الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

«الاجتثاث السياسي».. يهدد بإطالة أمد المرحلة الانتقالية في ليبيا

«الاجتثاث السياسي».. يهدد بإطالة أمد المرحلة الانتقالية في ليبيا

يستعر الجدل في ليبيا حول مدى قانونية أو شرعية ترشح البعض للانتخابات التي سوف تجرى الجولة الأولى منها في 24 ديسمبر المقبل، حيث تم استبعاد سيف الإسلام القذافي من جانب المفوضية العليا للانتخابات، وهو سيناريو يتشابه مع توصية وكيل النيابة في مكتب المدعي العام العسكري محمد غرودة، التي أرسلها إلى رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عماد السايح، يطلب فيها استبعاد المشير خليفة حفتر من الانتخابات، ناهيك عن تشكيك البعض الآخر في حصول رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد دبيبة، على جنسية أخرى، وهو ما يستوجب، وفق حساباتهم، إبعاده عن الانتخابات الرئاسية.

هذا الأمر يطرح سؤالاً جوهرياً: هل استقرار ليبيا يمكن أن يتحقق عبر استبعاد قيادات مثل سيف الإسلام القذافي وحفتر والدبيبة من الانتخابات والحياة السياسية؟ أم أن مبدأ الاستبعاد و«الاجتثاث السياسي» سوف يقود إلى تعميق الانقسام والاستقطاب السياسي، ويزيد من حالة عدم اليقين الأمني والعسكري التي تمر بها ليبيا منذ فبراير 2011؟

الاجتثاث السياسي

رغم أن الانتخابات الرئاسية لم يتبقَّ عليها سوى أقل من 4 أسابيع، إلا أن الصراع الحاد بين الهويات والمشروعات المختلفة لا يزال كما هو، فتنظيم الإخوان في ليبيا يدعم العزل السياسي ويرفض وجود أي شخصيات كان لها دور من قريب أو بعيد على الساحة السياسية قبل 2011، رغم أن الكثير من التجارب العالمية وفي المنطقة العربية أكدت أن التحول السياسي من «المرحلة الانتقالية» إلى المرحلة الدائمة والاستقرار الكامل يحتاج إلى نوع من السمو السياسي والصفح والغفران عن الماضي عند النظر للمستقبل، وهو ما يقود إلى مرحلة جديدة تقف فيها الدولة على مسافة واحدة من الجميع بما يجمع طاقات كل الأطياف السياسية نحو بناء الدولة الجديدة، وهذا السيناريو المثالي نجحت فيه جنوب أفريقيا، فبعد نهاية «سياسة الفصل العنصري» وخروج نيلسون مانديلا من السجن لم ينتقم مانديلا من الذين سجنوه 27 عاماً وسلبوا منه ثلث حياته، وأمام باب سجن فيكتور فيرستر الذي خرج منه عام 1990 تحدث مانديلا عن «المصالحة» وليس عن «الانتقام»، حسب ما نقله مراسل صحيفة وول ستريت، روجر ثورو، الذي كان ينتظر مع الحشود أمام سجن مانديلا، وكان تسامح مانديلا ورفاقه مع كل من أساء له هو الذي ارتقى بجنوب أفريقيا وعزز من النسيج الاجتماعي والسياسي والسلم الأهلي الذي تتمتع به جنوب أفريقيا الآن.

على الجانب الآخر رفض قانون «اجتثاث البعث» الصادر عام 2003، وتجدد العمل به عام 2005 تحت عنوان قانون «الهيئة العليا الوطنية للمساءلة والعدالة»، رفض التسامح والمصالحة مع أنصار النظام السابق طوال العقدين الماضيين، وحتى الانتخابات الأخيرة التي جرت في 10 أكتوبر الماضي بالعراق جرى استبعاد أكثر من 200 مرشح للانتخابات البرلمانية تحت غطاء أنهم ينتمون لحزب البعث العراقي، الذي كان الانتماء له شرطاً للحصول على منحة أو وظيفة قبل 2003، وساهم عدم التسامح السياسي والإصرار على اجتثاث الآخرين في تعميق الطائفية والمحاصصة وعطل الاستفادة من الإمكانات البشرية والاقتصادية الهائلة للعراق، وفق دراسة لمركز كارنيجي.

