السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

حوارات | «الرؤية» تواجه طرفي الأزمة في السودان: من يربح الشارع

حوارات | «الرؤية» تواجه طرفي الأزمة في السودان: من يربح الشارع

انقسام الشارع السوداني ما بين مؤيد ومعارض للخطوات التصحيحية. ( إيه بي أيه)

لم يكن طموح السودانيين، الذين تظاهروا لعدة أشهر لإسقاط الرئيس السابق عمر البشير، الذي تربع على كرسي الحكم طوال 3 عقود، أن يتعثروا في محطة التحول الديمقراطي، ليقف الشارع السوداني والمجتمع الدولي منقسماً ما بين مؤيد، ومعارض، تجاه ما يشهده الشارع من تظاهرات مستمرة، منذ قرارات 25 أكتوبر الماضي.

البعض يرى أن هذه القرارات ثورة تصحيحية لثورة ديسمبر 2019، التي أطاحت بنظام البشير، لا سيما بعد أن شهدت الفترة التي سبقت قرارات أكتوبر حالة من التوتر بين المكونين المدني والعسكري في مجلس السيادة. فيما يرى آخرون أنها ساهمت في تعميق الأزمة السودانية، ووضعت البلاد أمام حالة من الغضب الشعبي، الذي يهدد بالعودة إلى المربع «صفر»، وذلك رغم إعادة رئيس الوزراء الدكتور عبدالله حمدوك، إلى منصبه، بعد أيام من الإقامة الجبرية.

«الرؤية» وقفت على مسافة واحدة بين المكون العسكري، والحرية والتغيير المعارض، وأجرت مواجهة بين الفريق ركن بحري فتح الرحمن محي الدين، والدكتور وائل فهمي، الخبير الاقتصادي، عضو الحرية والتغيير، للوقوف على حقيقة المشهد السوداني، وأسباب استمرار التوتر، ومستقبل الأوضاع داخل البلاد.

الفريق ركن بحري فتح الرحمن محي الدين:

الأحزاب تفتقد الشعبية وتسعى لـ«مصالحها الضيقة»

  • الانفلات الأمني قبل 25 أكتوبر وضع البلاد على حافة الهاوية والسقوط
  • مجلس السيادة ليس طامعاً في الحكم ويريد تسليم البلاد لسلطة منتخبة
  • قوى سياسية تريد إطالة الفترة الانتقالية حتى تستعد للانتخابات المقبلة
  • «السيادي» يملك تأييداً شعبياً يفوق 85% لتصحيح مسار الثورة

قال الفريق ركن بحري فتح الرحمن محي الدين، الخبير الاستراتيجي السوداني، إن بلاده تشهد انفراجة وتوافقاً بين الكيانات السياسية، بعد القرارات، التي اتخذها الفريق أول عبدالفتاح البرهان، التي وصفها بالتصحيحية، بعدما كانت البلاد على حافة الهاوية، متهماً الأحزاب السياسية بتحقيق مصالحها على حساب أغلبية الشعب. وأوضح المسؤول العسكري السابق، أن مجلس السيادة مهتم بتسليم السلطة لإرادة منتخبة تحمي البلاد، وأن إعادة اختيار الدكتور عبدالله حمدوك رئيساً للوزراء كان قراراً من قبل مجلس السيادة عقب قرارات 25 أكتوبر، ولم يأتِ نتيجة أي ضغوط.

- كيف ترى المشهد السوداني الحالي في ظل استمرار التظاهرات؟

رغم هذه التظاهرات فإن الدولة السودانية تشهد حالة من التوافق بين الكيانات السياسية، خاصة بعد قرارات 25 أكتوبر الماضي، التي تعتبر تصحيحاً لمسار الثورة السودانية، كما تؤيد هذه الكيانات الاتفاق السياسي بين مجلس السيادة وعبدالله حمدوك، وأعتقد أن الأحزاب السياسية الصغيرة هي التي تعارض ذلك الاتفاق، فيما يعاني حزب الأمة من الانقسام داخل قواعده الحزبية، أما حزب البعث والمؤتمر السوداني فإنهما لا يملكان تواجداً أو حضوراً كبيراً لدى الشارع السوداني، أو لدى المواطنين المطالبين بالتغيير. وأؤكد أن السودان الآن يشهد أيضاً انفراجة كبيرة، وتسير الأمور بطريقة سلسلة، والسلطة الانتقالية عملت على تعيين مجلس القضاء، واختيار النائب العام، فيما قام الدكتور حمدوك بتعيين عدد من وكلاء الوزارات، فيما سيقوم بإعلان أسماء الوزراء خلال ديسمبر الجاري، واستكمال الهياكل المؤسسية لدى السلطة التنفيذية من أجل استكمال المرحلة الانتقالية، وصولاً للانتخابات المزمع عقدها في عام 2022- 2023 ووقتها ما تقرره صناديق الاقتراع على الشارع أن يقبله.

