الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

مواجهة | الرؤية تحاور طرفي أزمة القضاء في تونس: ميزان العدل «حائر»

انقسم قضاة تونس بين مؤيد ومعارض لقرارات الرئيس التونسي قيس سعيد، بحل المجلس الأعلى للقضاء، ومن ثم استحداث آخر مؤقت، حيث يتفق قضاة مع قرارات الرئيس فى إصلاح المنظومة السياسية فى البلاد، مؤكدين أن حل المجلس كان ضرورياً بسبب فساد المجلس وانحيازه لحركة النهضة «إخوان تونس» وهو ما تسبب فى تأخير نظر قضايا كبرى تهم الشأن التونسي، منها قضية المناضلين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، على الجانب الآخر يقف معارضو القرار مؤكدين أنه يضرب باستقلالية القضاء ويدفع السلطة التنفيذية للسيطرة عليه، مشيرين إلى أن حل المجلس لم يكن أبداً حلاً. وللتعرف على مواقف قضاة تونس ووجهات نظرهم حول قرارات الرئيس سعيد، أجرت «الرؤية» مواجهة بين القاضي بمحكمة الاستئناف بتونس العاصمة، عمر الوسلاتي، والقاضية و رئيسة جمعية منتدى قرطاج للأمن والتنمية فرع صفاقس، أحلام قوبعة.

القاضي عمر الوسلاتي:

حل المجلس الأعلى للقضاء ليس حلاً

>>| الرئيس نواياه صادقة لكن يجب ألا تكون «صكاً على بياض»

>>| قرارات 25 يوليو لم تُبنَ على قواعد صلبة ولم تحترم القوانين


>>| القضاة يشعرون بالاستهداف بغض النظر عن وجود فساد من عدمه



قال القاضي بمحكمة الاستئناف بتونس العاصمة، عمر الوسلاتي، إن قرار الرئيس قيس سعيد بحل مجلس القضاء الأعلى أعطى السلطة التنفيذية «التحكم» فى السلطة القضائية، وهناك تخوف من تجربة ما قبل عام 2011 من مواجهة السلطة حتى لا يتعرض القضاة للنقل والتنكيل، مشيراً إلى أن الحل لم يكن حلاً، وإنما الحل الحقيقي فى إعادة بناء المنظومة القضائية.

كيف ترى قرار الرئيس التونسي باستحداث مجلس مؤقت للقضاء؟

المرسوم رقم 11، الذي أصدره الرئيس قيس سعيد، الخاص باستحداث هذا المجلس منح للرئيس إمكانية إعفاء أي قاضٍ، وبالتالي أصبح القضاء بيد السلطة التنفيذية تتحكم فيه بناء على تقارير من وزير العدل، ومهما كان الشخص الموجود فى هذا المنصب، فهو مؤشر على النظر للقضاء بأنه غير مستقل.

لكن ما موقفك من قرارات 25 يوليو؟

التحولات التى شهدتها البلاد منذ قرارات 25 يوليو، والإطاحة بمنظومة سياسية كانت نتيجة توافقات «مغشوشة» لم تُبنَ على قواعد صلبة، سواء كانت تتعلق بسيادة القانون أو المؤسسات، فلم تحترم القوانين، لكنها أدت إلي انتخابات تبرز على ملامحها الشفافية والنزاهة من خلال صناديق الانتخابات دون تغيير، لكن الإرادة كانت معيبة لأسباب منها شن هجمات عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن طريق تشويه المناضلين للتمكن من مفاصل الدولة.

البعض يقول إن قرار الرئيس بحل مجلس القضاء الأعلى يعود أيضاً للتدابير الاستثنائية؟

الرئيس قيس اعتمد على الفصل 80 من الدستور، الذي ينص على أنه لرئيس الجمهورية في حالة خطر داهم مهدد لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وإن كانت قد طالت المسارات، بسبب غياب المحكمة الدستورية وكثرة التأويلات الدستورية، فإن ذلك أدى إلى إطالة أمد الأزمة، وأعطى أفراد المنظومة السابقة فرصة للتجمع.

الرئيس قيس وجه انتقادات للقضاء، ألم يكن حل المجلس هو الحل؟

الحل لم يكن أبداً فى حل المجلس الأعلى للقضاء فقط، وإنما فى تفكيك هذه المنظومة وإعادة تركيبها وترتيبها وبنائها بما يحترم استقلال القضاء وضمانات القاضي، والحقيقة أن الصراع يُظهر أن مرفق القضاء الذي يدير 3 ملايين قضية في السنة، عاجز عن تحقيق العدالة بسبب عدم توفير الإمكانات من قبل الدولة والأزمة داخل القضاء نتيجة التباطؤ وليس الفساد أو التواطؤ حسبما يفسر البعض.

