الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

تقدير موقف | المجتمع الدولي جزء من الأزمة «لا الحل» في اليمن

تقدير موقف | المجتمع الدولي جزء من الأزمة «لا الحل» في اليمن

طائرات مسيرة وهمية أقامها الحوثيون في ساحة في صنعاء 17 يناير 2022. ( إيه بي أيه)

شكَّل عدم الحسم و المواقف الرمادية و أنصاف الحقائق من جانب المجتمع الدولي، سواء في المؤسسات والقرارات الأممية، أو من جانب الدول الكبرى رسالة خاطئة للميليشيات والجماعات الإرهابية، وفي المقدمة منها ميليشيات الحوثي، التي استغلت هذه المواقف في ممارسة المزيد من الأعمال الإرهابية دون أي عقاب.

التوصيف الدقيق لدور وسلوك المجتمع الدولي في جميع الأزمات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط سواء في سوريا أو ليبيا أو اليمن، أنه كان دوراً سلبياً، وكان جزءا من المشكلة وليس جزء من الحل، والشاهد على هذا الأمر أن تلك المواقف غير الواضحة من المجتمع الدولي ساهمت في إطالة زمن وأمد الصراعات والخلافات.

مشكلة الحوثي في اليمن قاربت على العقدين، والصراعات في سوريا وليبيا تستمر منذ 10 سنوات، وسلوك المجتمع الدولي لم يتغير من خلال الدفاع عن هذه الميليشيات والمجموعات الإرهابية بذرائع مختلفة، لكن النتيجة كانت دائما واحدة، وهي استمرار النزاعات واستنزاف مقدرات الشعوب ،وإضعاف مؤسسات الدولة الوطنية، وانتقال تلك الدول من الحالة السيئة الى الأسوأ، فكيف ساهم المجتمع الدولي في إشاعة الفوضى والتخريب بدلاً من القيام بدوره الطبيعي في تعزيز الأمن والسلام والاستقرار؟ وإلى أي مدى كانت المواقف الدولية هي المعرقل الحقيقي والعقبة الكبيرة أمام حسم وإنهاء تلك الصراعات والخلافات؟ وهل يمكن القول أن ما تعيشه المنطقة من حالة عدم الاستقرار التي تعمقت منذ 2011 كانت نتيجة ليس فقط لانتشار الجماعات الإرهابية بل أيضا بسبب المواقف المتخاذلة للمجتمع الدولي؟


تناقض المجتمع الدولي


استغلت ميليشيات الحوثي التناقض والتباين في مواقف المجتمع الدولي، ولعل خير دليل على ذلك التناقض في تطبيق القرار 2216 الصادر من مجلس الأمن في 14 أبريل عام 2015 وفق البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ويشمل مطالبة الحوثيين بالانسحاب من المؤسسات الحكومية وتسليم السلاح الثقيل للدولة، لكن الأهم أنه حظر توريد الأسلحة والعتاد ووسائل النقل العسكرية للحوثيين، وفق نص القرار الصادر عن الجلسة رقم 2216 لمجلس الأمن.

والسؤال اليوم ماذا فعل المجتمع الدولي لتطبيق هذا القرار ومنع وصول السلاح للحوثيين؟ الوقائع على الأرض تقول إن الحوثي ما يزال يحصل على صواريخ كروز و بالستية وطائرات مسيرة دون أي تحرك من المجتمع الدولي لوقف تصدير وتهريب السلاح للحوثيين، رغم أن القرار 2216 استند للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والذي يفرض على جميع الدول أعلى درجة من الإلزام والالتزام بتنفيذ القرار، وتصل درجة الالتزام بتطبيق القرارات التي تستند للفصل السابع إلى تشكيل مجلس الأمن تحالف عسكري من أجل تنفيذ هذه القرارات الملزمة، وفق نص المادة 42 من الفصل السابع التي تقول "إذا رأى مجلس الأمن أن التدابير المنصوص عليها في المادة 41 ( العقوبات الاقتصادية) لا تفي بالغرض أو ثبت، جاز له أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدولي أو لإعادته إلى نصابه"، وهو ما يؤكد أن القرارات التي تصدر بموجب الفصل السابع لا تصدر إلا في الأعمال التي تهدد الأمن والسلم الدولي.