- في اعتقادك ما القرارات التي أدت إلى التوتر الراهن؟

مجلس السيادة لم يكن يرغب أن تصل الأمور لما صارت عليه في 25 أكتوبر الماضي، لكن ما قبل هذا التاريخ، بنحو 3 شهور، كان هناك انقسام في الحاضنة السياسية، التي كانت تقوم بتعيين الوزراء من أجل تنفيذ أجندتها الأيديولوجية على حساب أبناء الشعب السوداني، بمختلف انتماءاته السياسية والأيدلوجية والجغرافية. وحاولت القوى السياسية الحزبية المهيمنة على مقاليد الأمور داخل مجلس الوزراء، إقصاء الكيانات السياسية كافة، وعلى الرغم من طلب الدكتور حمدوك نفسه، وطرح 3 مبادرات لرأب الصدع السياسي، وإزالة حالة الاحتقان، التي تمر بها البلاد، إلا أن جميعها باءت بالفشل، وما كان من الممكن أن يحدث تصحيح مسار الثورة في ظل هذه الأوضاع المليئة بالاختلافات، حيث كانت البلاد مهددة أمنياً، واقتصادياً، كما وصلت البلاد لمرحلة الانفلات الأمني، ما وضع البلاد على حافة الهاوية والسقوط.

- لكن هناك تظاهرات مستمرة للتنديد بإجراءات 25 أكتوبر.

أعتقد أن تلك المظاهرات والدعوات للاحتجاجات، يستفيد من ورائها المعارضون وأصحاب الأيديولوجيات، حيث وجدوا ضالتهم في حكومة يهيمنون عليها لتمرير برامجهم الحزبية «جبراً»، على أبناء الشعب كافة، وهذا لم يكن مقبولاً من مجلس السيادة الحاكم، الذي يرأس البلاد، ولا يفرق بين مواطن على حساب آخر، لذا كانت الأحزاب تريد استغلال الوضع السياسي من أجل مصالحها الضيقة على حساب المصلحة العامة للوطن.

- هناك من يرون أن الأحزاب أحد أعمدة الحياة الديمقراطية.. فما ردك على ذلك؟

هناك أحزاب تريد الاستقرار للبلاد، وتتعاون من أجل نهضة الخرطوم وكافة الولايات، لكن هناك من يريد تمديد الفترة الانتقالية، وهذا لم يحدث إلا بوضع العراقيل أمام مجلس السيادة، الذي أكد مراراً وتكراراً، أنه ليس طامعاً في الحكم، وكل ما يريده تسليم البلاد لسلطة منتخبة، تحافظ على مفاصل الدولة، وحمايتها من الانهيار أو المؤامرات، التي تحاك ضدها.

- تتحدث عن رغبة الأحزاب في إطالة أمد الفترة الانتقالية.. فما دليلك على ذلك؟

أؤكد أن الأحزاب السياسية ليست لديها حاضنة شعبية، تمكنها حالياً من الفوز في أي انتخابات مقبلة، وصناديق الاقتراع ستكون شاهدة على ما أقول، والأحزاب من خلال اتفاق جوبا، أرادت إطالة أمد الفترة الانتقالية لما بين 5 إلى 10 سنوات، حتى تتمكن من تجميع قواها لخوض الانتخابات، حتى لا تظهر ضعيفة بالمخالفة لما تدعيه من قوة.