لكن القضاء متهم بالفساد والتباطؤ، فما تعليقك؟

القضاء التونسي لا يملك السلطة على أجهزة الشرطة، وفى المقابل تحقيقات أجهزة البحث لا ترد للقاضي في أوقاتها، لذلك فالقضاء لم يكن مسيطراً على مسارات القضايا الكبرى، خاصة التي لأجهزة الدولة دور فيها، وهنا الخلل ليس في القضاء بل في أجهزة التقاضي والبحث، والدولة لم تعمل على رفع مستوى القضاة، والنتيجة أن المواطن المتقاضي يتردد على المحاكم فى قضايا عادية لمدة تصل إلى 6 سنوات سواء أمام المحاكم الابتدائية أو الاستئناف أوالتعقيب.

لكن كيف يتم إصلاح القضاء من وجهة نظرك؟

إصلاح القضاء لا يتم من خلال سحب ضمانات استقلال القضاء وجعله خاضعاً للسلطة التنفيذية، وإذا كان مدخل الإصلاح يتم عبر السلطة التنفيذية، لكن نرى مخاطرة ومجازفة، وإن كنا نعتبر أن قرارات 25 يوليو لتصحيح مسار الثورة، لكن يجب أن يؤسس الإصلاح لدولة القانون والمؤسسات، من خلال الضمانات الأساسية، حتى يصدر القاضي أحكامه وقراراته دون تدخل حزبي أو نفوذ مالي أو تدخل السلطة التنفيذية.

لكن نوايا الرئيس صادقة؟

نعم النوايا صادقة، لكن يجب ألا تكون «صكاً على بياض»، ويجب أن يكون المجلس المؤقت لفترة مؤقتة فعلاً، وألا يستمر لفترة كبيرة من الزمن مثل إجراءات العمل بالفصل 80 من الدستور، مقابل إصدار القوانين التي تضمن حماية المنظومة القضائية ومساءلة القضاة.

أنت قاضٍ وهناك قضايا منظورة تأخرت كثيراً، منها محمد البراهمي وشكري بلعيد، فمن المسؤول عن ذلك؟

لم يكن القضاء وحده هو المسؤول عن قضية المناضلين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، فهناك وثيقة وردت لوزارة الداخلية فى قضية البراهمي، ولم يتم التعامل معها أو إظهارها للقضاء، لذا هنا السؤال من المسؤول إذن؟ هل كان هناك أشخاص مسؤولون عن إخفائها؟ لذلك لا أتصور أن يكون إصلاح المنظومة القضائية بحل المجلس الأعلى للقضاء.

أحلام قوبعة:

مجلس القضاء المنحل جزء من فساد «النهضة»

>>| قرار الرئيس بحل المجلس «صائب» لكنه جاء متأخراً

>>| الرئيس قيس استند إلى التدابير الاستثنائية والشرعية الشعبية

>>| لا يمكن التحجج بخرق دستور وضعه فاسدون


قالت القاضية ورئيسة جمعية منتدى قرطاج للأمن والتنمية فرع صفاقس، أحلام قوبعة، إن قرار الرئيس التونسي قيس سعيد، بحل المجلس الأعلى للقضاء، ومن ثم تشكيل مجلس مؤقت قرار «صائب»، لكنه جاء متأخراً، حيث كان من المفترض أن يأتي بالتزامن مع قرارات 25 يوليو بتجميد أعمال مجلس نواب الشعب وإقالة الحكومة، مشيرة إلى أن المجلس المنحل كان «مسيساً» وتابعاً لحركة النهضة الإخوانية.

كيف ترين قرار الرئيس التونسي بحل المجلس الأعلى للقضاء، واستحداث مجلس مؤقت وليس دائماً؟

أعتقد أن قرار الرئيس قيس سعيد بحل المجلس الأعلى للقضاء، جاء متأخراً، وكان يجب أن يصدر من بين القرارات التي اتخذها يوم 25 يوليو الماضي، بتأسيس منظومة جديدة في البلاد وفقاً للتدابير الاستثنائية لمواجهة الفساد والرشوة والمحسوبية، فالمجلس الأعلى للقضاء كان جزءاً لا يتجزأ من المنظومة الفاسدة في البلاد.

