الثلاثاء - 16 أبريل 2024
الثلاثاء - 16 أبريل 2024

سد النهضة.. ماذا بعد مجلس الأمن؟

سد النهضة.. ماذا بعد مجلس الأمن؟

الملء الثاني لسد النهضة محل الخلاف بين الدول الثلاث.(رويترز)

رغم أن مجلس الأمن لم يصدر قراراً حتى الآن بشأن سد النهضة الإثيوبي، إلا أن تخصيص جلسة في المجلس، الذي ترتكز مهمته الأولى على حفظ الأمن والسلم الدوليين، يؤكد أن الخلاف بين إثيوبيا، وبين دولتي المصب مصر والسودان، دخل مرحلة حاسمة، بعد 10 سنوات من المفاوضات.

فالسد الأثيوبي يعني خصم 120 مليار متر مكعب من المياه من مصر، حسب تقدير وزارة الخارجية المصرية، والتي تطالب باتفاق قانوني ملزم وعادل ومنصف لجميع الأطراف، وضرورة التوصل لآلية لحل النزاعات وتبادل المعلومات حول سلامة السد، الذي تخشى القاهرة والخرطوم، من انهياره وتحوله إلى قنبلة مائية، يمكن أن تغرق المدن والبلدات السودانية على طول النيل الأزرق، وصولاً للعاصمة الخرطوم، حيث تقدر وزيرة الخارجية السودانية مريم صادق المهدي، أن 20 مليون سوداني يشكلون 50% من الشعب السوداني، في دائرة الخطر، إذا لم يتم التوصل لاتفاق ثلاثي بين أديس أبابا والقاهرة والخرطوم.

وبعيداً عن مجلس الأمن، فإن المجتمع الدولي بات على اطلاع كامل بملف سد النهضة، فما هي المحفزات والدوافع التي يمكن أن يقدمها مجلس الأمن في الفترة القادمة من أجل التوصل لاتفاق ملزم لكل الأطراف؟ وماذا عن دور الأطراف الدولية الأخرى كالاتحاد الأوروبي الذي أبدى أسفه للملء الثاني دون تنسيق مع دول المصب؟

دبلوماسية استباقية

من المؤكد أن إجماع وزراء الخارجية العرب، على إحالة ملف سد النهضة إلى مجلس الأمن في 15 يونيو الماضي، جاء في إطار الحرص العربي على تفعيل الدبلوماسية الوقائية والاستباقية لمجلس الأمن، فكلما كان المجلس منخرطاً ومتابعاً للنزاع، كلما شكل هذا قرون استشعار، لمنع خروج الخلاف بين الدول الثلاث بعيداً عن المسارات السياسية والقانونية.

فحجم الأضرار التي تتوقعها دولتا المصب، يفرض على مجلس الأمن أن يلقي بثقله خلف المفاوضات التي يرعاها الاتحاد الأفريقي، بعد تعزيزها من جانب الأمم المتحدة، وترفيع دور الخبراء إلى دور المسهل والميسر، بعدما رفضت إثيوبيا إعطاءهم دور الوسيط.

المخاوف المصرية

وتشير الحسابات المصرية إلى ضرر جسيم يمكن أن يلحق بمصر، حال تنفيذ السيناريو الإثيوبي، فموارد مصر من المياه لا تزيد على 60 مليار متر مكعب، يأتي 55.5 مليار متر مكعب منها عن طريق نهر النيل، بينما تصل الاحتياجات المصرية إلى 114 مليار متر مكعب من المياه سنوياً.

وسيؤدي النقص في مياه النيل إلى خسائر جسيمة، وصفها وزير الخارجية المصري بالخطر الوجودي، لأن نقص مليار متر مكعب واحد من المياه سيؤدي لفقدان الدخل لدى 200 ألف أسرة مصرية، وهو ما يعني أن حوالي مليون مواطن سيفقدون مصدر دخلهم الوحيد، عند احتجاز كل مليار متر مكعب من المياه خلف سد النهضة، الأمر الذي يقود إلى أن 40 مليون مصري يعملون في مجال الزراعة سوف يخسرون دخلهم في حال حجز 74 مليار متر مكعب في بحيرة السد، وذلك وفق تقديرات وزارة الري المصرية، الأمر الذي سيقود إلى عدم الاستقرار الاجتماعي، وظهور موجات هجرة غير شرعية، خاصة لو اقترن كل ذلك مع ما يسمى بسنوات الجفاف، والجفاف الممتد، وهي السنوات التي تقل فيها الأمطار على الهضبة الإثيوبية.

