السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

مع استئناف حملته الانتخابية: ترامب لم تعد لديه رفاهية الخطأ ولا المغامرة

بعد نحو 3 أشهر تقريباً من التوقف، ها هو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يستأنف من جديد حملته الانتخابية الرئاسية التي أعاقها انتشار فيروس «كوفيد-19» أول الأمر، وجاءت التظاهرات في الأسابيع الأخيرة، من جراء الاعتراض على الأوضاع العنصرية في الدولة الأمريكية لتضع العصا في الدواليب كما يقال.

الأحد القادم سوف يخرج ترامب من العزلة التي ضربت عليه وأضرت به وبحظوظه الانتخابية كثيراً، لا سيما بعد أن كان الحظ قد أوفى له من خلال انتعاش اقتصادي تحقق قبل ظهور الفيروس الشائه، وسيكون نصب لينكولن الشهير في حديقة «ناشيونال مول» الموقع والموضع لحوار افتراضي مع الأمريكيين، عبر قناة «فوكس نيوز» الداعمة للرجل، والحدث تحت عنوان «لنعد إلى العمل»، أي عمل السير المؤكد نحو ولاية رئاسية ثانية.

السؤال الأول الذي يتبادر إلى الذهن ونحن في صدد تقييم حظوظ إعادة انتخاب الرئيس ترامب مرة ثانية: «هل ما جرت به المقادير الأشهر الثلاثة المنصرمة يؤثر بشكل أو بآخر على فرصة ترامب في البقاء سعيداً في البيت الأبيض لأربع سنوات قادمة؟».

ينبغي لنا العودة قليلاً إلى الوراء، وإلى ما قبل دخول ترامب البيت الأبيض، وهو ما تبين مؤخراً من خلال ما أطلق عليه «أوباما–غيت»، وفيه تبدى واضحاً أن التآمر على الرجل جرى على قدم وساق، لإفشال حملته في 2016 وإنجاح هيلاري كلينتون، حتى وإن تطلب الأمر استخدام أدوات الدولة الفيدرالية في هذا السياق.

لم يهنأ ترامب منذ أن دخل البيت الأبيض بيوم واحد من غير مشاغبات ديمقراطية لإفقاده اتزانه، إلا أن اتسامه بالقوة والعناد قد مكناه من تجاوزها برمتها.

لكن أزمة كورونا التي نزلت كالصاعقة على الجميع، بمن فيهم الرئيس ترامب عينه، ونظرته الأولى التي قللت من الخطر، واستخدامه في أوائل الأزمة بعض العبارات التي تهون من المشهد جعلت منه لوحة التنشين للديمقراطيين بنوع خاص، وفرصة للمترددين لحسم رأيهم في إعادة انتخابه من جديد.

لم تكن كورونا وحدها التي اختصمت من رصيد ترامب، بل أزمة جورج فلويد، وربط البعض بينها وبين توجهات ترامب واعتباره الرجل المسؤول عن تنامي العنصرية في البلاد، وهو الأمر الذي تنفيه الحقائق، لا سيما أنه قدم للأمريكيين من أصل أفريقي خدمات أفضل من أي رئيس أمريكي آخر.

هل فقد ترامب فرص النجاح؟

في استطلاع رأي أخير لشبكة «سي.إن.إن»، الأمريكية، حصل بايدن على 55 % من المستطلعة آراؤهم، وجاء ترامب خلفه بنسبة 41 %، أي متأخراً 14 نقطة، الأمر الذي أرجعه ترامب إلى المضايقات التي تعرض لها طوال 3 سنوات من قبل ما أسماه التحقيقات المزيفة وغير القانونية، وإجراءات عزله.

السؤال الحيوي: «هل مثل هذا الاستطلاع يعني أن ترامب قد فقد فرص نجاحاته وأن بايدن هو الفائز من غير شك؟».

بداية إن فترة 5 أشهر في الداخل الأمريكي وقبل انتخابات نوفمبر هي فترة كافية جداً لتغيير المشهد، لا سيما أن دوي التظاهرات قد هدأ، وصوت الضجيج قد بدأ يتراجع، فيما الأمر الأهم هو معدلات انتشار كورونا، وهل ستتضاءل إلى الدرجة التي يمكن معها السماح بإجراء الانتخابات من غير أي خوف، أم أنه وكما يتوقع البعض ربما نرى موجة ثانية عاتية من انتشار الفيروس مع حلول الشتاء القادم، الأمر الذي يمكن أن يعيق العملية الانتخابية برمتها.

مهما يكن من أمر فإنه للوصول إلى نظرة معمقة بالنسبة لأوضاع ترامب، فإننا سنجد الكتلة الكبرى الصامتة التي صوتت له في 2016 لا تزال تدعمه وتزخمه، وإن في هدوء ومن غير ضوضاء، لا سيما في منطقة الحزام الإنجيلي في الجنوب الأمريكي، حيث ولايات بروتستانتية بأكملها تقف داعمة للرئيس وتعتبره مدافعاً عن الإيمان، وحافظاً للعقيدة.

