الجمعة - 26 أبريل 2024
الجمعة - 26 أبريل 2024

«تتاجر بالمظلومية».. لماذا تقاطع قوى المعارضة الحوارات الوطنية؟

«تتاجر بالمظلومية».. لماذا تقاطع قوى المعارضة الحوارات الوطنية؟

الجولة الثانية لملتقى الحوار السوداني الذي تديره الآلية الأممية الثلاثية.

توارت قوى المعارضة عن حضور جلسات الحوار الوطني داخل تونس والسودان، إذ عبرت قيادات 3 أحزاب تونسية من أصل 6 أحزاب وَُجهت لهم الدعوة للمشاركة في الحوار الوطني عن رفض المشاركة بعد أيام من إعلان الاتحاد العام للشغل عن مقاطعة الحوار ذاته، الأمر نفسه واجهته السودان إذ تباينت مواقف القوى السياسية من الجولة الثانية لملتقى الحوار السوداني الذي تديره الآلية الأممية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية في أفريقيا بين القوى المدنية والعسكرية في البلاد.

تونس.. افتقاد تقاليد الحوارات الوطنية

لم يكن قرار مقاطعة أحزاب تونسية (حزب آفاق تونس- حزب المسار الديمقراطي الاجتماعي- حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد) مفاجئ بقدر قرار اتحاد الشغل، لاسيما وأنه جاء بعد أشهر من دعمه لقرارات الرئيس، قيس سعيد، والمباديء العامة لمسار 25 يوليو، وتكمن المفاجأة في أن انسحاب اتحاد الشغل من الحوار يقوي من شوكة المعارضة. ويرجع اتحاد الشغل معارضته للمشاركة في الحوار إلي رفض البرنامج الوطني للإصلاحات الكبرى الذي عرضته الحكومة باعتباره يتضمن إجراءات تقشفية، وفق الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل، صلاح الدين السالمي، في تصريح نقلته عنه وكالة الأنباء التونسية الرسمية.

الباحث السياسي والخبير الاستراتيجي التونسي، أبوبكر الصغير، يعتقد أن الاشكالية الرئيسية تكمن في افتقاد تقاليد مثل الحوارات الوطنية التي نحتاجها بالفعل، لافتاً إلى أن لغة الحوار داخل الأحزاب المعارضة ذاتها غائبة، لذا فإنه ليس من المستغرب عند انتقال الحوار ليكون مع طرف السلطة الممسك بزمام الأمور أن يحدث ما نراه حالياً من مواقف، لافتاً إلى أن المعارضة تعتمد عقلية المظلومية في فعلها السياسي، وتثبت وجودها عبر معارضة كل شئ، لتدفع بصورة تظهر خلالها بأنها مضطهدة، الأمر الذي ينطبق على معارضة تونس وفق «الصغير» وبعض البلدان الأخرى.

ويضيف في تصريحات خاصة أن هناك العديد من العناصر التي تدفع الحوار الوطني ليصل إلى مبتغاه، لاسيما وأن هناك طبقة واسعة من القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة داخل المجتمع شاركت بالفعل فيه، ما يعد إنجازاً حتى وإن كان منقوصاً، فضلاً عن أن الحوار يعطي مشروعية لأي قرار تتخذه السلطة باعتبار أنه سيرفع عدة توصيات، آراء، مقاربات، وتقدير موقف للحالة السياسية العامة تعتمدها الدولة بلاشك خلال أي عملية بناء أو تصحيح سياسي في البلاد، لافتتاً إلى أنه رغم وجود مقاطعات عديدة من جانب قوى سياسية، إلا أن الحوار لازال يتمتع بمشروعية وقوة في ظل وجود قوة وازنة تجلس على الطاولة بينها عمادة المحامين التي تعد أحد أهم القوى الاجتماعية والمهنية، بالإضافة إلى الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والتي تعتبر أقدم وأعرق منظمة تهتم بحقوق الإنسان في العالم العربي، إلى جانب عدد من رجال الأعمال والفصائل الأخرى المتنوعة، الأمر الذي يمكن الحوار الوطني من استكمال انجازه المتعلق بوضع الملامح الرئيسية للجمهورية الجديدة التي أعلنها قيس سعيد.

