الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

«أطفال الدواعش» محاصرون بين المرض والتطرف.. والغرب يرفض استقبالهم

حذرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية من مصير مجهول يواجه نحو 900 طفل من أبناء أعضاء داعش يعيشون في معسكرات اعتقال تفتقر إلى الرعاية الصحية والمياه النظيفة والتعليم، وتتفشى فيها الأمراض ويتم تلقين الأطفال فيها أيديولوجية متطرفة.

وقالت الصحيفة في تقرير نشرته الأحد إن الأطفال يعيشون في ظل هذه الظروف البائسة في شمال شرق سوريا، وترفض الدول الغربية استعادتهم رغم أنهم أبناء أعضاء التنظيم من الأصول الأوروبية.

واستعرضت نيويورك تايمز قصة فتاة فرنسية 7 سنوات كانت على وشك الموت الشهر الماضي بسبب نقص الرعاية الطبية، إلا أن فرنسا أرسلت طائرة طبية نقلتها إلى باريس لتلقي العلاج، تاركة وراءها والدتها، وشقيقين وأختاً.

وقالت الصحيفة الأمريكية إن إعادة الفتاة تيمية هي استثناء نادر، لكنها تدل على قدرة الدول الأوربية على استعادة أطفالها عندما ترغب في ذلك.

الباحثة في مكافحة الإرهاب في هيومن رايتس ووتش ليتا تايلور قالت مستنكرة رفض الدول الاوربية استعادة هؤلاء الأطفال: حكومات مثل فرنسا التي تتحدث عن حقوق الإنسان، أخرجت طفلة واحدة، فلماذا لا تأخذ الأسرة بأكملها؟

وترى جماعات حقوق الإنسان أن ترك الأطفال في سوريا يهدد صحتهم العقلية والجسدية ويخاطر بتلقينهم أيديولوجية تنظيم داعش المتطرفة، التي يتم اتباعها على نطاق واسع في المخيمات ويمكن أن تخلق جيلاً جديداً من الإرهابيين.

وبحسب مجموعة الأزمات الدولية يعيش الأطفال في هذه المخيمات بدون تعليم أو رعاية صحية ملائمة ويعانون من نقص في الغذاء والمياه النظيفة، وتتفشى الأمراض المعدية التي تتسبب في قتل العشرات في كل شهر، كما تتزايد المخاوف من الإصابة بفيروس كورونا، ولكن لم يتم تأكيد أي حالات لعدم وجود اختبارات.

ويعيش بعض الأطفال في المخيمات منذ سنوات، وتوفي 9 منهم على الأقل من أبوين أوروبيين لأسباب يمكن الوقاية منها في السنوات الأخيرة.

وقال التقرير إن بعض البلدان استرجعت أطفالها، مثل روسيا وكوسوفو وتركيا وأوزبكستان وكازاخستان حيث تم إعادة أكثر من 100 امرأة وطفل لكل منها، لكن معظم الحكومات الغربية كانت مترددة في ذلك.

وأشار التقرير إلى وجود عقبات مثل صعوبة تأكيد الأبوة، ومخاوف إرسال دبلوماسيين إلى منطقة حرب وعدم الرغبة في فصل الأطفال عن أمهاتهم.

وكان تنظيم داعش الإرهابي قد استولى في عام 2014 على أرض تعادل مساحة بريطانيا في المنطقة الممتدة عبر الحدود السورية العراقية، معلناً ما أطلق عليها «دولة الخلافة»، وتدفق على هذه المنطقة عبر تركيا عشرات الآلاف من أتباعه من جميع أنحاء العالم، من بينهم آلاف الغربيين الذين أحضروا معهم أطفالاً أو أنجبوا بعد ذلك.

وتم اعتقال أولئك الذين نجوا من الحملة العسكرية الدولية التي قادتها الولايات المتحدة ضد التنظيم الذي انتهى قبل أكثر من عام، وتم سجن الرجال في السجون المؤقتة ووضعت النساء والأطفال في المخيمات.

وتعتقد الدول الغربية أن إعادة البالغين إلى أوطانهم قد يتسبب في مشكلات أمنية بسبب خطورتهم، لكن شبكة من النشطاء والمحامين والأقارب في أوروبا وأمريكا الشمالية قامت بالضغط على الحكومات لإعادة الأطفال إلى بلدانهم لأنهم لم يختاروا الذهاب إلى سوريا ويجب عليهم ألا يحملوا ذنب آبائهم.

