أفضل من الصراع وحمل السلاح والعيش في كنف أمراء الحرب، ورغم أن هذه القضية لم تراوح مكانها منذ 10 سنوات، فإن زخم وقوة مؤتمر برلين 2 يمكن أن يعيد بث هذا الأمل من جديد في نفوس الليبيين.