الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

تقدير موقف | 3 سيناريوهات للحرب الأوكرانية - الروسية

تقدير موقف | 3 سيناريوهات للحرب الأوكرانية - الروسية

منذ شهر ديسمبر الماضي، هناك تطابق في تقييمات أجهزة المخابرات الأمريكية حول وضع روسيا للبروفة الأخيرة على سيناريو بدء الحرب في إقليم دونباس، جنوب شرق أوكرانيا، الذي يضم نحو 400 ألف أوكراني من الناطقين بالروسية، لكن تصريحات البيت الأبيض التي حدد فيها بالضبط تاريخ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا من منتصف يناير الجاري وحتى منتصف فبراير المقبل، جعلت الجميع يتأكد أن المفاوضات التي جرت على 3 مسارات بين روسيا والولايات المتحدة في جنيف وفيينا وبروكسل خلال هذا الشهر، فشلت في نزع فتيل الأزمة على الحدود الأوكرانية الروسية.

ورغم نفي الكرملين والمسؤولين الروس للرواية الأمريكية، إلا أن ما نقلته شبكة «سي إن إن» عن مسؤول أمريكي شرح من خلاله محاكاة سيناريو اندلاع الحرب من خلال استفزاز مصطنع للمجموعات الموالية لروسيا في دونباس، بما يوفر الذريعة لتدخل روسيا لحماية الناطقين بالروسية في دونباس، وفق ما نقلت «سي إن إن» التي أجرت حواراً مع المتحدث باسم الكرملين أقر فيه بالتوتر الشديد على الحدود الأوكرانية الروسية، مشيرا إلى أن الوضع «خطير جداً»، لكنه وصف خطة غزو روسيا لأوكرانيا التي تروج لها الولايات المتحدة بأنها تفتقر للدليل، وأن موسكو ما زالت تنتظر هذه الأدلة والإثباتات، وفق مقتطفات من المقابلة نقلتها صحيفة «ذا هيل» الأمريكية قال فيها بيسكوف «نحن نعيش في عالم يعج بالاتهامات الكاذبة والأخبار المزيفة، في عالم الدجل، وسنبقى نفترض أنها أخبار كاذبة، ما لم يتم إثبات ذلك».

لكن الحشد العسكري الروسي وإرسال حلف الناتو والولايات المتحدة الأسلحة إلى أوكرانيا، وظهور الأسلحة الغربية في ساحة دونباس خلال الأيام الأخيرة، وفق الخارجية الروسية، بالإضافة إلى إتهام أوكرانيا لروسيا بالوقوف وراء الهجوم السيبراني الأخير، ورسالة التخويف للأوكرانيين، ناهيك عن فشل الدبلوماسية حتى الآن، كل هذا يجعل احتمال تحول التوتر الشديد إلى صراع ساخن أكثر من أي وقت مضى، فما هي سيناريوهات هذه الحرب؟ وما هي خيارات الدول العربية للتعامل معها؟

الضمانات الأمنية

رغم القمتين والاتصالات المكثفة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، ونظيره الأمريكي جو بايدن، وإجراء 3 جولات من الحوار هذا الشهر، الأولى بين موسكو وواشنطن في جنيف، والثانية بين موسكو وحلف الناتو في بروكسل، والثالثة بين موسكو ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبية في فيينا، إلا أن الطرفين فشلا في حل الخلافات، خاصة تلك التي تتعلق «بالضمانات الأمنية» التي تريدها روسيا من الولايات المتحدة والناتو، وأعلنت عنها يوم 17 ديسمبر الماضي.