وقال تايغ ترير، محامي حقوق إنسان في كوبنهاغن: «هناك جدل مفاده أن الأطفال لا يجب إلقاء اللوم عليهم، لكننا لن نساعدهم لأنه ربما تظهر أم أو أب ويطالب بالانضمام إلى أطفاله».

وعلى الرغم من الجدل والصعوبات، أعادت 20 دولة بعض الأطفال إلى بلدانهم، ومن بينهم الولايات المتحدة التي أعادت 15 طفلاً دون أن تحدد عدد الأطفال المتبقين.

وتقول تايلر إن هناك 26 طفلاً كندياً عالقين في شمال شرق سوريا، معظمهم في السادسة أو أقل، ومن بينهم الطفلة أميرة (4 سنوات) والتي ولدت لأبوين كنديين في سوريا وقُتلا في المعركة ضد تنظيم داعش. مضيفاً أن عمها يحاول إحضارها إلى كندا، لكن الحكومة الكندية رفضت السماح بذلك.

وفي نفس الوقت الذي يثور فيه هذا الجدل اتبعت دول أخرى نهجاً لدراسة كل حالة على حدة، وتم إعطاء الأولوية للأطفال المرضى، والأيتام الذين يمكن إعادتهم إلى وطنهم دون رهن آبائهم.

وتعتبر قضية العودة إلى الوطن شائكة بشكل خاص بالنسبة لفرنسا، حيث قتلت داعش أكثر من 250 شخصاً، مما أدى إلى تحول غالبية الفرنسيين ضد إعادة الإرهابيين وأسرهم، لكنها فعلاً أعادت 18 طفلاً من أصل 300 طفل من آباء فرنسيين.

وناشدت القوات الكردية التي تدير المخيمات دول العالم لإعادة جميع الأجانب إلى بلادهم، بحجة أنهم لا يستطيعون احتجازهم إلى أجل غير مسمى في منطقة غير مستقرة، لكن الحكومة الفرنسية تعتبر النساء اللواتي انضممن إلى داعش مقاتلات يجب محاكمتهن حيث ارتكبن جرائمهن المزعومة، أي في سوريا أو العراق.

توضح رحلة تيمية مدى تعقيد مثل هذه الحالات، فقد أحضر والداها أطفالهما الأربعة المولودين في فرنسا، بما في ذلك تيمية وشقيقتها التوأم، وأخوها إلى سوريا، ولديهم طفل آخر ولد هناك.

في عام 2015، ظهر والدها، وهو إرهابي فرنسي معروف، في مقطع فيديو دعائي لداعش مع شقيقها الأكبر وقام الصبي بإعدام سجين بعيار ناري في الرأس. وقتل كلاهما عام 2018.

استسلمت والدتها والأطفال الأربعة الباقون إلى القوات الكردية العام الماضي، وانضمت إلى نحو 80 ألف امرأة وطفل في معسكرات الاعتقال السورية.

وطلبت والدة تيمية من أقاربها في فرنسا مساعدتها وأطفالها في العودة إلى الوطن لكن الحكومة رفضت. بينما أصبحت تيمية، التي تعاني من ضعف في القلب، ضعيفة وهزيلة، تناول المحامون وجماعات حقوق الإنسان قضيتها.

قالت والدتها في مقابلة هاتفية أخيرة من المخيم: «كانت تموت».

في أبريل، في تلك المرحلة كانت تكافح تيمية من أجل التنفس وتورم في اليدين والقدمين، سمحت لها الحكومة الفرنسية بالعودة.

في العام الماضي، في الوقت الذي احتفلت فيه الولايات المتحدة بالذكرى الـ18 لهجمات 11 سبتمبر الإرهابية، حذرت مجموعة من كبار خبراء الأمن القومي في رسالة مفتوحة من أن الحياة في المخيمات السورية «تغذي الفكر الإرهابي القائم على التظلم والانتقام والذي أثبت فعاليته في تجنيد الأتباع».

وقال الخبراء إن ترك الكثير من الناس هناك يخاطر بالسماح للتاريخ بإعادة نفسه.

وقالت والدة تيمية «الأطفال سيكونون أسوأ من آبائهم». «لا أريدهم أن يكبروا هناك».