أرى أنك تتفقين بشدة مع قرار الرئيس؟

نعم أتفق مع الرئيس في قراره الصائب جداً، باعتبار أن المجلس الأعلى بتركيبته المختلطة كان مجلساً «مسيساً» بامتياز وفيه شق كبير من القضاة التابعين لحركة النهضة وائتلاف الكرامة، ومنهم من هم ليسوا قضاة بل خبراء، وحاولوا بشتى الطرق فرض أجندة الإخوان داخل المجلس، وانعكس ذلك على الخطط العليا للقضاء، وعلى سبيل المثال نرى أن محاكم تونس العاصمة هي الأهم، لكن ترى المجلس يُسمي قضاة موالين للنهضة «إخوان تونس»، ومن ثم أصبحت القرارات يشوبها «التسييس» والانحياز للحركة.

هل تعتقدين أن القرار يتفق مع الدستور والقانون ؟

قرار الرئيس قيس جاء وفقاً للتدابير الاستثنائية المنصوص عليها وفقاً للفصل 80 من الدستور، والأوضاع في تونس، كانت تزداد انهياراً وسوءاً، ويمكن القول إنه إذا كان الدستور فاسداً، فإن من وضعوه هم أكثر فساداً، فلا يمكن التحجج بخرقه لأنه دستور فاسد وجاء على أيدي نواب فاسدين، أرادوا تأسيس حكم أبدي في تونس بوضع أغلال في الدستور تجعل هناك أزمات سياسية قبل الأزمات القانونية، وتلاحظ في الدستور، أنه لا يمكن تجاوز المرحلة الصعبة، التي كانت ما قبل 25 يوليو، إلا بتدابير استثنائية.

لكن هناك من يقول إن القرار ضرب باستقلالية القضاء؟

هذا الكلام غير صحيح، لأن المجلس الأعلى للقضاء المنحل، هو أكثر مجلس عمل عكس استقلال القضاء، وهو مجلس غير مستقل، ولا يمت للاستقلالية بصلة، فتركيبته المختلطة، من شخصيات وخبراء ومحامين، لم تمنعهم وظائفهم من الانضمام للعمل الحزبي أو السياسي، في حين أن القضاة تمنعهم وظائفهم من الانخراط والعمل بالشؤون السياسية، وأؤكد أنني أعي تماماً ما أقول، فالقرارات التي صدرت عن المجلس كانت «مسيسة» بامتياز، لذلك فالقضاء لم يكن مستقلاً حتى يتعرض للضرب، كما أن التركيبة التي صدرت في المجلس المؤقت وفقاً للمرسوم رقم 11، جميعها من القضاة فقط وليس من الخبراء.

ألا يعتبر القرار إساءة لسمعة قضاة تونس كما يقول البعض؟ وهل المجلس المنحل أساء لكم كقضاة؟

القرار لا يسيء لسمعة القضاء، فقد كنت واحدة ممن نادوا بحل المجلس في مناسبات عدة قبل قرار الرئيس سواء يوم صدور قرار الحل أو قبل قرارات 25 يوليو، فعلى مدى 7 سنوات أنا أتحدث عن عدم استقلال القضاء، فالقاضي الفاسد يجب أن يحاسب لأنه أضر بمصلحة وطن، حيث تم طمس دلائل لأسباب غير جدية، خاصة أنها كانت تتعلق بالأمن القومي للبلاد وقضايا كبرى مثل قضية الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، ولا يوجد هناك معنى لتأخير البت في قضيتيهما لمدة 10 سنوات.

إذن ما هي مطالب القضاة في الوقت الراهن خاصة في ظل الانقسام؟

نعم القضاة منقسمون بين مؤيد ورافض، إزاء حل المجلس، فهناك من يدافع عنه مثل جمعية القضاة التونسيين، واتحاد القضاة الإداريين، ومحكمة المحاسبات، ومنهم من يرون أنه يمس استقلال القضاء باعتبار أنه أعطى صلاحيات للسلطة التنفيذية، لكن المؤيدين لحل المجلس وتشكيل مجلس مؤقت، وأنا منهم، يطالبون بتحييد المجلس عن كل ما هو أمر سياسي، ولا أتصور أن هناك قضاة يدافعون عن المجلس الفاسد، إلا من كانوا متورطين في الفساد وخائفين من المحاسبة.

ما ردكم حول تخوف البعض من سيطرة السلطة التنفيذية على السلطة القضائية وباقي السلطات؟

التخوف مبرر، لكن يجب تجاوزه لأننا فى مرحلة استثنائية لتونس الجديدة، ولا يمكن أن يترك القضاة دون مراقبة من أجل تصحيح أخطاء قضاة فاسدين ارتكبوا أخطاءً فادحة بحق الوطن، ويجب تطهير التفقدية العامة لوزارة العدل، خاصة أن فيها قضاة متورطين بالموالاة للنهضة، ولا يجب ترك القضاة يفعلوا ما يشاءون، وأنا مع محاسبة كل قاض أجرم بحق الوطن من خلال رقيب مستقل ومحايد.