وفيما يخص إمكانية عودة القوى المعارضة لطاولة الحوار يوضح «الصغير» أن المعارضة دائماً تتجه من خلال مواقفها السلبية إلي تحسين شروط التفاوض، والبحث عن المكاسب التي يمكن أن تجنيها حال اتخذت موقف ينسجم مع رغبات السلطة، معتقداً أن الأيام المقبلة سوف تنطوي على الكثير بخصوص الحوار الوطني في تونس، لافتاً إلى أن بعض القوى باتت تدرك أن مصلحة تونس تكمن في هذا الحوار، لاسيما وأن ما يجمع بين التونسيين والسلطة والمعارضة أكثر مما يفرقهم، لذا فإن الاهتمام ينصب على وحدة واستقرار تونس حتى وإن اختلفت الرؤى وتقديرات الموقف بخصوص الإصلاح وإعادة بناء المنظومة السياسية الجديدة.

السودان.. ترتيبات دستورية

تواجه السودان معضلة مشابهة، إذ ترفض بعض القوى الحزبية والمعارضة الاشتراك في جلسات الحوار الوطني بوساطة دولية مكونة من الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والهيئة الحكومية للتنمية في أفريقيا، فيما ينتظر أن تبحث الجولة من الحوار الترتيبات الدستورية التي تنظم العلاقة بين المدنيين والعسكريين، وبناء مؤسسات الانتقال، وتشكيل مجلس سيادة، واختيار رئيس وزراء وحكومة، وتكوين مجلس تشريعي، وتحديد برنامج الحكم الانتقالي للوصول إلى انتخابات حرة نزيهة. رئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الانتقال في السودان، فولكر بيرتس، حذر في تصريحات سابقة من أن عواقب غياب الحل السياسي في السودان ستتجاوز حدود البلاد وستستمر على مدى جيل كامل، فيما أكد ممثل الاتحاد الأفريقي الموريتاني، محمد الحسن ولد لبات، أن حل المشكلة السودانية لن يتم إلا بمشاركة كافة الأطراف الفاعلة في المشهد السياسي السوداني، داعياً السودانيين للتحلي بالمسؤولية والواقعية لإنجاح الحوار.

وبدوره يشير المحلل السياسي السوداني، مكي مغربي، في تصريحات خاصة لـ «الرؤية» إلى أن حسابات الأحزاب المعارضة لحوار الآلية الثلاثية باتت ضيقة، لاسيما بعد فشل محاورهم التي كانوا يعملون وفقها، منوهاً بأن المعارضة ارتكنت على أمرين؛ الأول: يتمثل في الشارع السوداني والذي بات واضحاً أنه ليس لديهم وجود قوي داخله إلا من بعض القواعد المرتبطة بهم والتي لا تمثل المحتجين في الشارع السوداني، بل إن المحتجين لا يرحبون بتلك الأحزاب ويعتبروا فترة حكمهم سيئة وفاشلة. أما الأمر الثاني فيكمن في اعتمادهم على النفوذ الخارجي دون التركيز على المحور العربي، باستثناء بعض الأحزاب التي حاولت «إمساك العصا من المنتصف» والحفاظ على علاقات مع المحورين، مشدداً على أن تلك السياسة بحد ذاتها تضمن وقوعهم.

ويرجح عودة بعض الأحزاب إلى آلية الحوار الوطني فيما عدا الحزب الشيوعي، لاسيما في ظل احتفاظ المكون العسكري بكروت يمكن أن تشكل نقطة محورية في الحوار، منوهاً بأن الحزب الشيوعي السوداني المقاطع أيضاً يشارك بالواجهات، إذ لديه أذرع ومنظمات داخل المجتمع المدني وحقوق الإنسان تشارك في الحوار، بينما يستمر في إظهار الرفض، وبذلك يكون شارك عبر أذرعه ولم يخسر موقفه الذي يراه مثالي من وجهة نظره.