المفاوضات هي الحل

وعلى الرغم من اعتبار كل طرف، أن كلمات مندوبي الدول الأعضاء في مجلس الأمن كانت لصالحه، إلا أنه كانت هناك مساحة مشتركة بين الدول الثلاث يمكن البناء عليها في الفترة القادمة، وهي عدم رفض مصر والسودان وإثيوبيا للمفاوضات، بل عكست تصريحات وزيري الخارجية في مصر والسودان التمسك الكامل بالمفاوضات، وضرورة الذهاب إلى اتفاق يرضى عنه الجميع.

ويكفي ما قاله وزير الخارجية المصري بعد جلسة مجلس الأمن، «بأن مصر ملتزمة بمبادئ ومواثيق الأمم المتحدة، وستستمر في إظهار المرونة والرغبة في دعم عملية الاتحاد الأفريقي».

الدور الدولي

لكن حتى لا يتكرر الإخفاق الذي حدث في الجولات الماضية، لا بد من دعم المفاوضات القادمة من جانب الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، بجانب الرعاية الأفريقية، فالاتحاد الأوروبي له علاقات قوية، وينفذ مشروعات كبيرة ويتمتع بمقبولية كبيرة لدى القاهرة والخرطوم وأديس أبابا.

كما أن أمريكا أكثر الأطراف الدولية إدراكاً للمخاطر التي يمكن أن تتعرض لها منطقة هشة أمنياً، فالرئيس جو بايدن سارع بتعيين مبعوث أمريكي للقرن الأفريقي، وهو السفير المرموق جيفري فيلتمان، كما سبق وأن نجحت الجهود الأمريكية في التوصل إلى وثيقة واشنطن في فبراير 2019، بالشراكة بين الولايات المتحدة والبنك الدولي، وهو أرفع جهة فنية في العالم يمكن أن تصيغ اتفاقاً عن السدود، يتفق مع كل القوانين والاتفاقيات الدولية، ورغم عدم موافقة إثيوبيا على وثيقة واشنطن، إلا أن غالبية أفكار هذه الوثيقة تم التوصل إليها بحضور الجانب الإثيوبي، وهو ما يشكل أرضية إضافية لاستئناف المفاوضات.

كما أن دعم الولايات المتحدة خلال جلسة مجلس الأمن لإعلان المبادئ الذي وقعته الدول الثلاث في 23 مارس 2015، يزيد من الأفق الذي يمكن البناء عليه، عندما يتم الجلوس على مائدة الحوار، خاصة أن الولايات المتحدة جاهزة لدعم المفاوضات وفق الرؤية التي تحدثت بها ليندا غرينفيلد المندوبة الدائمة للولايات المتحدة في مجلس الأمن.

التنمية المشتركة

ويدعم فرص الحل السياسي أن القاهرة والخرطوم يقولان ليل نهار إنهما مع التنمية في إثيوبيا، وإنهما ليسا ضد بناء السد، بل عبرت مصر أكثر من مرة عن استعدادها للمساهمة في بناء سد النهضة، وإنشاء صندوق للاستثمار المشترك من أجل أن يكون حوض النيل الأزرق مكاناً للتعاون وتحقيق التنمية للدول الثلاث، بشرط وجود الشفافية والالتزام، من أجل التغلب على العقبات، والتوصل للترتيبات الخاصة بالقضايا العالقة، وهذا ما يؤكد أهمية أن توجه الأمم المتحدة رسالة لتشجيع الدول الثلاث لاستئناف المفاوضات، والتوصل لاتفاق قانوني ملزم، فالنجاح في المفاوضات القادمة يحتاج إلى حسن النوايا وإرادة سياسية واضحة والابتعاد عن الإجراءات الأحادية، والالتزام بجدول زمني محدد.