الأربعاء - 24 أبريل 2024
الأربعاء - 24 أبريل 2024

الإمارات والنمسا.. نصف قرن من «شراكة القيم»

رسمت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى النمسا خريطة طريق جديدة من أجل تعزيز «شراكة القيم» التي تجمع بين البلدين الصديقين منذ نحو نصف قرن. فمن يقرأ مفردات السياسة الخارجية الإماراتية يتأكد له أنها تتطابق في ملفات كثيرة مع نظيرتها النمساوية فيما يتعلق بدعم الاستقرار والسلام والازدهار ليس فقط لشعبَي الإمارات والنمسا، بل لكل شعوب المنطقة والعالم، وهذا ما نراه في اتفاقيات السلام وإنهاء الحروب التي تم التوقيع عليها في قصور وفنادق فيينا خلال العقود السبع الماضية. وهذا هو نفس الهدف وذات الطموح الذي تعمل عليه القيادة الإماراتية التي نجحت بالفعل في التوصل لاتفاقيات سلام ونزع فتيل التوتر في مناطق كثيرة من العالم لعل أبرزها وقف الحرب التي استمرت 20 عاماً بين إرتيريا وإثيوبيا عام 2018، والتخفيف من التوتر بين الهند وباكستان في إقليم جامو وكشمير. ما يعزز من شراكة البلدين في نشر ثقافة السلام والاعتدال والتعايش المشترك هو اتفاق البلدين خلال قمة فيينا على إعلان نوايا سياسي يهدف إلي تعميق التعاون في كل تلك المجالات حسب ما نقلت وكالة الأنباء النمساوية الرسمية.

ويأتي توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين النمسا والإمارات خلال زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد النمسا، الخميس الماضي، بعد نجاح الإمارات في الحصول على عضوية مجلس الأمن خلال عامَي 2022 و2023، وهو ما يعطي الخيارات الدولية القائمة على تحقيق السلام والرخاء والبحث عن المساحات المشتركة بين الدول والشعوب دعماً وزخماً غير مسبوقين من جانب الإمارات والنمسا. ويتبنى البلدان بشكل كامل سياسة قوامها «إسكات البنادق» وتعزيز لغة الحوار، وهو ما جعل الإمارات تحظى «بمقبولية سياسية» في كل دول العالم لتكون وسيطاً وشريكاً للاستقرار وبناء المستقبل مع كافة الشعوب، فكيف يمكن البناء على ما تحقق في زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد للنمسا؟ وما هي الآفاق الجديدة التي يمكن أن تصل إليها العلاقات الإماراتية النمساوية؟

قيم متجذرة

من يحلل اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي وقعتها أبوظبي وفيينا، يتأكد له أن القيم والمصالح التي يسعى الطرفان إلى تحقيقها في السنوات القادمة لا تتعلق بمصالح آنية أو طارئة، فالعلاقات بين الدولتين والشعبين تمتد لنحو نصف قرن من الزمان منذ القمة الأولى التي جمعت المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بالمستشار النمساوي الأسبق برونو كرايسكي عام 1973، وذلك قبل أن تكون هناك سفارات وعلاقات دبلوماسية بين فيينا التي يطلق عليها باللاتينية «مدينة» النسيم العليل، وأبوظبي عام 1974. وكان المستشار كرايسكى محباً لكل شيء في الإمارات لدرجة أنه زار دولة الإمارات العربية المتحدة 8 مرات خلال الفترة من 1973 إلى 1986، بينما زار المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان، النمسا 4 مرات خلال نفس الفترة، كما زار المستشار الحالي سبستيان كورتس الإمارات مرتين الأولى عام 2018 والثانية عام 2019.

جبهة واحدة

وبجانب العمل المشترك بين الإمارات والنمسا على استكشاف مزيد من الفرص والتعاون في مجالات الابتكار والتكنولوجيا والرقمنة وخلق بيئة إيجابية للأعمال، وفق البيان الختامي لزيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، فإن القمة الإماراتية النمساوية عززت من أهمية وقيمة «النموذج الإماراتي» في مكافحة الإرهاب القائم على تعزيز مؤسسات الدولة الوطنية ومكافحة الجماعات الإرهابية عبر محاربة الفكر الخاطئ ومنع تمويل الجماعات الإرهابية، والتعاون مع الدول في المكافحة الأمنية والاستخباراتية، وهو ما عبر عنه سموه بوضوح عندما قال «إن البلدين ينتهجان استراتيجية واضحة في مواجهة التطرف والإرهاب بجميع صوره وأشكاله وتجفيف مصادر تمويله، والذي يستهدف أمن الدول واستقرارها ومقدرات شعوبها وتفتيت مجتمعاتها». وكان لافتاً أن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد ثمن الخطوات النمساوية الجريئة ضد الجماعات الإرهابية، فالمعروف أن البرلمان النمساوي أقر حزمة من القرارات في 8 يوليو هذا العام عندما وافق المجلس الوطني النمساوي على القانون الجديد لمكافحة الإرهاب والتطرف، والذي يعمل على تعزيز جهود الدولة النمساوية في حظر أنشطة الجماعات الإرهابية، ومصادرة التمويل القادم لها من الخارج، وتغليظ العقوبات على المجتمعات والأشخاص الذين يشكلون بيئة حاضنة للإرهاب، بما يساعد الحكومة النمساوية على مراقبة خطاب الكراهية واستغلال منصات التواصل الاجتماعي في دعم الإرهاب، وذلك حسب ما قاله وزير الداخلية النمساوي كارل نيهمر في أوائل شهر يوليو.

تعزيز المكانة «الجيو- اقتصادية»

وتمتد الشراكة بين الإمارات والنمسا لدعم قيم الابتكار والحفاظ على الكوكب والإنتاج المشترك للطاقة الجديدة والمتجددة، حيث ستشهد الفترة القادمة العمل سوياً في إطار «شراكة الهيدروجين» وفق البيان الصادر عن القمة، وهو ما يعزز العلاقات الاقتصادية الراسخة بين البلدين. وتحتل الإمارات المكانة الأولى في قائمة أهم الشركاء التجاريين للنمسا في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج، حيث تتخذ 400 شركة نمساوية من الإمارات مركزاً رئيسياً لإدارة أعمالها في الخليج وشمال وشرق أفريقيا وأجزاء من الهند، وهو ما عزز من «الوضعية الجيو اقتصادية» للإمارات التي تحولت لمعبر رئيسي لصادرات النمسا في الشرق الأوسط.

وتكشف الخطط المبتكرة للمشاركة النمساوية في معرض أكسبو 2020 دبي عن الحجم الكبير لآفاق التعاون بين البلدين، حيث يستعد جناح النمسا ليكون له مكانة مرموقة في المعرض الذي ترى فيه فيينا «نافذه عريضة» للمنتجات والخدمات والأفكار والثقافة النمساوية على الخليج والمنطقة العربية، بل وعلى دول أسيا وكل الشرق الأوسط. ولهذا السبب وضعت الحكومة النمساوية ممثلة في وزارة الاقتصاد هدفاً طموحاً منذ 2018 وهو أن يزور 3 ملايين زائر جناح النمسا في معرض إكسبو 2020 وفق تقديرات وزيرة الاقتصاد النمساوية مارجريت شرامبوك.

ولا عجب للأهداف الطموحة لمثل هذه الشراكة الاستثنائية، في ظل الأساس المتين القائم على القيم المشتركة لعلاقة تقترب من بلوغ اليوبيل الذهبي لتدشينها.