السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

«لبنان يغرق».. الفساد والعناد يدفعان الدولة إلى نقطة الانهيار

تزيد أزمة نقص الوقود من قتامة الوضع والظلام الذي يخيم على لبنان بعد ما يقرب من عام ونصف على بوادر انسداد سياسي وتدهور اقتصادي عم البلاد والعباد.

منذ الشهر الماضي خفت الأنوار في البلاد أكثر بعد خروج مركبين عملاقين كانا يعززان شبكة الكهرباء، من الخدمة بسبب نقص الوقود. وكانت النتيجة 6 ساعات أقل من الطاقة في اليوم لمعظم المنازل، أو حاجة أكبر لوقود المولدات لمن يستطيعون تحمل كلفته.

ويحدث ذلك بينما تعاني البلاد من تضخم مفرط ونقص الإمدادات الطبية، بينما يتزايد الضغط في الداخل والخارج لمعالجة مستنقع الحوكمة دون حل في الأفق، بحسب تقرير لصحيفة «الغارديان» البريطانية.

الأوضاع المتدهورة تسببت في اشتباكات بين قوات الجيش ومتظاهرين غاضبين في مدينة طرابلس الشمالية، ما أدى إلى إصابة العديد من المتظاهرين و10 جنود.

فساد السلطة

ووفقاً للعديد من اللبنانيين، فإن القابعين في السلطة والمتهمين بالفساد، لا يزالون أقوياء حتى بعد 18 شهراً من ظهور أولى بوادر الأزمة الاقتصادية.

ومع تفكك لبنان، يشكك الدبلوماسيون ووكالات المساعدات والمسؤولون الدوليون وحتى بعض القادة المحليين في جدوى دولة ترفض الإصلاح حتى لإنقاذ نفسها.

وبعد 11 شهراً تقريباً من الانفجار الكارثي الذي وقع في ميناء بيروت في أغسطس الماضي، لم تكن هناك اختراقات في محاولات تشكيل حكومة - حتى مع التضخم المفرط والنظام المصرفي المعطل الذي يدمر المدخرات، وازدياد انعدام الأمن الغذائي وتسارع هجرة الأدمغة.

وتقول (ن أ) وهي أستاذة في إحدى جامعات بيروت، إن الوضع كارثي بسبب فساد المسئولين وإن الشعب اللبناني يدفع ثمن الأزمة التي تسببوا فيها من ودائعه وأمواله.

وتضيف في تصريحات لـ «الرؤية» من بيروت أنها لا تستطيع السحب من مدخراتها في البنوك إلا في حدود 400 دولار في الشهر شريطة أن تسحب مقابلهم 400 دولار ولكن بالعملة المحلية الليرة، وهو ما يكلفها الكثير من الخسائر، على حد قولها.

حساب مجلس الوزراء اللبناني على تويتر عقب اليوم الأربعاء على أزمة السوق السوداء في البلاد عبر تغريدة على تويتر أكد فيها ملاحقة المتلاعبين بالدولار:

وقالت نجاة رشدي، المنسقة المقيمة للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في لبنان: «الانفجار... أدى إلى تسريع الكثير من الأمور، وهذا أمر مؤكد». «أزمة الاقتصاد، وانخفاض قيمة العملة، وكذلك الفراغ في الإدارة، أدى إلى انهيار الخدمات العامة في وقت تشتد الحاجة إليها».

فقر مدقع

في جميع أنحاء لبنان، ارتفع معدل الفقر المدقع 3 أضعاف منذ ظهور العلامات الأولى على اقتراب الاقتصاد من الهاوية منذ ما يقرب من عامين. بالنسبة للعديد من الأسر، فإن الخدمات الأساسية، بما في ذلك الصحة والكهرباء والمياه والإنترنت والتعليم، تكاد تكون بعيدة المنال، لكن هذا لم يكن له تأثير يذكر على السياسيين العازمين على حماية نظام المحسوبية الذي يسير بالتوازي مع الطائفية التي قوضت النظام الحكومي لعقود.

وتقول (ن أ ) التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، «إن هناك نقصاً شديداً في الأدوية حالياً والصيدليات تعاني من عدم توافر الضروريات مثل المخدر وبعض الأدوية المدعومة تختفي بسرعة كبيرة، بسبب التهريب الذي يشمل كل أنواع السلع في البلاد من الوقود إلى الدواء والغذاء،»، مشيرة إلى أن هذه المعلومات مؤكدة من أقارب لها يعملون في القطاع الطبي سواء كانوا أطباء أو صيادلة.

