الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

سرعة تسجيل لقاح كورونا الروسي تثير مخاوف غربية

سرعة تسجيل لقاح كورونا الروسي تثير مخاوف غربية

قصة اللقاح الروسي تتسم بالغموض المقلق الذي يتعلق بالقضايا الأخلاقية - رويترز

تعتبر الصرامة الشديدة للتجارب السريرية التي تختبر سلامة وفعالية اللقاحات من أهم الإجراءات التي تجعلها من أكثر المنتجات الطبية أماناً في العالم.

ولكن هذا ما لم يحصل مع اللقاح الروسي، فعندما أعلن الرئيس فلاديمير بوتين في 11 أغسطس عن تسجيل اللقاح الروسي بدون دليل من التجارب السريرية الواسعة النطاق، كان ذلك مصدر قلق للعديد من خبراء اللقاحات.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن الدكتور دانيال سالمون وهو مدير معهد سلامة اللقاحات في جامعة جونز هوبكنز، قوله إن الأمر مخيف حقاً وهو مخاطرة حقيقية.



واعتبر الدكتور سالمون وخبراء آخرون أن روسيا تتخذ خطوة خطيرة من خلال تجاوز المرحلة الثالثة من التجارب السريرية للقاح، وهي التي يمكن أن تحدد ما إذا كان اللقاح يعمل بشكل أفضل ولا يسبب ضرراً لبعض الأشخاص الذين قد يحصلون عليه.

وعلى عكس الأدوية التجريبية التي تعطى للمرضى، فإن اللقاحات هدفها حصول ملايين الأشخاص الأصحاء عليها.

ولهذا السبب يجب على الخبراء الذين يعملون على تطوير لقاح معين، تطبيق مجموعة عالية من معايير السلامة، لأنه في حال حصل مئات الملايين من الناس على جرعة من اللقاح، فقد تظهر آثار جانبية نادرة لدى الآلاف.

وعلى مدى القرن الماضي طور الباحثون العديد من الطرق الآمنة بشكل كبير لاختبار اللقاحات من حيث السلامة والفاعلية.



وتبدأ هذه الاختبارات عادة قبل أن يتلقى البشر أي جرعة من اللقاحات، ويتم حقنها للفئران أو القرود لمعرفة استجابتها.

وفي حال نجحت الدراسات التي تجرى على الحيوانات، يقوم الباحثون بتجنيد بضع عشرات من المتطوعين لتجربة المرحلة الأولى من التجارب على البشر التي يحصل فيها جميع المتطوعين على اللقاح التجريبي.

وعادة ما تمم مراقبة هؤلاء المتطوعين للتأكد من عدم تعرضهم لأي ردود فعل سلبية فورية، ولمعرفة ما إذا كانوا ينتجون أجساماً مضادة.

ومن المألوف أن يشعر الأشخاص بألم في عضلاتهم أو حتى حمى خفيفة ولكن هذه الأعراض عادة لا تستمر طويلاً.

وفي حال لم تسفر تجارب المرحلة الأولى عن أي مشكلات خطيرة تتعلق بالسلامة، ينتقل الباحثون إلى تجارب المرحلة الثانية حيث يقومون بحقن مئات الأشخاص وتسجيل ملاحظات أكثر تفصيلاً.

وفيما يخص لقاح كوفيد-19، بدأت أولى التجارب السريرية على لقاحات فيروس كورونا في مارس، ويجري العمل على 29 لقاحاً حالياً ومن المنتظر إطلاق المزيد قريباً.

وكانت النتائج المبكرة لهذه التجارب تبعث التفاؤل بشكل كبير، فقط اكتشف العلماء حتى الآن أعراضاً خفيفة أو معتدلة ولم تكن لديهم آثار جانبية، كما أنتج المتطوعون أيضاً أجساماً مضادة للفيروس التاجي، وفي بعض الحالات كانت نسبة الأجسام المضادة أكثر مما ينتجه الأشخاص المتعافون من العدوى.



ولكن مهما كانت النتائج المبكرة واعدة، فإن تجارب المرحلة الثالثة من الممكن أن تفشل.

ومن ناحيتها قالت نتالي دين خبيرة الإحصاء الحيوي والأمراض المعدية في جامعة فلوريدا إنها حذرت من التسرع في عملية الموافقة على اللقاح، وقالت إن توقيت إعلان روسيا يجعل من غير المحتمل أن يكون لديهم البيانات الكافية حول فعالية المنتج.

كما لاحظت الدكتورة دين أنه حتى اللقاحات التي أنتجت بيانات واعدة من التجارب المبكرة على البشر أخفقت في مراحل لاحقة.

وفي تجربة مراقبة كبيرة وعشوائية يعطي الباحثون اللقاح أو الدواء الوهمي لعشرات الآلاف من الناس وينتظرونهم ليواجهوا الفيروس في العالم الحقيقي.