- هل كان قرار عودة حمدوك استجابة للضغوط أم قناعة من مجلس السيادة؟

مجلس السيادة حريص منذ إعلان قرارات 25 أكتوبر الماضي، على أن حمدوك هو الشخص المفضل لدى مجلس السيادة في هذا التوقيت، وهو ما أعلنه البرهان في اليوم التالي 26 أكتوبر، فحمدوك الخيار الأوقع، بسبب قبوله لدى غالبية الدول العظمى والإقليمية والعربية والأفريقية، لما يملكه من خبرات، لكنه كان مكبلاً بالحاضنة السياسية، كما أن مجلس السيادة رحب بالمبادرات الدولية والإقليمية لحل الأزمة، حيث بلورها في مبادرة واحدة انتهت جميعها بعودة حمدوك للمشهد السياسي.

- لكن هناك من يرى أن حمدوك لم ينجح فيما مضى فكيف ينجح في المستقبل؟

أتفق معك في أمور بعينها، أن الدكتور حمدوك، لم ينجح في الماضي بسبب وضع الأحزاب للعراقيل أمامه، فلك أن تتخيل أن الرجل كان في وضع لا يُحسد عليه، ودائم التعرض للضغوط من بعض القوى السياسية، التي تريد تنفيذ أجندتها. لذلك فإنه مع تشكيل مجلس السيادة الجديد، بمكونيه المدني والعسكري، توجد حالة من التناغم لم تكن موجودة، كما أن الحكومة ستضم كوادر وشخصيات تعتمد على الكفاءة والاستقلالية في العمل الحكومي وليس العمل الحزبي، الذي كان سيتسبب في ضياع البلاد، وخلال فترة انتقالية قصيرة لنحو عام ونصف العام تستطيع إخراج البلاد من عنق الزجاجة، الذي وضعتها فيه الأحزاب.

- ألم يكن الأحق بالحكم خلال الفترة الحالية هو المكون المدني كما نصت الوثيقة الدستورية؟

من خلال الوثيقة الدستورية، كان هناك اتفاق على تبادل السلطة بين المكونين المدني والعسكري، على أن تكون بالتناوب، الفترة الأولى للمكون العسكري، والثانية للمدني، لكن اتفاق «جوبا» في 3 أكتوبر عام 2020، كان في منتصف الفترة الانتقالية، التي تؤهل المكون المدني للحكم في يونيو عام 2022، وهو ما وافق عليه المكون المدني. لكن إذا رجعنا للخلف إلى الوثيقة الدستورية، فكان من حق المكون المدني أن يحكم في شهر نوفمبر الماضي، وهناك لجنة ستعمل على تعديل الوثيقة الدستورية الحاكمة للقول الفصل، حتى لا يكون هناك خلاف على الفترة الانتقالية، بين من يحكم ومن لا يحكم. ويجب هنا أن نستذكر جميع ما نص عليه اتفاق «جوبا»، وهو أن يتم تشكيل مجلس السيادة من 14 عضواً، خمسة أعضاء مدنيين، تختارهم قوى إعلان الحرية والتغيير، وخمسة أعضاء يختارهم المكون العسكري، وعضو مدني يتم اختياره بالتوافق بين المكون العسكري، وقوى إعلان الحرية والتغيير، وثلاثة أعضاء تختارهم أطراف العملية السلمية الموقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان، ويجوز للجهات التي قامت بالاختيار حق تعيين واستبدال ممثليهم. -

هل تعتقد أن السودان على طريق التحول الديمقراطي؟

نحن نتحرك ضمن الخطوات الأولى للتحول الديمقراطي، وهناك استعدادات للفترة الانتقالية وإعداد المسرح لإجراء الانتخابات، من خلال تشكيل مفوضية الانتخابات، التي يقع على عاتقها إعداد الجداول الانتخابية، وتوزيع الدوائر الانتخابية، وسن قانون الانتخابات، حتى يتم إجراؤها بشكل ديمقراطي في عام 2023. وأمامنا فترة قصيرة، وعلى الأحزاب والقوى السياسية الاستعداد لهذه التجربة، لكن الأهم أن تقبل بالنتيجة، التي سيتم إعلانها في حضور المجتمع الدولي ومراقبيه.

- ما رأيك في مواقف ورؤى المجتمع الدولي تجاه تلك الأحداث؟

الأوضاع والتوصيفات بالنسبة لما حدث في السودان تغيرت؛ فبينما كان الاتحاد الأوروبي يصف قرارات 25 أكتوبر بأنها «انقلاب»، لم تصفه أمريكا بذلك، وتدريجياً مع إظهار وكشف الحقائق وتوضيح الأمور للبعثات الدبلوماسية، وعودة رئيس الوزراء حمدوك، كل ذلك كان رسالة للعالم، وتم رفع الحظر من قبل الاتحاد الأفريقي، ومن ثم حصلنا على تأييد عربي وأفريقي وإقليمي ودولي، وداخلياً هناك تأييد شعبي بنسبة تفوق 85%.