أحد المشاهد التي لم يتم تفسيرها بشكل جيد خلال الاضطرابات التي جرت بالقرب من البيت الأبيض، مشهد خروج الرئيس وزوجته إلى الكنيسة العتيقة الكائنة بجوار البيت الأبيض، وقيامه برفع الإنجيل في وجه المتظاهرين.

هذه الحركة مقصودة بشكل كبير في ظل تنامي التوجهات اليسارية في الداخل الأمريكي، تلك التي لا تقيم وزناً للقيم أو المبادئ الروحية والإيمانية، وهو أمر مهم للغاية عند الغالبية الإنجلوساكسونية التي تمثل نحو 72 % من سكان أمريكا اليوم.

حين خرج ترامب رافعاً الإنجيل فإنه كان يخاطب الملايين من أقصى اليمين الأمريكي إلى يمين الوسط، مظهراً لهم نوايا اليسار الديمقراطي الذي يجد على الأرض من يدعمه وينظم صفوفه بشكل تخريبي، فقد رصدت وسائل الإعلام من يوزع الأحجار وزجاجات المياه، بل وزجاجات المولوتوف، ووجود أطباء وصيدليات متنقلة وسط الحشود المتظاهرة ترافقهم، وأكثر من ذلك وجود جيش كامل من المحامين في خدمتهم، وهم يجمعون الأموال لدفع الكفالات لإطلاق سراح الموقوفين منهم.

هل يمكن أن ينقلب السحر على الساحر الديمقراطي؟

أغلب الظن أن نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة جاءت تحت ضغوطات ظرفية بلغة القانون، وهذا يفيد بإمكانية كبيرة في تغيير توجهات الناخب الأمريكي، لا سيما أن بايدن لا يمكن بحال من الأحوال اعتباره المرشح النموذجي للديمقراطيين، وبخاصة أن الحزب منقسم على نفسه.

عطفاً على ذلك فإن سجل بايدن الشخصي غير نظيف وهناك قصص تتعلق بسلوكه رواها الصحفي الأمريكي «غيلين كيسلر»، ناهيك عن قضية الفساد المالي المتورط فيها ابنه مع أوكرانيا.

هل سينتخب الأمريكيون الأفارقة جو بايدن؟

ليس بالضرورة أن تكون حادثة «جورج فلويد»، قد غيرت من اتجاهات الأحداث لصالحه وخصما من ترامب، إذ يبدو أن هناك محاولة لتحميل بايدن على تذكرته الانتخابية وجهاً نسائياً أفروأمريكياً كنائب له، لضمان تحفيز السود على الظهور في صناديق الاقتراع في نوفمبر المقبل، لا سيما في الولايات المتأرجحة والتي ذهبت إلى ترامب في انتخابات 2015 ومكنته من الفوز.

أخطأ ترامب مؤخراً من جراء تصريحاته التي اعتبرها البعض من الجمهوريين عشوائية، ولهذا يواجه صعوبات بعد إخفاقه في توحيد الأمريكيين خلال الأزمة وفشله خصوصاً في كبح جماح الشعبية المتنامية لبايدن، لكن الأمر في المبتدأ والخبر بمثابة جولة ضمن جولات.

من الصعب القطع بمجريات الحملة الانتخابية الرئاسية لترامب وبايدن، فقد جرت العادة منذ أوائل الثمانينيات بأن يفوز الرئيس الحاكم بولاية ثانية، جمهورياً كان أو ديموقراطياً، ولم يشذ عن هذه القاعدة سوى الرئيس الجمهوري بوش الأب الذي خسر عام 1992 في مواجهة حاكم أركنساس بيل كلينتون.

وفي كل الأحوال أمام ترامب مهلة من الوقت لإعادة «اليد الحازمة» الملفوفة في قفاز من حرير، لتوحيد الأمريكيين من وراءه مرة أخرى، واقتناص ما يمكن اقتناصه من الولايات المتأرجحة، ويبقى نجاحه أو إخفاقه مرتكناً بشكل كبير على أفراد ومستشاري حملته، وقدرتهم على ضبط جموحه، ففي الأشهر المتبقية لا مكان لأي مغامرات كلامية، أو تصرفات غير محسوبة يمكنها أن تنتقص من حظوظه في الشارع ولدى الرأي العام.

وفي الأثناء، يراهن الجمهوريون على فضح ما يرونه مؤامرات للديمقراطيين تمثلت في إتاحة الفرصة للمخربين في الاحتجاجات الأخيرة، وهو أمر لو ثبت سيكلف الديموقراطيين فرصة انتخاب بايدن وربما يحرمهم من العودة إلى البيت الأبيض لسنوات عديدة قادمة وليس 2020 فحسب.