لا يزال السياسيون في البلاد غير قادرين على المساومة على الحقائب الوزارية والحصص، ويصرون على عناد يقوض الآمال في إمكانية إدارة الوزارات في المستقبل كمؤسسات بدلاً من إقطاعيات.

يُنظر إلى الكارثة هذه المرة على أنها يمكن تجنبها إلى حد كبير، حيث إنها قضية حكم أكثر منها قضية إنسانية، يمكن حلها بدعم دولي من الخارج.

وقالت نجاة رشدي: «تطوير لبنان مسؤولية اللبنانيين». «تنمية لبنان ليست مسؤولية المجتمع الدولي».

وأبلغت فرنسا، صاحبة الإرث الطويل في لبنان، كبار المسؤولين مراراً وتكراراً أن المساعدات لن تبدأ في التدفق إلا بعد إدخال إصلاحات، مثل الشفافية والتدقيق في عمل البنك المركزي. لكن قادة الحرب الأهلية والموالين لهم الذين ما زالوا يسيطرون على شؤون البلاد لا يستوعبون خطورة الوضع الحالي.

السفينة تغرق

وقال وزير لبناني بالإنابة «إنهم ما زالوا يعتقدون أن خطة إنقاذ قادمة». «لأنهم يرون المجتمع العالمي المهتم بالإنسانية لن يدعنا نغرق. وتساءل.. ماذا لو كانوا مخطئين؟ هل نغرق جميعاً بالسفينة، ويأخذ الأشرار قارب نجاة إلى فرنسا؟».

وصف دبلوماسي أوروبي أزمة الوقود بأنها عملية احتيال. لا يوجد نقص في الوقود. حيث يتم الاحتفاظ به على متن السفن من قبل الموردين المحليين كوسيلة لزيادة هوامش الربح ويتم شحنها إلى سوريا، حيث يتم بيعها بأسعار أعلى مما يمكن أن تصل إليه في الأسواق المحلية، بحسب «الغارديان».

وأضاف: «يتم وضع الأرباح في جيوب جميع أنواع المشاركين في اللعبة».

وتابع: «نفس الأنظمة والأشخاص الذين قادونا إلى هذا الطريق هم الذين من المفترض أن يخرجونا منه. لكنهم لا يريدون ذلك. لا يمكنك إصلاح مشكلة ترفض الإصلاح».

وعلى الرغم من أن التغيير لم يطل المستنقع السياسي بعد، إلا أن هناك دلائل على أن قادة البلاد بدؤوا يشعرون بالأزمة. فرضت الولايات المتحدة عقوبات على وزير الخارجية السابق جبران باسيل، وهو مرشح محتمل ليحل محل والد زوجته، ميشال عون، كرئيس. ألمحت فرنسا والاتحاد الأوروبي إلى أنهما قد يفرضان عقوبات تطال قادة آخرين من بينهم رئيس البنك المركزي رياض سلامة.

والأسبوع الماضي غرد باسيل على حسابه في موقع «تويتر» مقدماً الشكر للبنانيين المغتربين على استمرارهم في تحويل الأموال إلى بلدهم، في اعتراف ضمني بأزمة النظام المصرفي في البلاد:

حماية الفاسدين

وقال الوزير الذي تحدث شريطة عدم ذكر اسمه: «حتى هذه اللحظة، يقومون بتوفير الغطاء لبعضهم البعض، إنهم يعرفون جميعاً الصفقات الفاسدة ومن استفاد منها، ويعرفون نقاط ضعف بعضهم البعض».

في 17 يونيو 2021، عقد مؤتمر افتراضي في باريس لجمع الأموال للجيش اللبناني. على عكس الأحداث السابقة، لم يكن هذا الحدث متعلقاً بمكافحة الإرهاب أو العتاد العسكري أو التكنولوجيا، بل بالمساعدات الإنسانية لخدمة الاحتياجات الأساسية للضباط اللبنانيين، وسط مخاوف من انهيار المؤسسة الوحيدة في البلاد التي كانت تتمتع باستقرار.