وقال الدكتور ستيفن بلاك خبير اللقاحات في فرقة العمل المعنية بالصحة العالمية، إنه في حالة في حال كان اللقاح فعالاً فإن عدد المتطوعين الملقحين سيصابون بالمرض بشكل أقل.

لكن الباحثين الروس لم يبدؤوا في هذا الاختبار الحاسم.

وفي يونيو الماضي سجل معهد غماليا لبحوث علم الأوبئة وعلم الأحياء الدقيقة التابع لوزارة الصحة في الاتحاد الروسي تجربة مشتركة للمرحلة الأولى والثانية على لقاح يسمى Gam-COVID-Vac Lyo وخطط الباحثون لاختباره على 38 متطوعاً.

وقالوا إن اللقاح مصنوع من فيروس غدي يحمل جيناً لفيروس كورونا على عكس اللقاحات الأخرى التي يتم تصنيعها، وتمت الموافقة على أول لقاح ضد الفيروس الغدي غير الضار في يونيو الماضي.



ومنذ ذلك الحين قال المسؤولون الروس إنهم سيحركون اللقاح بسرعة إلى التصنيع، وعلى الرغم من إعلان بوتين رسمياً تسجيل اللقاح، إلا أن المعهد لم ينشر بيانات المرحلة الأولى أو الثانية.

وكان وزير الصحة الروسي ميخائيل موراشكو أعلن أن جميع المتطوعين طوروا نسباً عالية من الأجسام المضادة لكوفيد-19، وفي الوقت نفسه لم يكن لدى أي منهم مضاعفات خطيرة.

ومن ناحيته يرى جون مور وهو عالم فيروسات في كلية وايل كونيل الطبية في مدينة نيويورك، أن بوتين لا يملك أي لقاح بل إنه يدلي بتصريح سياسي فقط.

ويوم الثلاثاء أنشأ المعهد الروسي موقعاً على شبكة الإنترنت يقول إن تجربة المرحلة الثالثة ستبدأ في اليوم التالي بمشاركة أكثر من 2000 شخص في عدة دول.

وتجرى جميع تجارب المرحلة الثالثة الأخرى من لقاحات فيروس حالياً على رقم أكبر بعشر مرات من ذلك.

وقالت الدكتورة نيكول لوري مساعدة وزيرة الخارجية السابقة للتأهب والاستجابة في وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية والمستشارة الحالية في تحالف ابتكارات التأهب للأوبئة، أن الدرس الذي يجب على حكومة الولايات المتحدة استخلاصه من إعلان بوتين واضح.

وأضافت أن هذا هو ما يتوقع الأمريكيون ألا تفعله الحكومة الأمريكية في عملية اللقاح وهو الإسراع.

وإلى جانب تحديد ما إذا كان اللقاح يحمي الناس، يمكن أن تكشف تجارب المرحلة الثالثة عن آثار جانبية غير شائعة قد لا تظهر في العدد الصغير نسبياً من المتطوعين الذين التحقوا بالمراحل السابقة.

وعلى الرغم من ذلك فإن مرض شخص ما أو فاته بعد حصوله على اللقاح قد لا يظهر أن اللقاح هو السبب، ولكن من خلال مقارنة مجموعات كبيرة من الأشخاص، يمكن للباحثين تحديد الفئات غير العادية من المشاركين في اللقاح.



وطوال هذه المراحل يقوم مطورو اللقاحات بمشاركة هذه النتائج في تقارير للجهات التنظيمية الحكومية وفي أوراق تمت مراجعتها من قبل النظراء للمجلات العلمية.

ويقوم الخبراء الخارجيون بعد ذلك بتقييم البيانات من تجارب المرحلة الثالثة وتقديم توصياتهم إلى إدارة الغذاء والدواء والتي تقرر بعد ذلك ما إذا كانت ستوافق على استخدام اللقاح.

وتشير صحيفة الغارديان البريطانية إلى أن قصة اللقاح الروسي تتسم بالغموض المقلق الذي يتعلق بالقضايا الأخلاقية.



وأشارت إلى أن رابطة منظمات التجارب الروسية أكدت في أواخر مايو بعد أن أعلن رئيس معهد غماليا المسؤول عن تطوير اللقاح أنهم جربوه على أنفسهم أن هذا الاختبار المبكر انتهاك لمعايير البحث من قبل العلماء الذين فعلوا ذلك لإرضاء السلطة.

كما أثارت الاختبارات التي أجريت على المتطوعين، بما في ذلك في الجيش، قضايا أخلاقية، بما في ذلك ما إذا كان البعض قد تعرض للضغط للمشاركة أو لعدم وصف الآثار الجانبية، نظراً للاختلاف في الردود التي قدمها العسكريون والمدنيون.

ومن ناحية أخرى يخشى بعض العلماء أن تؤدي اللقاحات السريعة وغير الموثوقة إلى تقويض ثقة الجمهور تجاه اللقاحات ورفضهم لها.