السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

«لماذا أفزعت الإخوان؟».. كواليس زيارة مفتي مصر إلى لندن

«لماذا أفزعت الإخوان؟».. كواليس زيارة مفتي مصر إلى لندن

مفتي الديار المصرية والوفد المرافق له خلال صورة جماعية في لندن. (الرؤية)

أنهى مفتي الديار المصرية، الدكتور محمد شوقي علام، الجمعة، زيارة استغرقت 6 أيام إلى بريطانيا، التقى خلالها أعضاء مجلسي العموم واللوردات، وممثلي الأديان والمجتمع المدني، بهدف تقديم الصورة الصحيحة للإسلام، ودحض دعاوى جماعات الإرهاب والتطرف عبر منهج علمي سار ويسير عليه الأزهر الشريف دار الإفتاء منذ القدم. بدأ التخطيط للزيارة منذ 9 أشهر، بعد نجاح حوار المفتي مع 200 من أعضاء العموم واللوردات عبر زووم نتيجة جائحة كورونا فى يونيو 2021. ومن معايشة يمكن الإشارة إلى أن الزيارة في أساسها عملية استكشافية لبيان مدى تقبل الجانب البريطاني للاستماع إلى صوت مختلف عن الصوت المتطرف الذي طالما أنصت إليه، وإلى تقييم آخر لجماعة الإخوان وحقيقتها والتي تعد لندن أهم معاقلها، وكذا اختبار مدى الطلب على صوت الأزهر والإفتاء في أوساط مسلمي بريطانيا. وخططت للزيارة المجموعة المصرية البريطانية، التي تضم 63 عضواً من أعضاء العموم واللوردات، وبينهم رئيس أركان سابق للجيش البريطاني، ورئيس سابق لبوليس لندن، ويشغل منصب أمينها العام سمير تكلا، وهو مصري يقيم بلندن منذ 1968.

سيناريوهات عدة

حرص المخططون على إخفاء خطة الزيارة، بل وإعداد أكثر من سيناريو لأجندتها للتمويه على جماعة الإخوان، ومع قرب إتمامها تسربت الأخبار إلى الجماعة فسيطر عليها الفزع إلى درجة أن أحد إعلامييها وهو ممن تم طردهم من تركيا واستقر في لندن، وجه تهديدات مباشرة إلى المفتي يعاقب عليها القانون حال زيارته برمنغهام، فهي معقل الإسلام السياسي وبالذات مسلمي باكستان وبنغلاديش. وما أن بدأت الزيارة حتى قام الإخوان بالتشكيك فى حدوثها من الأصل، إذ قالوا إنها مجرد جولة سياحية للمفتي، وعمدوا إلى التقليل من تأثير حديث المفتي أمام البرلمان، وقالوا إنه تم في قاعة فرعية، وإن الحضور لم يكن كبيراً، متجاهلين أن البرلمان كان مشغولاً فى جلسة مناقشة خطاب الملكة، وأنه قبل دخول المفتي إلى القاعة كان يتم فيها مناقشة سؤال حول مقتل شيرين أبوعاقلة. لكن حوار المفتي الهادئ والقوي والعقلاني وقيام مرافقين له بتوزيع ورقة عن جرائم الإخوان وعن تسترهم خلف واجهة المصلحين الاجتماعيين المؤيدين للديموقراطية، أهاج مرشد لندن إبراهيم منير، فأصدر بياناً ينفي فيه ما قالته ورقة الإفتاء عنهم، ويؤكد أن الجماعة سلمية.بعض الإخوان قالوا إن الزيارة مقصود منها تكريس التوجه إلى إبعاد الإخوان من تركيا، وتحريض لندن على عدم قبولهم؛ لأنها تمت فى الوقت الذي تتجه فيه تركيا - لأسباب استراتيجية كما قالوا - إلى إبعاد المزيد منهم إلى لندن تقرباً من مصر؛ مع أن الزيارة مخطط لها منذ أشهر كما سلف.