و تدعو الضمانات الأمنية إلى تعهد الولايات المتحدة بمنع توسع الناتو شرقا قرب الأراضي الروسية، وعدم انضمام دول من الجمهوريات السابقة للاتحاد السوفيتي إلى الحلف، وعدم إنشاء قواعد عسكرية في الجمهوريات السوفيتية السابقة غير المنتمية إلى الناتو، وأن يمتنع الطرفان عن تحليق القاذفات الثقيلة المخصصة لنقل أسلحة نووية وغير نووية، ويمتنعان عن نشر سفن حربية سطحية من أي أنواع في المناطق خارج مجالهما الجوي ومياههما الإقليمية، والتي من شأن هذه الطائرات والسفن ضرب أهداف في أراضي الطرف الآخر، وأن يتعهد الطرفان أيضاً بعدم نشر صواريخ متوسطة وقصيرة المدى خارج حدودهما وفي تلك المناطق داخل أراضيهما التي من شأن هذه الصواريخ ضرب أهداف في أراضي الطرف الآخر، وعدم نشر أسلحة نووية خارج حدودها، ويسحبان ما سبق أن نشراه من هذه الأسلحة في الخارج، مع إزالة كافة البنى التحتية الخاصة بنشر أسلحة نووية خارج حدودهما. وفق بيان للرئاسة الروسية.

ولم يرد حلف الناتو على الضمانات التي طلبتها روسيا، رغم أن موسكو قالت إنها تتوقع ردا مكتوبا على هذه الضمانات، وترى روسيا أن رفض الناتو الرد على مطالبها قد يؤدي إلى موجة جديدة من المواجهة. وفق ما قاله نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، الذي يقود المحادثات الروسية مع الغرب.

نفس التهديد بالرد بالقوة على عدم الوفاء بالضمانات الأمنية أعلنها رئيس الوفد الروسي في فيينا، قسطنطين غافريلوف، و الذي قال «بالطبع توجد لدى قيادتنا خطة»ب«، لا يريد أحد أن يستخدمها، إنها ليست إنذارا نهائيا بل إنه شرط صارم مستوحى من الظروف والوقت، لقد حان الوقت للتعود على فكرة أنه من الضروري حماية مصالحنا»، وفق ما جاء في قناة «روسيا- 24».

18 سيناريو

كان لافتا إعلان الولايات المتحدة الأمريكية أن لديها 18 سيناريو للتعامل مع الغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا، وفق ما قالت نائبة وزير الخارجية الأمريكي للشئون السياسية، فيكتوريا نولاند، لصحيفة «فايناشيال تايمز»، ورغم عدم حديثها عن تفاصيل هذه السيناريوهات إلا أنها قالت «إننا مع الحلفاء على استعداد للتسبب بألم حاد بشكل سريع إذا اتخذت روسيا أي خطوة عدوانية».

وسبق للولايات المتحدة الإعلان أنها مستعدة إلى عزل روسيا عن النظام المالي العالمي «السويفت»، كما تحدثت أوساط أمريكية أنه يمكن فرض عقوبات على الرئيس بوتين نفسه والدائرة المقربة منه.

خطوات عكسية

أكثر خطوة قد تقرب روسيا وأوكرانيا من الحرب هو انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، ورغم تصاعد الأزمة جاء حديث الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، بأن الحلف لا يقبل شروط روسيا بعدم قبول أعضاء جدد، وقال إن أوكرانيا وجورجيا مرحب بهما وفق قواعد قبول العضوية في الناتو. وهو أمر تراه روسيا خطير للغاية؛ لأنه سوف يسمح للصواريخ الغربية أن تتسلط مباشرة على الأراضي الروسية المجاورة لأوكرانيا، لكن الأخطر من ذلك هو ترغيب الناتو لكلا من السويد وفنلندا للانضمام للناتو، وهو ما يعني تحدي واضحا من الحلف لروسيا، حيث سيدخل في تلك الحالة 4 دول لهم حدود مع روسيا إلى الحلف، هم: أوكرانيا، وجورجيا، وفنلندا، والسويد.