د. وائل فهمي القيادي بـ«الحرية والتغيير»

مجلس البرهان لن يسلم السلطة للمدنيين

  • اتفاق عودة حمدوك «غير حسن النية».. ونرفض سياسة الأمر الواقع
  • المكون العسكري سعى لتصدير فكرة الصراع للسيطرة على السلطة
  • الضغوط الدولية على الحكومات ليست «مجاناً»
  • الاقتصاد دخل مرحلة «الوحل».. والأزمة السياسية مرشحة للاستمرار

قال عضو اللجنة الاقتصادية بالحرية والتغيير المعارض، الخبير الاقتصادي الدكتور وائل فهمي، إن قرارات 25 أكتوبر الماضي، «انقلاب» واضح المعالم، بحسب تعبيره، بسبب القبض على السياسيين وفرض حالة الطوارئ، مشيراً إلى أن الشعب لن يقبل بعودة حكم الرئيس السابق عمر البشير، الذي حرص على إقصاء واغتيال معارضيه، ولفت إلى أن البلاد في حاجة إلى دستور جديد تتضح من خلاله معالم نظام الحكم، هل هو رئاسي أم برلماني أم مختلط، كما طالب بعودة الجيش لثكناته.

- في تقديرك لماذا لم يخمد اتفاق البرهان وحمدوك فتنة الشارع؟

ما حدث بين البرهان وحمدوك مجرد اتفاق «ثنائي» أكثر منه اتفاق سياسي شعبي، حيث تم إقصاء القوى السياسية، رغم أنها الطرف الأصيل في مستقبل البلاد، وبغض النظر عن القاعدة الشعبية لكل حزب، فإن التوقيع بدون مشاركة القوى السياسية يعتبر غير مقبول شعبياً أو سياسياً. كما أننا نرفض سياسة الأمر الواقع، وإن كان مجلس السيادة قدم مبرراته، لكنه لم يلبِ تطلعات الشعب، ولو كان الاتفاق «حسن النية»، لقام المكون العسكري المتمثل بقيادة البرهان بتسليم السلطة للمكون المدني، فوفقاً لاتفاق الوثيقة الدستورية، كان من المفترض أن يسلم السلطة في 17 نوفمبر الماضي، لكنه استبق الأحداث وألغى الوثيقة بقراراته «الانقلابية» وفرض حالة الطوارئ.

- المكون العسكري يقول إنه لم يمانع تسليم السلطة، خاصة أنه من المقرر أن يكون في 2022 وفقاً لاتفاق «جوبا».

بغض النظر عن أي تاريخ سواء في نوفمبر أو يونيو أو حتى شهر يوليو المقبل، لكنني أرى أن ما فعله مجلس السيادة برئاسة البرهان كان الهدف منه هو الاستمرار في الحكم، وليس وفق ما يدعيه من رغبته في تسليم السلطة للمدنيين، وما فعله مؤخراً من اتفاق أعتقد أنه مجرد «مسكن» للقوى السياسية الداخلية والمجتمع الدولي، وليس من أجل حل الأزمة، التي سيطول أمدها.

- بماذا تفسر عودة الدكتور حمدوك على رأس الحكومة مجدداً؟

عودة حمدوك، إلى منصبه نتيجة لمطلب شعبي داخلي وضغط دولي، فالدعوات الداخلية كانت من قبل لجان المقاومة المتصدرة لقوى الحرية والتغيير، بغرض دحر «الانقلاب»، وتأكيداً للحكم المدني، باعتبار أن حمدوك يمثل الحكم المدني، وليس الأمر متعلقاً بشخصه، لكنهم أرادوا توصيل رسالة عناد ومفادها يجب عودة الشيء لأصله، كما أن عودته جاءت بدعم ومساندة المجتمع الدولي، الذي يرى أنه هو الأفضل في تلك المرحلة الانتقالية.

