الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

استقطابٌ وأيادٍ إخوانية.. ماذا يجري في شرق السودان؟

استقطابٌ وأيادٍ إخوانية.. ماذا يجري في شرق السودان؟

محتجون يطالبون بحل الحكومة الانتقالية. (أ ف ب)

منذ 17 سبتمبر الماضي، يضطرم شرق السودان بالتوتر. اعتصاماتٌ واحتجاجات وإغلاق لحركة التجارة. سفن حاويات وشاحنات محملة بالبضائع والمواد الغذائية معطلة في مرفأ بورتسودان. محتجون يغلقون الطرق التي تربط ميناء البلاد الرئيسي بالعاصمة الخرطوم وسائر المناطق الحيوية في البلاد.

فوضى عزاها المراقبون إلى إخفاقٍ للحكومة السودانية في التعامل مع الأزمة، سرعان ما استغلته أطراف عدة، على رأسها جماعة الإخوان، لتحقيق مصالح «خبيثة»، تعول على إذكاء الفتنة وإفشال الحكومة الانتقالية وجر البلاد إلى العنف.

من يعرف إقليم شرق السودان، يدرك أهميته الاستراتيجية، تجاريةً وعسكريةً، كونه أولاً، يحاذي كلاً من إريتريا ومصر وإثيوبيا. وثانياً- بحسب تقرير لمركز الإمارات للسياسات- إن الإقليم «يتمتع بموارد مائية هائلة لضمه خمسة أنهار عذبة، ونحو أكثر من ثلاثة ملايين ونصف المليون هكتار من الأراضي الزراعية».

ثالث الأسباب- ربما أهمها- أنه «يمثل عصب الاقتصاد السوداني، فهو يضم غالبية المرافئ النفطية السودانية على الساحل السوداني الممتد نحو 714 كيلومتراً على ساحل البحر الأحمر»، من مصر شمالاً حتى إريتريا جنوباً. هذه المنطقة الغنية بالذهب تتسم بالتنوع البحري، ظلت منذ عقود، في قلب صراعات على النفوذ.

وفي قلب تلك المنطقة التي تمثل «ثغر السودان»، يقع ميناء بورتسودان، الذي أصبح مسرحاً للاضطرابات الأخيرة التي تنسحب مباشرة على الاستقرار السياسي والوضع الاقتصادي للبلاد، وتتجاوز تداعياتها حصار العاصمة الخرطوم، لتضر باقتصاد جنوب وغرب السودان، في إقليم دارفور، حيث يتظاهر بعض السكان، احتجاجاً على نقص السلع الغذائية.

ويطالب المحتجون بإلغاء اتفاق السلام، الذي وقعه في جوبا رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك مع مجموعات متمردة من أنحاء مختلفة في السودان عام 2020. وتضمّن هذا الاتفاق شقاً خاصاً بشرق السودان يقول المحتجون إن من وقعوا عليه لا يمثلونهم ولا يمثلون الإقليم الساحلي، الذي يتميز بتنوعه النباتي، وثروته من الشعاب المرجانية، ولا سيما في ميناء جزيرة سواكن، التي يرى باحثون أنها «جزء من الأمن القومي للبلاد».

ووفقاً لاتحاد شركات الشحن، استقبل مرفأ بورتسودان خلال سبتمبر الماضي 27 سفينة شحن فقط، مقارنة بـ65 في أغسطس. ويؤدي الإغلاق إلى خسارة تراوح بين 50 - 60 مليون دولار يومياً، بحسب خبراء الاقتصاد.

واضطُر رجالُ أعمال سودانيون لاستخدام موانٍ أخرى لشحن بضائعهم منذ مطلع أكتوبر الجاري، بحسب وزير التجارة السوداني علي جدو. كما فقد 33 ألف عامل في مجال الشحن ومكاتب التخليص الجمركي مصدر دخلهم منذ إغلاق الميناء، وفق اتحاد عمال الشحن والتفريغ.

تشكل هذه الخسائر ضربة قوية لاقتصاد سوداني مهترئ، وسط إجراءات تقشفية اتخذتها الحكومة، فرفعت الدعم عن سلع أساسية، منها الوقود. يضاف إلى ذلك بلوغ نسبة التضخم 400%، وانخفاض قيمة الجنيه السوداني، وأزمة الخبز، ونقص الأدوية.

وتقول صباح موسى، الباحثة المتخصصة في الشأن السوداني، «أخطاء الحكومة وعدم سرعتها في التعامل مع الأزمات، خصوصاً أزمة كبيرة مثل شرق السودان، أعطى جماعة الإخوان ثغرة للتغلغل في أثناء الأزمة».

وأضافت موسى في حديث خاص لـ«الرؤية»: الخطأ بدأ منذ تقسيم مسارات اتفاق جوبا بين الحكومة والحركات المسلحة إلى خمسة مسارات في التفاوض.. في الوقت الذي كان يجب فيه التفاوض مع حاملي السلاح فقط، وهم في دارفور والمنطقتين (النيل الأزرق وجنوب كردفان)، لكن إضافة مسارات ثلاثة أخرى عقّدت العملية برمتها.

وأوضحت موسى أن «الحكومة تفاوضت مع مجموعة من القبائل، ولم تأخذ في الاعتبار التركيبة القبلية المعقدة والمتنوعة في الإقليم الذي يضم ثلاث ولايات سودانية هي: (البحر الأحمر- القضارف- كسلا)، وهنا جاءت المشكلة، حيث إن الاتفاقية أيضاً لم تأخذ في اعتبارها اتفاقية أسمرا التي وقعت عام 2006 بين حكومة الرئيس السابق عمر البشير ومجموعة أخرى من البيجا، التي تقود الحراك الآن».

وتابعت الباحثة في الشأن السوداني «رد المحتجون بغلق المواني والطرق المؤدية للخرطوم، ما تسبب في أزمة اقتصادية خانقة، حيث إن مواني شرق السودان تغطي ما لا يقل عن 70% من صادرات وواردات البلاد».

وأكدت موسى أن أطرافاً استغلت هذه الأوضاع «لتلعب في الظلام»، وأشارت إلى أن جماعة الإخوان أحد تلك الأطراف التي قفزت على الأزمة، لتتحول مطالب المحتجين في بورتسودان «من احتجاجات مطلبية في المقام الأول بسبب التهميش والفقر الذي يعانيه أهل شرق السودان منذ عقود طويلة، إلى ساحة للاستقطاب وتصفية الحسابات والتداخلات الإقليمية والدولية». وتوقعت موسى أن يشهد غداً الخميس انفلاتاً أمنياً كبيراً مع احتدام الأزمة.