الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

الإخوان.. حصان طروادة القطري في فرنسا وأوروبا

أن تصل متأخراً خير من ألا تصل أبداً، ربما هذا أفضل وصف يمكن للمرء أن يطلقه على علاقة فرنسا بالتيارات الإسلاموية القائمة والقادمة إلى أرضها، وفي المقدمة منها جماعة الإخوان المسلمين.

في منتصف مارس الماضي، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ومن مدينة تولوز، شرق فرنسا يعلن عما أسماه «منظومة إعادة قيم الجمهورية»، ما يعني الوقوف في وجه كل مظاهر العنف، بما فيها تجارة المخدرات والأسلحة والتطرف الإسلاموي، لا سيما في الأحياء الحساسة والضواحي، وقد استخدمت الرئاسة الفرنسية مصطلحاً جديداً ومثيراً هو «الانفصال الإسلامي»، للتعبير بدقة عن ظاهرة «الغيتو الإسلاموي»، ذلك الذي سعى إليه تيار الإخوان المسلمين في فرنسا بنوع خاص طوال العقود الأربعة الأخيرة.

كان من الواضح أن فرنسا قد حزمت أمرها، وأخذت دورها ضمن اليقظة الأوروبية للحركة الإخوانية على أراضي القارة، لا سيما بعد أن تأكد الجميع أن حديث المظلومية التاريخية للتيار الإسلاموي في العالم العربي والإسلامي حديث مغشوش وبضاعة فاسدة.

قبل عدة أيام صدر عن «مجلس الشيوخ» الفرنسي تقرير حيوي واستراتيجي يرسم خطوط الطول والعرض لواقع حال الإخوان المسلمين في فرنسا، كحاضنة رئيسية لكافة الجماعات الأصولية والإرهابية التي تسببت في مقتل مئات الفرنسيين وأضعافهم من الأوروبيين في العقدين الماضيين على نحو خاص.

التقرير الذي نحن بشأنه استند إلى حوالي 70 لقاء مع مسؤولين سياسيين وأكاديميين في المجتمع الفرنسي، فضلاً عن منشقين عن جماعة الإخوان في فرنسا لبحث طرق الجماعة في التجنيد والتحرك داخل المؤسسات الفرنسية، وفضحت شهادات كثيرة خلال جلسات اللجنة جوانب من سلوكيات الجماعة وآليات تمويلها وكيفية استقطاب الشباب.

مشروع انعزالي

يضيق المسطح المتاح للكتابة عن ذكر كل ما ورد في التقرير والذي يتجاوز 70 صفحة، غير أنه وباختصار غير مخلٍ يلفت النظر إلى بعض الحقائق التي توقفت معها «جاكلين أوستاش برينيو»، مقررة اللجنة وعضو مجلس الشيوخ والمشاركة الرئيسية في كتابة التقرير، فماذا عن أهم تلك الحقائق؟

لتكن البداية من التوصية النهائية، وهي ضرورة التحرك الفرنسي السريع لوقف الأنشطة الإخوانية في البلاد، وقطع الطريق على الحركات الإسلاموية الانفصالية الساعية إلى إقامة تجمعات انعزالية على الأراضي الفرنسية، الأمر الذي يشق صفوف النسيج الوطني الفرنسي.

يوصي التقرير بأهمية الحذر والتنبه بأقصى قدر ممكن لاستراتيجية التسلل الإخوانية إلى كافة مناحي الحياة في الداخل الفرنسي، ولا سيما أن هناك هدفاً ماورائياً يسعى إلى تغيير أنماط السلوك الاجتماعي للفرنسيين، وتجاوز ثلاثية الثورة الفرنسية الشهيرة، الحرية، الإخاء، المساواة، من خلال إحلال منظومة قيمية إخوانية تتسق وفكر المجموعة الظلامي.

يكشف التقرير عما هو أكثر هولاً في البلد الأوروبي الذي يعيش على أراضيه أكبر عدد من المسلمين في أوروبا، حيث يبلغ تعدادهم 6 ملايين نسمة، إذ يشير إلى أن مؤيدي الإسلام السياسي يسعون حالياً إلى السيطرة على الإسلام في فرنسا من أجل «إنشاء الخلافة»، ويغذون في بعض المدن «نزعة انفصالية» خطيرة.

ما الذي عجّل بصدور هذا التقرير؟

المدهش هنا أن الأعمال الإرهابية التي حدثت في فرنسا لم تكن هي السبب الرئيسي، وإنما اليقين الذي تأكد ورسخ في نفوس صانعي التقرير لجهة تلك النزعة الإسلاموية المتصلبة والانفصالية والتي باتت تنشر شكوكها في قيم الجمهورية التي رسخت في الأذهان الفرنسية طوال 300 عام تقريباً.