سيناريوهات الحرب

وفق التصريحات التي يعلنها الطرفان وطبيعة الحشد العسكري على الحدود الجنوبية الشرقية لأوكرانيا، فإن هناك 3 سيناريوهات محتملة للحرب، الأول هو سيناريو عام 2014، ويقوم على حرب محدودة بين المجموعات المسلحة والمتمردة في جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك في دونباس مع القوات الأوكرانية، ويكتفي الناتو وروسيا بتوفير العتاد العسكري لحلفائهما على الأرض دون أن يحدث تغيير كبير في ميزان القوى، ويمكن وصف هذا السيناريو بأنه استمرار للحروب المتقطعة في تلك المنطقة منذ عام 2014 دون أن يفرض طرف ما إرادته العسكرية الكاملة على الطرف الآخر.

السيناريو الثاني: «المشاركة المحدودة»، و يقوم على مشاركة محدودة للقوات الروسية كغطاء جوي أو مدفعي للمليشيات العسكرية في دونباس دون الدخول في حرب كاملة مع أوكرانيا لمنع اجتياح الجيش الأوكراني «لجيب دونباس»، وفي هذا السيناريو أعلنت الولايات المتحدة أنها ستواصل تقديم السلاح والدعم العسكري والاكتفاء بالعقوبات الاقتصادية على روسيا دون دخولها أو حلف الناتو في حرب شاملة مع روسيا.

السيناريو الثالث «الاجتياح الكامل» ويتحقق حال هزيمة المجموعات الناطقة بالروسية شرق أوكرانيا نتيجة لعملية اجتياح أوكراني، وحديث روسيا واضح حول هذا السيناريو، لأنه من وجهة نظر موسكو سوف يتسبب في قتل الآلاف من ذوي الأصول الروسية، وفي هذا السيناريو سوف يتدخل الجيش الروسي وفق الدستور الروسي الذي يطلب من الرئيس حماية الروس حتى الذين خارج حدود روسيا، وفي تلك الحالة يتوقع أن يعلن الناتو انضمام أوكرانيا لحلف الناتو، وتتحول الحدود الأوكرانية إلى حدود للناتو، ووقتها يحق للناتو تقديم كافة أشكال الدعم العسكري دون حدود، وهذا هو السيناريو الأخطر لأنه قد يتحول لحرب شاملة في شرق أوروبا.

خيارات عربية

الدول العربية ليست بعيدة عن هذا الصراع سواء من ناحية المصالح أو حتى البعد الجغرافي، وسوف يكون على الدول العربية وضع خطط عاجلة للتعامل مع أي سيناريو من سيناريوهات الحرب الثلاثة في قضيتين رئيسيتين:

الأولى: «بدائل للقمح»، حيث تقع دول عربية كثير في مقدمتها مصر والسعودية في قائمة الدول التي تشتري القمح من أوكرانيا وروسيا، والذي يأتي عبر البحر الأسود، وفق وكالة رويترز، ومصر هي أكبر مستورد للقمح في العالم، وقد شكل القمح الروسي نحو 80 % من واردات القمح المصرية في الشهور الثمانية الأولى من عام 2020، وفق هيئة السلع التموينية المصرية. كما أن السعودية شجعت خلال الفترة الأخيرة القطاع الخاص السعودي على الاستثمار في زراعة القمح في روسيا وإعادة تصديره إلى المملكة، و يتعين في تلك الحالة على الدول العربية التي تستورد القمح أو غيره أن تفكر في مصادر بديلة للقمح خاصة أنه سلعة استراتيجية.

الثانية: «خطة إجلاء للطلاب»

لا بد للدول العربية أن يكون لديها خطة إجلاء للطلاب العرب الذين يدرسون في الجامعات الأوكرانية، مثل خطة الإجلاء التي تمت في أفغانستان، فوفق إحصاءات أوكرانية يوجد آلاف الطلاب العرب الذين يدرسون في أوكرانيا، فمثلاً عدد الطلاب المصريين في الجامعات الأوكرانية نحو 3500 طالب، بينما يصل عدد الطلاب المغاربة لنحو 6500 طالب، ورغم أن غالبية هؤلاء الطلاب بعيدون عن منطقة دونباس إلا أن الحرب لو بدأت لا أحد يعرف متى تنتهي أو أين.