الأربعاء - 17 أبريل 2024
الأربعاء - 17 أبريل 2024

على هامش كورونا: هل تترشح ميركل لولاية خامسة؟

على هامش كورونا: هل تترشح ميركل لولاية خامسة؟

ميركل تغادر بعد مؤتمر صحفي عن اجراءات كورونا. (اي بي ايه)

يمكن الجزم بأن أنغيلا ميركل لن تقبل الترشح لولاية خامسة، حتى لو اعتقد البعض أن حلماً قد يراودها في أن تكون الأطول حكماً لألمانيا. بل ستسعى لمغادرة حلبة السياسة في خريف 2021 مرفوعة الرأس.

الخصوم يمتدحونها قبل الحلفاء

في مقالة لصحيفة «بيلد» الأحد الماضي، قال وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر بأن كواليس النخبة السياسية في ألمانيا تتداول فكرة ترشح أنغيلا ميركل (65 عاماً) لمنصب «المستشارية» مرة خامسة، لتصبح الأطول حكماً لألمانيا متجاوزة فترة ولاية هيلموت كول (1982 ــ 1998)، مستشار الوحدة الألمانية التاريخي.

قد تبدو مثل هذه التكهنات عادية بالنظر إلى شعبية ميركل الحالية في الداخل والخارج، ولكنّ وقعها يكون أكبر عندما يصرح بها زيهوفر، الذي ترأس حتى قبل عام الحزب المسيحي الاجتماعي، الشريك في الائتلاف الحاكم، والذي كان من ألد خصوم ميركل السياسيين في الجناح المحافظ وحتى وقت قريب.

يأتي هذا التصريح بالرغم من كل ما كان يقال عن المستشارة بأنها غدت كالبطة العرجاء، بعدما أعلنت نهاية عام 2018 أنها ستترك معترك السياسة بعد حين ولن تترشح لولاية أخرى. وكان الألمان قد اختلفوا على نهجها في السنوات الأخيرة وخاصة في رؤيتهم لسياسة اللجوء والهجرة.

وما زالت لقطات عدسات الكاميرات التلفزيونية تذكر باستقبالات ومراسم تشريف عسكرية لرؤساء دول وحكومات تخللتها مشاهد كانت ميركل فيها تهتز وترتعش في النصف الثاني من عام 2019، ما قد يشير إلى احتمال أنها لم تعد في وضع صحي يسمح لها بالاستمرار فترة أطول.

وكان من مظاهر أفول الحقبة الميركلية تراجع شعبيتها وحظوظ حزبها المسيحي الديمقراطي عند الناخب، والتي عادة ما تكون المؤشر الصدوق لأعوان الحزب كي يمضوا في بحثهم عن بديل.

ما الذي قلب المعادلة؟

«كورونا» كذّبت كل تلك التخمينات، إذ برهنت استطلاعات الرأي على قدرتها على استعادة ثقة الناخب، فسجلت مؤخراً نسبة 64% من الرضى عن سياستها، وفق القناة التلفزيونية الأولى، وهو الرقم الأعلى لها منذ 2017. كما سجل اتحاد الحزبين المسيحيين نسبة عالية في الاستطلاعات الأسبوعية الدورية والتي تطرح التساؤل على عينة من الناخبين عمّن سينتخبون لو كان الاقتراع يوم الأحد القادم. وفي نتائج استطلاع معهد فورزا والعائدة ليوم 2 مايو كان اتحاد الحزبين المسيحيين يسجل 38% (مقابل 32.9% في انتخابات 2017) ويبتعد بفارق كبير عن بقية منافسيه من حمر وخضر وغيرهم.

لكن هذا التحول لم يكن منظوراً مع بداية مواجهة ألمانيا لجائحة كورونا، إذ لمع نجم وزير الصحة الألماني ينس شبان، ابن الـ37 عاماً، وهو أحد منافسي ميركل سياسياً ومرشح محتمل للمستشارية على مدى مستقبلي متوسط أو بعيد. كان شبان يقود الإحاطة الإعلامية اليومية للحكومة متوسطاً باقة من كبار المختصين في الأمراض المعدية والصحة العامة.

أين ميركل؟

تكرر السؤال عما تفعله ميركل في ذلك الوقت وكان السؤال ينطوي على الكثير من النقد لتحفظها عن الظهور في بداية الأزمة. البعض اتهمها بأنها «لا تتكلم» ولا تحمّل نفسها عناء شرح سياساتها، وفي ذلك الغمز الكثير من قناة قراراتها في الهجرة واللجوء والتي انقسم عليها الألمان لاحقاً واعتبرها كثيرون انفرادية.

ومع انتشار عدوى كورونا في ألمانيا وازدياد الحاجة لتوسيع إجراءات مكافحتها، لم يعد الأمر يقتصر على جهود الطب وإجراءات النظافة والصحة، بل تطور ليشمل إجراءات الإغلاق الجزئي وقرارات التباعد الاجتماعي وتعطيل المدارس وقطاعات كبيرة من الاقتصاد الألماني، وبلغ عدد من يتقاضى بدل راتبه (نحو 70% من الراتب الأصلي) وهو في البيت 10 ملايين، فيما بلغ عدد العاطلين عن العمل 2،6 مليون.

فالتصدي لكورونا يتطلب قيادة متزنة لفريق العمل الوزاري الذي ينتمي لأحزاب مختلفة، قيادة تعلي روح الفريق وتجمع بين جهود الصحة الجسدية والنفسية والاقتصاد والعمل والداخلية والتعليم والزراعة.