منع سحق الحوثيين

السؤال الذي طرحة الكثيرون منذ 26 مارس عام 2015 موعد بدء عاصفة الحزم وحتى اليوم هو: لماذا لم يتم سحق الحوثيين من جانب قوات الشعب اليمني المدعوم بشكل كامل من التحالف العربي، خاصة أن فارق القدرات والامكانيات كبير جداً لصالح القوات اليمنية؟

الإجابة ببساطة هي المجتمع الدولي والوسطاء الأمميون، لأن التحالف العربي نجح في تحرير مساحات شاسعة من اليمن ودخل صنعاء ووصل لمديرية "نهم" التي تبعد فقط 16 كلم عن قلب صنعاء، لكن المجتمع الدولي منع التحالف من تحرير صنعاء وإنهاء الحرب، ففي 6 فبراير 2016 سيطر الجيش اليمني بإسناد من التحالف العربي على جبل قرود بالكامل وعلى أجزاء من جبل الملح شرق صنعاء، وهذا معناه شيء واحد أن الطريق إلى صنعاء كان مفتوحاً، لكن لماذا لم يستكمل الجيش اليمني طريقة نحو العاصمة و طرد الحوثيين وإنهاء الحرب وعودة الاستقرار؟ لأن الوسيط الأممي وبعض الدول في مجلس الأمن ودول أوربية صاحت بأعلى صوتها بأن معركة صنعاء قد تؤدي إلى عدد كبير من الضحايا، وتحت هذه الذريعة والضغط الشديد على التحالف العربي والجيش اليمني توقف الزحف على صنعاء، بل تحولت صنعاء بما فيها المطار والمنشآت المدنية إلى مخازن للسلاح والصواريخ والطائرات المسيرة، والسبب أن هناك فيتو أممي ودولي تقف وراءه مصالح كثيرة لا يريد إنهاء الحرب ولا يقبل بانتهاء مأساة الشعب اليمني.

نفس السيناريو حدث وتكرر عندما حققت القوات اليمنية ومن يدعمها نجاحات عسكرية مذهلة في الساحل الغربي، ووصلت بالفعل إلى ميناء الحديدة وسيطرت على مطار المدينة، وكانت تحتاج فقط إلى ساعات وليس أيام للسيطرة على الميناء الذي تجري من خلاله 80 % من عمليات التهريب، لكن كالعادة تدخلت الأمم المتحدة والأصوات الدولية التي تدعي إيمانها بالجوانب الإنسانية لتضغط من جديد على التحالف العربي لوقف تحرير ميناء الحديدة، ليتحول بعد ذلك الميناء إلى قبلة الحياة للحوثيين، وهو اليوم أهم منفذ يعتمد عليه الحوثيون في الحصول على السلاح والذخيرة بما فيها الصواريخ والطائرات المسيرة، كما ينظر إلى بعثة المراقبين الدولية التي عملت في ميناء الحديدة وفق اتفاق استوكهولم عام 2018، على أنها ساعدت بقصد أو بدون في تأمين وصول الامدادات للحوثيين تحت ذريعة وصول المواد الإنسانية.

سرقة المعونات

دائما ما يتساءل البعض لماذا لا تصل الكثير من أموال الدعم السعودية والإماراتية والدولية التي ترسل للأمم المتحدة إلى الشعب اليمني؟ الإجابة عند المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي، ديفيد بيسلي، الذي أعلن وبوضوح في يناير 2019 أن الحوثيين يسرقون موادا غذائية وإنسانية بمليارات الدولارات، ويقومون ببيعها لصالح المجهود الحربي للميليشيات، وإن في عام 2018 سرق الحوثي مساعدات إنسانية بنحو 4 مليارات دولار. وفق تصريحات بيسلي. فماذا فعلت الأمم المتحدة حيال هذا الأمر الذي تكرر في ملفات أخرى منها استغلال الحوثي لطائرات الإغاثة ونقل السلاح والذخيرة في سيارات تابعة لمؤسسات دولية أو حقوقية؟

مواقف رمادية

الحقيقة التي لا تريد مؤسسات المجتمع الدولي الإقرار بها أن الحوثي ميليشيات لا تعرف السلام والاستقرار، وأن بقاءه واستمرار مشروعه مرتبط باستمرار الحرب، ولهذا فشلت جميع المفاوضات التي جرت بين الحكومة اليمنية والحوثي في الكويت وجنيف واستوكهولم وغيرها، ورغم طرح أفكار من التحالف الدولي منها اقتراح التحالف العربي وقف الحرب من جانب واحد عدة مرات، إلا أن الحوثي لم يلتزم بأي اتفاق سياسي أو حتى هدنه إنسانية طوال السنوات السابقة، ورغم كل ذلك لم تسمي الأمم المتحدة أو أي مؤسسة دولية الأشياء بمسمياتها، ولم تحمل الحوثي مسئولية فشل المفاوضات رغم أن دعوات السلام تأتي دائماً من التحالف العربي، بينما الرد يأتي من الحوثي دائما بالبندقية والرصاص ونشر الألغام البرية والبحرية، ومؤخراً كان الرد باستهداف المنشآت المدنية في دول الجوار، فلماذا لا يتم تحميل الحوثي وحده مسؤولية ما يحدث في اليمن منذ 2004 وحتى الآن؟