- لماذا تتمسكون بوصفكم لما حدث في 25 أكتوبر بأنه «انقلاب» رغم توضيح المكون العسكري؟

كل شخص أو جهة ما يفسر الأمر بالصيغة التي تُجمل من صورته أمام الناظرين، فالمجلس العسكري، قام بانقلاب واضح المعالم من إعلان الطوارئ والقبض علي السياسيين وقتل الشباب في المظاهرات، من أجل الاستيلاء على السلطة، وألغى كيان قوى الحرية والتغيير، ولم تعد الوثيقة الدستورية معترفاً بها من قبل المجلس المركزي، الذي وقع الوثيقة مع المكون العسكري، فقام بمصادرة حقوق الآخرين.

- تتهم المكون العسكري بالمسؤولية عن قتل الأبرياء رغم تبرئة الشرطة نفسها.. فما تفسيرك لذلك؟

مجلس السيادة يقول إنه لا يعرف من قتل الشباب المتظاهرين، وبيان الشرطة كذلك، وأوحوا بأن هناك طرفاً ثالثاً، وكأن هؤلاء بريئون من دماء عشرات الضحايا، التي وقعت بعد 25 أكتوبر، لذلك قام المحتجون بإغلاق الشوارع بالمتاريس، وإذا كان هناك طرف ثالث كما يدعون، فعليهم القبض على المتورطين بقتل الشباب، ونريد التعرف على القتلة، ويجب ألا يظل الوضع مبهماً، وعلى كل الأحوال فالمسؤولية تقع على مجلس السيادة فهو المسؤول عن أمن أو قتل المتظاهرين.

- الفريق البرهان ألمح بأن هناك بعثات دبلوماسية متورطة في التحريض على التظاهر.. هل تتفق معه؟

ما قاله الفريق البرهان بأن هناك دبلوماسيين يحرضون الشعب على الجيش، فيه جزء من الصواب، الخرطوم مليئة بالمخابرات الأجنبية العديدة، ولا نستبعد مصداقية كلامه، وكونه لم يسمِ تلك البعثات من أجل الحفاظ على العلاقة مع الدول، فهو بعث برسالة إنذار، خاصة أن السودان قد لا يتحمل سحب الدبلوماسيين، فالسودان أصبح «ساحة لاستخبارات العالم»، وهناك سيولة أمنية بعض الشيء، والانفتاح العالمي واسع على السودان، وبعد تدخلات صندوق النقد الدولي ورفع اسم السودان من قوائم الإرهاب، كانت هناك تدخلات تحت مبررات حقوق الإنسان، المؤسسات الدولية تراقب مدى أمان الاستثمارات في قطاعات البترول والذهب والزراعة، كما أن الأطماع الدولية سمحت بالتدخل في شؤون السودان وتحاول تركيعه، فضلاً عن أن الضغوط الدولية على الحكومة ليست «مجاناً»، وهو ما تعودنا عليه من الغرب، الذي يحاول توجيه رسائل خاصة من الأمم المتحدة إلى لجان المقاومة وقوى الحرية والتغيير بقبول اتفاق حمدوك مع البرهان، وهي إشارة سيئة، وكأن السودانيين يعملون في شركة دولية.

- الفريق البرهان اعتبر قراراته تصحيحاً للثورة.. فلماذا تعارضونها؟

أنا أختلف مع ذلك، وأتساءل عن أي تصحيح يتحدث؟ الثورة تسير في مسارها الطبيعي بسرعاتها ومتناقضاتها، والديمقراطية التي نعرفها تحمل الرأي والرأي الآخر، والبرهان وحمدوك نفذا قرارات ومسارات لم تعترض مسارها الثورة، رغم إتمامها في غياب البرلمان، الذي يعطيه الموافقة أو الرفض، لكن الشعب رضخ لتك القرارات، وهذا يعني أن البرهان كان يسير في طريقه ولم يقف أحد ضده.

- في اعتقادك ما أسباب الصراع بين المكون المدني والعسكري؟

لم يكن هناك خلاف واضح بين المكونين، فحديث البرهان أن الأحزاب تتصارع على الكرسي، هذا مردود عليه، لأن المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير يرشح 3 أشخاص للاختيار بينهم، في المناصب، وبالتالي لا يوجد صراع، بل هناك توافق من الأحزاب، لكنه هو من كان يصدر الصراع للسيطرة على السلطة.