ميركل تعودة بقوة واتزان

عندها عادت أنغيلا ميركل إلى الواجهة وتولت جلسات الإحاطة الإعلامية الحكومية وعقدت الاجتماعات الدورية عبر دائرة الفيديو المغلقة أو بواسطة الهاتف مع رؤساء وزراء الولايات الألمانية الـ16 ذوي السلطة في نظام فيدرالي معقد.

ومن ثم توجهت ميركل للشعب الألماني في خطاب نادر عبر الشاشات التلفزيونية يوم 18 مارس، لتشرح لهم بكل هدوء وثقة واتزان، ولتبسّط بلغة العلم وهي الحاصلة على دكتوراه في الفيزياء، الإجراءات التي تم إقرارها وتقنعهم بالاستجابة لها مع التأكيد على محورية الدعم الشعبي والمشاركة الطوعية في الإجراءات المتخذة.

نجحت تلك التوليفة واستجاب الألمان، في سوادهم الأعظم، وأرقام العدوى تراجعت وارتفعت جاهزية النظام الصحي الذي أصبح يوفر نحو 40 ألف سرير عناية مركزة و30 ألف جهاز تنفس صناعي.

اعتبر كثير من الألمان أن بلدهم محظوظ بمثل هذه القيادة البراغماتية للأزمة، وأرقام الاستطلاعات الشعبية ورصد المزاج الانتخابي تبرهنان على ذلك. وإن ظهرت أصوات متذمرة تطالب بإعادة فتح قطاعات اقتصادية واجتماعية أخرى والمدارس بعد مرور أسابيع على الإغلاق، إلا أن ذلك لم ينل بعد من تألق المستشارة وارتفاع رصيدها.

وبعيداً عن التقلبات التي مر بها رصيد ميركل داخلياً، كانت شعبيتها الدولية مرتفعة على الدوامً، وهي التي تتربع على عرش أقوى امرأة في العالم بلا منازعة. وما زالت ماثلة في الأذهان حنكتها في معالجة أزمات اليورو، وإنسانيتها في معالجة أزمة الهجرة عام 2015، عندما ارتأت فتح الأبواب لمئات الآلاف، بل ما يزيد عن مليون من اللاجئين الذين تقطعت بهم السبل أمام أسيجة أوروبا الشرقية وجنوبها.

أتت أزمة كورونا لترفع من أسهمها دولياً مرة أخرى، وكتب أصحاب أعمدة صحفية في الشرق والغرب بأنها وعلى النقيض من سياسيين آخرين في بريطانيا والولايات المتحدة وغيرهما تتحدث بلغة واضحة تقوم على العلم، وأنها تعمل ببراغماتية ولا تريد كغيرها إنقاذ نفسها أو ولايتها، بل إن همها هو إنقاذ البشر، على حد تعبيرهم.

هل ستترشح ميركل لولاية خامسة؟

وبالرغم من كل ذلك، يمكن الجزم بأن أنغيلا ميركل لن تقبل الترشح لولاية خامسة، حتى لو اعتقد البعض أن حلماً قد يراودها في أن تكون الأطول حكماً لألمانيا. فانتقادات السنوات الأخيرة لسياساتها، ومن داخل حزبها أيضاً، لا تشجعها على ذلك. أما احتمالية استكمالها للولاية الدستورية حتى نهايتها في خريف 2021 فتبدو منطقية، إن لم تكن حتمية.

وبغض النظر عن حديث وزير الداخلية الألمانية هورست زيهوفر وتلميحه للولاية الخامسة، فإن مثل هذا الترشيح في النظام السياسي الألماني لا يقوم على شعبية الشخصية فقط. فمنصب المستشارية لا يطرح للتصويت المباشر، بل تتنافس الأحزاب كل 4 أعوام على أصوات الناخبين، ليتقرر تحت قبة البرلمان من هي المستشارة أو من هو المستشار.

الحزب المسيحي الديمقراطي (حزب ميركل) بدأ منذ فترة مشوار بحث داخلي عن رئيس جديد للحزب وبالتالي عن مرشح للمستشارية، ولن يعود هذا الحراك الداخلي إلى قمقمه، خاصة إذا انجلت قريباً تلك الغشاوة التي تلف السياسة الآن بفعل كورونا، ناهيك عن بروز اسم رئيس الحزب المسيحي الاجتماعي ماركوس زودر، كمرشح محتمل آخر قادم من ولاية بافاريا القوية.

ويزداد المرء قناعة برحيل ميركل العام القادم عند استذكار ما قالته نهاية عام 2018 وهي تتخلى عن رئاسة حزبها. تمنت وقتها أن تؤدي مهام مناصبها دوماً بوقار وكرامة وأن تغادر المناصب بنفس الوقار وذات الكرامة.

ولو نجحت، وهو ما يبدو عليه الحال حتى الآن، في مقارعة كورونا، فإنها لن تستثمر هذا النجاح في التمديد لأربع سنوات أخرى مضنية، لا تدري هي ولا غيرها طبيعة التحديات التي تنطوي عليها.

بل ستستثمر هذا النجاح في وداع حلبة السياسة مرفوعة الرأس.

*مصطفى السعيد، كاتب صحفي، شغل سابقاً رئاسة قناة DW عربية وهيئة تحرير سكاي نيوز عربية