الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

خاص | «الاقتراض الدولي».. خطة ثلاثية لزيادة النمو في الدول العربية

خاص | «الاقتراض الدولي».. خطة ثلاثية لزيادة النمو في الدول العربية
  • محمد القحطاني: الجامعة العربية لا تعطي الجانب الاقتصادي أيّ اهتمام
  • كميل الساري: ضرورة إعادة هيكلة الاقتصادات العربية وتوجهها نحو الإنتاج
  • توحيد أوجه العمل العربي بما يزيد من فرص التشغيل
  • عبدالرحمن باعشن: القروض خلقت نسيج سياسي «أناني»

في وقت فرضت فيه جائحة كورونا مزيداً من الضغوط الاقتصادية على الدول العربية، ما أثر على معدلات النمو، وبالتبعية على ارتفاع منسوب البطالة، الأمر الذي استوجب ضرورة إيجاد حلول للخروج من الأزمة الاقتصادية، والعودة تدريجياً إلى مستوى مقبول من النمو، اضطرت العديد من الدول العربية للاقتراض من المؤسسات الدولية، فيما ذهبت أخرى إلى طرح سندات دولية، وما بين الجمع بين عدة أدوات أو الاكتفاء بأحدهما، استطاعت بعض الدول أن تحقق تعافياً نسبياً، الأمر الذي أكدته المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، في معرض تصريحاتها خلال منتدى المالية العامة للدول العربية. وأشارت غورغييفا إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي والمغرب على وجه الخصوص استطاعت تعظيم الاستفادة من الحيز المالي عقب اتباع سياسات أكثر مرونة، لافتة إلى أنه رغم ذلك التحسن لم تنعكس معدلات النمو على معدلات البطالة بشكل قوي.

إقراض عربي

يقول الأكاديمي والخبير الاقتصادي، الدكتور محمد بن دليم القحطاني، إن العالم العربي لم يستفد من الاقتراض سواء على المستوى الفني أو الإداري أو المالي، رغم الوفرة المالية لدى المؤسسات الدولية، وأرجع تردد المؤسسات في إقراض بعض الدول إلى التخوف من تخلف البعض عن سداد القروض في توقيتاتها، بما يجعلها تواجه المجهول، منوهاً بأن تلك النظرة تحرم الدول العربية من الاستفادة من قروض طويلة المدى، نظراً لأن فترة السداد تمتد إلى 15 عاماً.

سياسات اقتصادية

وأشار إلى أن الدول العربية لا تمتلك رؤية واضحة لسياساتها الاقتصادية إلا نادراً، مشدداً على ضرورة توافر رؤى اقتصادية وفق أسس دقيقة تضمن الوفاء بالقروض، لا سيما أن المؤسسات الدولية لا تقرض من لا يملك إمكانية السداد، موضحاً أن الدول العربية تقسم إلى 3 فئات فيما يخص قدرتها على الاقتراض؛ الفئة الأولى، دول لديها مقومات اقتصادية تشجع البنوك على إقراضها. والفئة الثانية هي دول في طور الاستكشاف والنمو الاقتصادي والتي تستطيع أن تحصل على 50% ‪ من حاجتها للقروض، والفئة الأخيرة تتمثل في دول تقبع بها النزاعات والحروب والأيديولوجيات والطائفية، لذا لا يمكن أن تحصل على ثقة الجهات المقرضة.

ولفت إلى ضرورة استفادة الدول العربية من بعضها البعض عبر إقامة مظلة عربية اقتصادية يكون لها أذرع اقتصادية داخل كافة الدول العربية، بما يضمن ثقل الدول العربية لدى كافة المؤسسات الدولية باعتبارها ضامنة بعضها البعض، منوهاً بأن الجامعة العربية لا تعطي الجانب الاقتصادي أي اهتمام.

خطة ثلاثية

وفيما يخص رفع معدلات النمو داخل الدول العربية، أوضح القحطاني أنه لا بد من وضع خطة من 3 مستويات، قصيرة المدى، تتمثل في تشجيع المبادرات الشبابية ودعمها، خاصة المشروعات الصغيرة ومتوسطة الصغر، بما يضمن مردوداً سريعاً يستوعب ملايين الوظائف.

وتتمثل الخطة متوسطة المدى في الاهتمام بالتنمية البشرية والاستثمار بالمؤسسات التعليمية، منوهاً بضرورة استحداث مجالات جديدة في الجامعات بما يضمن إنتاج خريجين متسلحين بكافة المعرفة اللازمة وفق الاقتصاد الحديث، مع مراعاة أن تكون تلك المجالات متوافقة مع الميزة النسبية للدول العربية، بمعنى أن كل دولة عربية لديها ثروات طبيعية تحتاج لاستثمارها مثل الطاقة الشمسية في السعودية، والثروة السمكية في المغرب وخلافه، لذا فإن الاهتمام بأسس تعليمية تخدم الاقتصاد التمييزي لكل دولة يضمن نجاحها على المدى المتوسط.