- من وجهة نظرك.. كيف يمكن إنهاء الأزمة في ظل تمسك كل طرف بموقفه؟

نحن لم نضع شروطاً مجحفة، وما نسعى إليه هو التحول الديمقراطي، الذي لن يأتي إلا بحكومات مدنية، كما أننا لن نقبل فرض الأمر الواقع، والمظاهرات مستمرة، وما يؤكد ما نقوله أن حمدوك عاجز عن تشكيل الحكومة، ومجلس البرهان يرفض كل ما يقوله الشعب، ويريد من يتفق مع رؤياه.. فالبلاد تحتاج إلى دستور وبرلمان جديدين، ونظام سياسي ديمقراطي، والتأكيد على طبيعة الحكم؛ رئاسي أو برلماني أو مختلط، وأن يعود الجيش لثكناته.

- لكن كيف ستتم الوحدة في المواقف والأحزاب منقسمة؟

أولاً لجان المقاومة جسم فطري، نشأ في ظروف ليست لها علاقة بالأحزاب أو المجلس المركزي للحرية والتغيير، ورغم الخلافات والانقسامات بين الأحزاب، أو فيما بينها، أعتقد أن المصائب تجمع الناس من جديد، خاصة أن الجميع ضد إقصاء للأحزاب في الانتخابات أو الحياة الديمقراطية.

- ما ردك على اتهام المكون العسكري للأحزاب بأنها ليست لها شعبية في الشارع؟

هذا غير صحيح تماماً، فهناك أحزاب لها شرعية ولها تواجد كبير في الشارع، فعلى سبيل المثال حزب الأمة من الأحزاب الكبيرة، وله حضور في كل الأزمنة، ولو كان ضعيفاً لكان انكمش وتم حله، بالإضافة إلى الأحزاب القديمة الاتحادي، والشيوعي، وما يقوله المكون العسكري هو محاولة لتشويه الأحزاب، والتقليل منها، فهذه الأحزاب حاربها نظام البشير، والذي حارب أيضاً اتحادات الطلاب في الجامعات، لكن الشباب الآن مدركون أنه لا ديمقراطية بلا أحزاب أو قوى سياسية.

- تدعون لاستمرار التظاهرات رغم تداعياتها السلبية على الاقتصاد.. ما ردك على ذلك؟

السودان مشكلته في الموازنة العامة، حيث إن من قام بتأسيسها جعلها مرهونة بالاعتماد على الخارج، لذلك فهي تعاني من عجز دائم، وتحت الضغط يكون هناك تضخم بسبب طباعة الأموال، فهي تعتمد على المنح والاستثمارات الأجنبية، التي تبخرت نتيجة القرارات، وهو ما أكده وزير المالية السابق الدكتور جبريل إبراهيم، بأن البرهان تسبب في خسائر تقدر بحوالي 650 مليون دولار، بسبب وقف المساعدات الدولية، فالاستثمارات تهرب مع عدم الاستقرار السياسي والأمني، وللأسف ليس متوقعاً أن يحدث استقرار أو انفراجة سريعة، وهذا متوقف على صدق النوايا والتحول الديمقراطي.

- هل تؤيد ما يطرحه البعض بأن الاقتصاد السوداني على حافة الهاوية؟

الاقتصاد في عهد البشير كان يعيش مرحلة الانهيار، ومعنى ذلك عندما يكون هناك مستوى جيد من النشاط، فالثورة بالفعل تسلمت اقتصاداً منهاراً، والآن ورغم الغلاء الفاحش، فإن هناك إنتاجاً لكنه ليس بالمستوى المطلوب، وإذا كان هناك من قال العام الماضي إن السودان سيعاني من المجاعة، فأبلغ رد هو أن الموسم الحالي يشهد إنتاجاً كبيراً ووفرة للتصدير، فالاقتصاد حالياً في تحسن بطيء وهو ما يجعله غير ملموس، لكننا لا نزال في مرحلة «الوحل» ولم نتقدم لليابسة. الانفلات الأمني قبل 25 أكتوبر وضع البلاد على حافة «الهاوية والسقوط» مجلس السيادة ليس طامعاً في الحكم ويريد تسليم البلاد لسلطة منتخبة والقوى السياسية تريد إطالة الفترة الانتقالية حتى تستعد للانتخابات.