التشكيك هذا أيديولوجياً هو بداية الطريق للانقلاب المسلح، والذي تجلى في السنوات الست الماضية في انضمام فرنسيين إلى تنظيم القاعدة وداعش، وبعضهم ارتكب مذابح إرهابية في الداخل الفرنسي، كما الحال في مسرح «الباتكلان».

أهمية الصحوة الفرنسية تتمثل في أنها لم تنخدع بالعبارات التي تحمل السم في العسل، والتي تستخدم مبدأ ومنطق «التقية» الإيرانية الشهير، إذ ترفع جماعات سلفية داخل فرنسا شعارات السلمية، وتتخذ طرق المداهنة والمراوغة لتحقيق أغراضها والتي هي في الوقت ذاته أغراض الإخوان المسلمين، ولكن من غير أصوات زاعقة أو رايات فاقعة، ولهذا أبدت اللجنة التي وضعت التقرير قلقها البالغ إزاء الحركات الإسلاموية المتشددة التي تدعي أنها غير عنيفة ويبلغ عدد أتباعها نحو 40 ألف سلفي، أما الإخوان المسلمين في فرنسا فيقدر التقرير الأخير عددهم بنحو 50 ألفاً.

مصادر التمويل

من يموّل الإخوان والسلفيين وكافة الإسلامويين في فرنسا؟

التقرير يشير بوضوح كافٍ إلى أن قطر هي الممول الأول للجماعة في الداخل الفرنسي، وأنها تقف وراء إرسال أئمة متطرفين في بعثات إلى الداخل الفرنسي، هؤلاء الأئمة يتم تدريبهم في مراكز متطرفة ترعاها قطر في دول مثل مصر وتونس والمغرب وبقية شمال أفريقيا، ولاحقاً تجعل منهم حصان طروادة لفرنسا وبقية أوروبا.

هل جاءت نتائج انتخابات البلديات الفرنسية مؤخراً لتحمل إشارة تحذير وتطلق بوق القرن للفرنسيين من مخاطر الإخوان المسلمين والتيار برمته؟

مؤكد أن ذلك كذلك، إذ بلورت نتائج الانتخابات رؤية عن تحالف يساري فرنسي من الإخوان المسلمين، وبخاصة الحزب المحلي المدعو «الاتحاد الديمقراطي للمسلمين الفرنسيين»، والذي يستخدم لفظة الديمقراطية لإخفاء معارضتهم الكاملة والنهائية لنمط الحياة الغربية بأكمله.

وبمزيد من التوضيح، فقد شهد الفرنسيون في الجولة الثانية من انتخابات البلدية تربيطات انتخابية بين تحالفات القائمة المشتركة للأحزاب اليسارية المعروفة باسم «أرخبيل المواطن»، في مدينة «تولوز» رابع أكبر مدن فرنسا، مع الإخوان المسلمين المنتشرين هناك، والذين باتوا يسيطرون على كافة مساجدها بتمويل قطري واضح وفاضح.

استطاع مرشح البيئة المدعوم من اليسار «أنطوان موريس» أن يجد دعماً كبيراً في تولوز من اليساريين والإسلامويين، ولا سيما أنه أحد المقربين من «سيسيل دوفلو»، وزيرة الإسكان السابقة والمديرة الحالية لمنظمة أوكسفام ـ فرنسا، تلك المنظمة غير الحكومية والعضو في اتحاد أوكسفام الدولي المعروف بصلاته بالاستخبارات الخارجية البريطانية، ولهم أدوار مشبوهة عديدة في الشرق الأوسط.

ولعل مجلة «ماريان» الفرنسية الشهيرة كانت في مقدمة وسائل الإعلام الفرنسية التي فضحت العلاقة بين «الاتحاد الديمقراطي لمسلمي فرنسا»، والتي يصفها مؤسسها «نجيب أزرقي» بأنها حركة غير طائفية وعلمانية وجمهورية بعمق، وهي إحدى أذرع الإخوان المسلمين في فرنسا، وبين اليسار وجماعة حزب الخضر بنوع خاص.

هل تبين للفرنسيين ولعموم الأوربيين أنهم كانوا على خطأ جسيم حين فتحوا أبواب بلادهم للإخوان والإرهابيين وكافة الفارين من وجه العدالة في العالم العربي والملوثة أياديهم بدماء الأبرياء؟

أن تأتي فرنسا متأخرة، خير من ألا تأتي أبداً.