الخطة الأخيرة طويلة المدى تتمثل في اجتذاب استثمارات أجنبية طويلة المدي لإقامة مشاريع عملاقة عبر إعطائها ميزات نسبية من تسهيلات في التصدير والاستيراد، أو توافر العمالة وخلافه.

انخفاض التصنيف

وأكد نائب المؤسسة المصرية العملية للتدريب، وأستاذ التمويل والاستثمار، دكتور مصطفى بدرة، أن ما مُني به الوطن العربي من جراء «مؤامرة الربيع العربي»، هز اقتصاد كافة الدول العربية، نتيجة فقدان الثقة في أوجه الاقتصاديات، لافتاً إلى أن تصنيف الوطن العربي من قبل المؤسسات الدولية انخفض بعد عام 2011، خاصة بعد تهاوي أسعار النفط، وزيادة الاحتجاجات الشعبية داخل بعض الدول العربية.

ونوه بأن البديل للاقتراض من المؤسسات الدولية، هو طرح سندات في الأسواق العالمية، الأمر الذي تفضّله بعض الدول العربية، لأنه لا يتطلب شروطا محددة للاقتراض، عكس مؤسسات التمويل الدولية مثل البنك الدولي وخلافه، لافتاً إلى أن كل أدوات الاقتراض لديها مميزات وعيوب، لذا تختار كل دولة وسيلة الاقتراض التي تتناسب مع سياستها.

توحيد العمل العربي

وشدد بدرة على ضرورة توحيد أوجه العمل العربي بما يزيد من فرص التشغيل، خاصة أن اتحاد الدول العربية لإيجاد فرص استثمارية وفق أسس تمكين اقتصادي، يعظم من فرص الابتعاد عن مؤسسات التمويل الدولية، لافتاً إلى أن تعزيز الاستثمار العربي المشترك يرفع من قدرته التنموية، الأمر الذي ينعكس بصورة مباشرة على انخفاض معدلات البطالة.

وأكد بدرة أن صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ملك للعالم أجمع، إذ تشارك كل دول العالم بنسب متفاوتة داخله، منوهاً بأن المؤسسات الدولية تتخذ إجراءات لضمان رد الأموال المقترضة لأي من دول العالم عبر الاطلاع على الموازنات والموارد المالية وتقييم المصروفات، لافتاً إلى أن توجهاتها قد تختلف من دولة إلى أخرى.

وضرب مثالاً بالولايات المتحدة الأمريكية التي تعد أكبر مساهم داخل البنك ولديها ‪ من مجمل التصويت داخل مجلس الإدارة ما يضمن قدرتها على توجيه نهج الصندوق، لذا فإن توجهاتها السياسية أو الاقتصادية تنعكس بشكل أو بآخر على قرارات البنك، مدللاً على ذلك برفض البنك إقراض مصر 3 مليارات دولار في عهد رئيس الوزراء الأسبق، كمال الجنزوري، رغم موافقتها حالياً على قرض وصل إلى 12 مليار دولار، مرجعاً ذلك لسياسات الإصلاح الاقتصادي والاستقرار وتحرير سعر الصرف، لافتاً إلى أن الدول يتم تقييم وضعها بصورة متكاملة بما يمكن الجهات الدائنة من ضمان عودة أموالها وفوائد تلك الأموال.

مشاكل هيكلية

وأكد أستاذ الاقتصاد والسياسة الدولية بجامعة سوربون، كميل الساري، أن المشاكل الهيكلية التي عرفتها الدول العربية ساهمت في تراجع النمو الاقتصادي، مستثنياً الدول المنتجة والمصدرة للنفط، لافتاً إلى أن الدول غير النفطية لم تستطع وضع أسس اقتصادية نتيجة لسوء الحوكمة والفساد، ما أدى إلى ارتفاع المديونيات.

وتابع: «أرقام النمو الاقتصادي المعلنة غير مكتملة، لا سيما بالنظر إلى أن نسب ضئيلة جداً من النمو في بعض الدول الأوروبية تحقق عائدات ضريبية بالمليارات، الأمر الذي ينعكس على العمالة والتوازن في الميزانية».

وأشار إلى أن بعض الدول النفطية واجهت أزمات جراء انخفاض أسعار المحروقات، مثل الجزائر التي تعتمد صادراتها على المحروقات حيث تمثل 98% ‪من الصادرات الجزائرية، وهو ما أضعف قدرتها على مواجهة الانخفاض في أسعار البترول، وبالتالي لجأت للاقتراض من صندوق النقد الدولي، لافتاً إلى أن صندوق النقد إحدى مهامه إنقاذ الدول من الإفلاس، شريطة ضمان استرداد الأموال المقترضة، لذا يفرض سياسات اقتصادية تقشفية

وشدد الساري على أن الحلول لا تتوافر جميعها لدى صندوق النقد الدولي، مؤكداً ضرورة إعادة هيكلة الاقتصادات العربية وتوجهها نحو الانتاج، بدلاً من الاستهلاك، لافتاً إلى أن أكبر قوتين اقتصاديتين- أمريكا والصين- لا يمكن أن تضاهيهما الدول الأوروبية منفردة، عكس اجتماع تلك الدول تحت مظلة الاتحاد الأوروبي.

