الخميس - 18 أبريل 2024
الخميس - 18 أبريل 2024

من حسن البنا إلى حمد بن خليفة.. كيف تم اختراق الألمان من جماعة الإخوان المسلمين؟

أماطت صحيفة دي تسايت الألمانية اللثام عن كشف جديد يتصل بتمويل قطر للتيارات الأصولية الإسلاموية الموجودة على الأراضي الألمانية، وإن تعددت أسماؤها، واختلفت مشاربها، فالأصل فيها جميعاً، جماعة الإخوان المسلمين، وبات السؤال: «كيف استطاع الإخوان الإرهابيون تأصيل جذورهم وحضورهم في الداخل الألماني على هذا النحو؟».

الجواب على السؤال المتقدم نجده بين طيات كتاب «مسجد في ميونيخ»، لمؤلفه كَندي الأصل إيان جونسون، وفيه يفك شفرات تنامي الأصولية الإسلاموية على الأراضي الألمانية، لا سيما عبر «المركز الإسلامي في ميونيخ»، أو «المسجد»، كما يسميه المؤلف، والذي يعود تاريخ إنشائه إلى زمن الحرب العالمية الثانية، والالتفاف الأمريكي تحديداً على الإسلامويين ليكونوا شوكة في خصر هتلر، بالضبط كما فعلوا لاحقاً في أفغانستان، حين استخدموا الشباب العربي، الذي تم إقناعه بضرورة بل حتمية الجهاد في أفغانستان ضد الاتحاد السوفييتي.

ولعل ما جعل العيون تنفتح بقوة على «مسجد ميونيخ»، هو علاقة الخلية التي قامت بتفجيرات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، وقائدها محمد عطا، بهذا المكان.

الحفر عميقاً لتبيان لماذا باتت هناك أرضية عميقة للإسلام السياسي في ألمانيا؟ أرضية مكنت قطر والقطريين لا سيما في زمن حمد بن خليفة آل ثاني من دعم الجماعات الإخوانية، وتالياً حزب الله، وبقية الخلايا الإرهابية المنتشرة في أوروبا.

بداية الاتصالات

في المؤلف المشار إليه سلفاً، نكتشف بين ثناياه أن هناك أكثر من مجموعة ساعدت على نشوء وارتقاء التطرف على أراضي ميونيخ، ومنها إلى بقية أرجاء ألمانيا الكبرى، ويمكن تحديداً الإشارة إلى 3 مجموعات عملت على توطيد أركانها هناك بهدف بلوغ مسارب بعينها، وهي كالتالي:

** مجموعة من المفكرين النازيين الذين عمدوا إلى التخطيط لاستخدام الإسلام سلاحاً سياسياً إبان الحرب الكونية ليستأنفوا الاستراتيجية ذاتها خلال الحرب الباردة.

** مجموعة سواد أفرادها من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، شرعوا في انتهاج المنحى النازي ذاته والإفادة منه أملاً في استخدام الإسلام لمحاربة الشيوعية وكسر شوكتها.

** مجموعة كان قوامها حفنة من إسلاميين غلاة في التطرف والتشدد، كان قائدهم الحقيقي سعيد رمضان، زوج ابنة مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا، هؤلاء رأوا في المسجد موطئ قدم لهم في الغرب الألماني، ولم يكن هدفهم الحقيقي هو إنشاء دار عبادة أو مسجد بقدر ما كان إرساء قاعدة لأنشطة سياسية، حكماً كان العنف السياسي أحد أهم ركائزها في الحال والاستقبال.

هل سبق وتلاعب النظام النازي نفسه في زمن الفوهرر بمصير الإسلامويين، لا سيما جماعة الإخوان المسلمين، وهل صحيح أنه كانت هناك اتصالات جرت بها المقادير بين النازي وبين الإخوان في عهد حسن البنا، الأب المؤسس، وتحت عينيه مباشرة؟

الشاهد أن هناك الكثير من القراءات في هذا السياق، وكثير منها يقطع بأن مجموعات مصرية مختلفة التوجهات، ما بين القوميين، والإسلامويين في مصر، قد رأوا أن التعاطي مع النازي طريق جيد للخلاص من ربقة الاستعمار البريطاني الجاثم على صدر المصريين.

يخبرنا المؤرخ الألماني المعاصر ديفيد موتاديل، بأن النظام النازي عمد إلى تجنيد عشرات الآلاف من المسلمين في جيشه ليعوض خسائره على جبهات الحرب المختلفة.. كيف جرى ذلك؟

باختصار غير مخل حين خططت عقول النازي لغزو أراضٍ يسكنها المسلمون في البلقان وفي شمال أفريقيا وكذا في القرم والقوقاز، كان من الجيد لبرلين أن تغازل الأوتار الدينية الإسلاموية، وتلعب على تجنيد هؤلاء كحلفاء في الحرب ضد من كان الإسلامويون يعتبرونهم أعداء، وفي المقدمة منهم الإمبراطورية البريطانية، والاتحاد السوفييتي، واليهود.

اكتساب خبرة الحروب

تخبر بعض الدراسات أن اتصالات ما جرت بين حسن البنا في مصر، وبين القيادة النازية، بهدف حشد بضعة آلاف من المصريين في هذا السياق، ولم يكن البنا وجماعته السرية الوليدة تهتم لانتصار النازي أو هزيمة البريطانيين، بقدر اهتمامها بالحصول على أحدث الأسلحة، واختبارها في ميادين ضرب النار، واكتساب أكبر قدر من المعرفة بالحروب وأحوالها، والغرب ومآلاته، ومن ثم الانتشار في كافة أرجاء المنطقة لتحقيق الهيمنة والسيادة التي يتطلعان من خلالها لعودة الخلافة مرة أخرى.

والشاهد أن مشروع البنا في تكوين جيش من الإخوان قوامه 50 ألف شخص ينضمون إلى الألمان، ربما أخفق ولم ير النور، رغم اهتمام كبار القادة الألمان من أمثال الجنرال هملر قائد سلاح الدفاع والاستخبارات ذائع الصيت، والجنرال جوبلز قائد الدعاية النازية، ويقال إنه حضر إلى مصر من أجل الاتصال بمؤسس الجماعة حسن البنا.

لكن الذي يؤكده المؤرخ الألماني المعاصر موتاديل هو أن المشهد الألماني في تشابكاته وتقاطعاته مع الجنود المسلمين في ثنايا وحنايا الحرب العالمية الثانية، كان بمثابة كعب أخيل الذي من خلاله استطاع الأصوليون والمتشددون إيجاد مكان لهم تحت سماوات ألمانيا في تلك الأيام وحتى الساعة.

تحولت قطر في ستينات القرن الـ20 إلى «مغارة لصوص» للإخوان الهاربين من مصر تحديداً، ومن خلال ملايين الدولارات التي أغدقت على إخوان وأصوليي ألمانيا، الأمر الذي فضحه الصحفيان جورج مالبرونو وكريستيان شيسنوت عام 2016، وأكدته تقارير لصحيفة شتوتغارت تسايتونغ الألمانية مؤخراً، لا سيما خلال عهد حمد بن خليفة آل ثاني، باتت ألمانيا قبلة الإخوان في أوروبا.

ما الذي فعلته وتفعله قطر في ألمانيا على وجه التحديد؟

إلى قراءة قادمة بإذن الله.