وتكرر سيناريو عدم التصالح بين الماضي والحاضر بوضوح في دول مثل جورجيا التي لا تزال تعاني الصراع بين الذين يؤيدون نهج التعاون مع روسيا، وبين هؤلاء الذين يريدون القطيعة الكاملة مع الماضي، وبناء علاقات مع الولايات المتحدة والغرب، وأدى هذا الصراع بين هؤلاء وهؤلاء منذ اندلاع «ثورة الورود» عام 2003 إلى عدم الاستقرار السياسي وانسلاخ أراضي عن جورجيا مثل «أوسيتيا الجنوبية»، وهي نفس الأسس التي يقوم عليها الصراع الحالي في أوكرانيا منذ عام 2005 بين من يتشبثون بالماضي، ومن يحاولون عزلهم عن الحياة السياسية.

الإقصاء الشعبي

تحليل الخلفيات السياسية لجميع المرشحين للانتخابات الليبية يقول إنهم ينتميان إلى فريقين رئيسيين، الأول هو الفريق الذي ظهر على الساحة السياسية في فترة ما قبل 17 فبراير 2011 أمثال سيف الإسلام وحفتر وعقيلة صالح، بينما الفريق الثاني معروف بقربه السياسي من توجهات تنظيم الإخوان مثل رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، وهو الفريق الذي فشل أيضاً في تقديم مقاربة سياسية جامعة خلال عقد كامل من الزمن كان عدم الاستقرار وانتشار الإرهاب والهجرة غير الشرعية هي العناوين الوحيدة لتلك المرحلة.

كل هذا يطرح ضرورة العودة للشعب الليبي ليكون هو الحكم والفيصل في اختيار من يشاء، فلا يمكن لأي محكمة محلية كانت أو دولية أن يكون لها سلطة أعلى من سلطة الشعب، فالشعب الليبي هو القادر على عزل وإقصاء أي مرشح من خلال صناديق الانتخابات، ومن يخسر في الانتخابات لا يمكن أن يكون له مبرر لانتهاج العنف، وهو ما يمهد لاستقرار سياسي حقيقي يكون الشعب هو الفاعل الرئيسي في تحديد مساره وليس قوى سياسية متناقضة في الأدوات والأهداف.

4 سيناريوهات

خطورة العزل السياسي أنه يمكن أن يقود إلى 4 سيناريوهات رئيسية، الأول هو «ضعف المشاركة الانتخابية» نتيجة لعدم مشاركة أنصار هؤلاء الرموز السياسية إذا جرى استبعادهم بشكل نهائي، وهو ما سيقود إلى عدم الاعتراف بنتيجة الانتخابات، ويضعف شرعية أي رئيس، وتعود ليبيا من جديد للمربع الأول.

السيناريو الثاني هو «اللجوء للعنف»، وبروفة هذا السيناريو ظهرت عندما أحرق أنصار سيف الإسلام معمر القذافي البطاقات الانتخابية، وهو ما اضطره للخروج ومطالبة أنصاره باستلام البطاقات الانتخابية.

السيناريو الثالث هو «تمديد المرحلة الانتقالية» حال فشل العملية الانتخابية، ومن يراجع السنوات العشر الماضية يتأكد له أن الساحة الليبية كانت تتشكل من «فترات انتقالية متتالية»، وفي بداية كل فترة انتقالية يكون هناك توافق واسع، لكن خلال أيام معدودة ودون أي مقدمات ينقلب الجميع على كل التوافقات، وخير شاهد على هذا السيناريو هو فشل انتخابات عام 2014 رغم أن الجميع في البداية كان متفقاً على ضرورة القبول بنتائجها، فكثير من التجارب تقول إنه في حال مرور دولة بفترة طويلة من الخلافات السياسية تكون نتائج الانتخابات بمثابة إعادة تدوير للقوى السياسية المهيمنة على الفترة الانتقالية، ويتطابق هذا السيناريو بقوة مع الحالة الليبية التي يشكل فيها كل الفاعلين على الساحتين السياسية والعسكرية أبرز المرشحين للانتخابات البرلمانية والرئاسية الليبية.

ويقوم السيناريو الرابع على أنه في حال الرئيس الليبي حتى في حالة انتخابه، سيكون عرضة للتشكيك في شرعيته، وهو سيناريو بدأ بالفعل من الآن، فكثير من المكونات الليبية بما فيها التي تشارك في العملية الانتخابية مثل خالد المشري وعبدالحميد دبيبة يشككون في القانون الانتخابي الذي ستجرى الانتخابات وفقاً له، وذلك إدراكاً من الجميع أن أول رئيس لليبيا منذ الاستقلال سيكون له صلاحيات واسعة، وفق ما جاء من المادة 15 من القانون الذي أصدره مجلس النواب الليبي.