تكتل اقتصادي

ودعا إلى ضرورة وجود تكتل اقتصادي عربي شريطة أن يحافظ كافة أعضائه على الانضباط والعقلانية وتجاوز الصراعات التي ليس لها محل من الإعراب، بما يوفر غطاءً تفاوضياً للدول العربية أمام القوى العظمى، مقترحاً استحداث عملة عربية ليست للاستخدام المحلي ولكن للاستخدام العربي - العربي بدلاً من اللجوء للتعامل بالدولار واليورو بين الدول العربية، لافتاً إلى أن تحقيق هذا الأمر يتطلب إنشاء صندوق نقد عربي بكافة الصلاحيات والالتزامات لتسديد الديون.

تجارب غير آمنة

من جانبه قال الدكتور عبدالرحمن باعشن، رئيس مركز الشروق للدراسات والاستشارات السعودي، إن تقييم التجربة العربية للاقتراض يتطلب استعراض نماذج من بعض الدول العربية، التي وقعت ضحية للاقتراض من المؤسسات المالية، معتبراً التجربة العربية في الاقتراض لا تتجاوز كونها تجارب في مجملها، غير مستأمنة العواقب.

واستعرض «باعشن» بعض نماذج لدول عربية لايزال يتعرض اقتصادها لهزات كبيرة لم تخرجها من النفق المظلم، مثل مصر ولبنان وسوريا والعراق والسودان وغيرهم من الدول العربية الاخري، منوهاً بأن تلك الدول تشترك في عامل التعثر في سداد المديونية لأسباب منها تراكم سعر الفائدة وانخفاض العملة المحلية للدولة ذات الصلة بالأمر، لاسيما وأن الديون في لبنان وصلت إلي 89 مليار دولار خلال العام الحالي، فيما كانت تمثل 7 مليار فحسب في عام 1993، منوهاً بأن تضاعف الديون جاء نتيجة الزيادة في سعر الفائدة الذي يتضاعف من فترة لأخري نتيجة التعثر في السداد، لافتاً إلي الفكرة لا تقتصر على القروض فحسب، بل تمتد إلي القرارات السياسية قلما توصفها، خاصة وأن الصناديق المقرضة قامت بتوجيه حزم من الإصلاحات أدت إلي سياسات تقشفية يعاني منها المواطن أكثر من غيره، ما ينعكس علي حياته المعيشية.

الخروج من النفق المظلم

وأضاف أن الديون تتوارث عبر الأجيال، وكلما زاد التعثر تتضاعف الديون، لافتاً إلي أن القروض خلقت نسيج سياسي أناني همه الاستثمار في تلك القروض وتوظيفها في إطار المنفعة الذاتية، الأمر الذي خلق سياسيين جشعين يسعون لاستثمار تلك القروض في صفقات فاشلة، منوهاً بأن الأجيال المقبلة هي من ستواجه مشكلة السداد المعقدة، التي ربما تقود إلي مقايضتها بحلول سياسية تسبب نكبة المنطقة العربية ككل، الأمر الذي تكرر في مصر واستدعي تدخل الدول الأوروبية المقرضة في السياسة الداخلية ووضع اليد على قناة السويس والسيطرة على إدارة المصالح الأوروبية في مصر من خلال الجيوش الأوروبية، الأمر الذي لم تنجو منه السودان إذ وصلت حجم ديونها 64 مليار دولار.

وحول الحلول والخروج من النفق المظلم، أكد «باعشن» أن لابد من دعم الصناديق العربية المتمثلة في؛ جامعة الدول العربية، مجلس التعاون الخليجي، المصرف العربي للإنماء ،البنك الإسلامي، والمصارف الإسلامية الاخري، عبر ضخ أموال دول مجلس التعاون الخليجي داخل تلك المصارف العربية للاستفادة في توظيفها للدول العربية الأعضاء والدخول في استثمارات طويلة الأجل من أجل دعم اقتصاديات تلك الدول في المستقبل القريب والبعيد، لافتاً إلي أن ذلك من شأنه تحرر تلك الدول من التبعية والخروج من عنق الزجاجة، لاسيما كونه يعد خروجاً عن القرارات السياسية للدول المانحة ما يشكل تحرر من القرارت المجحفة، معرباً عن أمله في أن يري صندوق النقد العربي النور قريباً على غرار صندق النقد الدولي، مؤكداً أنه حلم يراود أصحاب القرار والعديد من الاقتصاديين.