رعب الجماعة

فى أول يوم كان المفتي قد زار مسجد شاه جهان، وهو أول مبنى يقام كمسجد في بريطانيا (1889)، ومن المصادفات الغريبة أن الزيارة كانت لمقابلة قيادات المسجد وإدارة حوار معها حول الخطاب الديني المعتدل وأهمية الاندماج الإيجابي للمسلمين فى المجتمع الجديد دون أن يفقدوا خصوصيتهم؛ لكن حدث أن جاءت جنازة مسلم للصلاة عليه فى نفس التوقيت؛ فخطب المفتي في الحاضرين، وصلى بهم صلاة الجنازة، وترك أثراً ملموساً، حتى أن حاضرين رأوا أن الخطاب المباشر إلى جميع المسلمين كهذا فى بريطانيا هو أكثر ما يخيف الجماعة؛ لأنه يكشف للمسلمين هناك الفرق بين عالمين؛ عالم الجمود والتطرف والانعزال، وعالم السماحة والعقلانية والانخراط الفعال في المجتمعات الجديدة.

وقفة الإخوان

وفي اليوم المقرر لزيارة برمنغهام نظَّم أنصار الإخوان مظاهرة هناك ولم يلتفتوا إلى أن زيارة برمنغهام كانت احتمالية حسب ظروف المفتي ولذا لم تتم. أكثر من ذلك فقد جاء وفد من القيادات الإسلامية في برمنغهام إلى البرلمان وحضر أيضاً محاضرة المفتي في مركز أوكسفورد يونيون بجامعة أوكسفورد العريقة، وفيها أيضاً إخوان كثر والمعروف أن طارق رمضان حفيد حسن البنا درس هناك في فترة. وحين كان الإخوان قد نظموا وقفة احتجاجية أمام البرلمان وقت كلمة المفتي به، نظم أعضاء الجالية المصرية تجمعاً آخر للهتاف له وتأييده. وفى وقت لاحق وعلى سبيل التمويه تم الإعلان عن لقاء للمفتي مع المصريين في المركز الثقافي المصري بالسفارة، لكن ما حصل هو أن وفداً من المصريين هو الذي جاء إلى مقابلة المفتي فى مقر إقامته. كانت أصعب الأسئلة تلك التي تم توجيهها إلى المفتي في مركز بحثي اسمه سيفيتاس، وعلى رأسها أسئلة تمت كتابتها وتوزيعها تحمل اسم لورد بيرسون، وهو مؤيد قوي لإسرائيل ليوجهها من يشاء إلى المفتي، أسئلة تتحدث عن قتل الإسلام لليهود، وعن آية السيف والردة وعنف داعش والحق فى تغيير الديانة، وقد أجاب المفتي بنفس النبرة الواثقة عن كل ما تم سؤاله.

1400 مدرسة

المركز ظهر فيه ما الذي يريده البريطانيون أيضاً من الزيارة، فقد تبين أن وجود نحو 1400 مدرسة إسلامية غير مرخصة أو غير قانونية في بريطانيا مشكلة كبرى باتت تقض مضاجع الإنجليز، حيث يتم سحب الأطفال من التعليم العام المجاني وإدخالهم تلك المدارس، وفي الأغلب لا يتم تعليمهم اللغة الإنجليزية، فضلاً عن أن لا أحد يعرف نوعية المناهج ومن أعدها ولا تأهيل المدرسين. وقد لاحظت أن المفتي أجاب باقتضاب على الأسئلة الخاصة بتلك المدارس، وحين سألته لاحقاً قال إن الأمر في النهاية شأن داخلي ودوري هنا هو التعريف بالإسلام دين السلام والسماحة والتعاون فى الإعمار والبناء.وقد اكتفى المفتي بالقول إن حل المشكلة هو قانون ملزم للجميع.وتم في الرحلة أيضا طرح فكرة أن يكون في إنجلترا مفتي تعينه مصر، لكن الرأي المصري كان التأني في تبني ذلك ودراسته من كل جوانبه.

الرد على الحويني والعوا

كشف المفتي في حواره مع الوفد المصري الذي جاء لتحيته سراً خطيراً خلاصته أن الشيخ أبوإسحاق الحويني والدكتور محمد سليم العوا، حاولا إضعاف أسانيد حديث الرسول «صلى الله عليه وسلم» عن خير أجناد الأرض، أي الجنود المصريين، وعن أن أهل مصر فى رباط إلى يوم الدين، عن قصد؛ نكاية فى الجيش المصري، وقد أثار ذلك حزناً شديداً فى دوائر عديدة، ما دعا دار الإفتاء إلى عدم التعجل فى إبداء الرأي ودراسة الأمر علمياً من كل جوانبه، وأصدرت فتوى من 35 صفحة تؤكد سلامة الحديث وترد عن سنده كل الشبهات.