الاثنين - 09 سبتمبر 2024
الاثنين - 09 سبتمبر 2024

واشنطن وبكين والحرب الباردة.. هل يشهد العالم عودة للثنائية القطبية؟

واشنطن وبكين والحرب الباردة.. هل يشهد العالم عودة للثنائية القطبية؟

تواري الولايات المتحدة كقوة أحادية يعني بروز كتلتين. (رويترز)

تتزايد التوترات يوماً بعد يوم بين الولايات المتحدة والصين، وتتسارع التكهنات بشأن مستقبل العلاقات بين الدولتين، ويمكن القول إن الغموض يحيط بتداعيات ذلك على المستويين الثنائي والعالمي.

لكن 4 أكاديميين، هم الدكتور ياو- يوان ببيه، أستاذ مساعد الدراسات الدولية ورئيس قسم الدراسات الدولية واللغات الحديثة بجامعة سانت توماس بهيوستن، وتشارلز كيه إس وو، المرشح لنيل الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة بوردو الأمريكية، والدكتور أوستين وانج، الأستاذ المساعد للعلوم السياسية بجامعة نيفادا بلاس فيغاس، والدكتور فانج-يو تشين، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ولاية ميشغان، يُجمعون على أن انتهاء الهيمنة العالمية الأمريكية يعني حدوث تحول إلى نظام عالمي ثنائي القطبية.

وأشار الأكاديميون الأربعة، في تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست» الأمريكية، إلى إعلان وزارة الخارجية الأمريكية مؤخراً عن مطالبتها الصين بإغلاق قنصليتها في هيوستن بغرض «حماية الملكية الفكرية والمعلومات الخاصة بالمواطنين الأمريكيين».

وقال السيناتور الجمهوري ماركو روبيو في تغريدة: «إن قنصلية الصين في هيوستن ليست منشأة دبلوماسية. إنها المركز الرئيسي لشبكة الحزب الشيوعي واسعة النطاق من الجواسيس وعمليات التأثير في الولايات المتحدة».

وبالإضافة إلى هذا التشاحن الدبلوماسي، اعترضت إدارة ترامب مؤخراً على ما اعتبرته ادعاءات من جانب الصين فيما يتعلق ببحر الصين الجنوبي، وهي المرة الأولى التي تتخذ فيها الحكومة الأمريكية موقفاً بشأن النزاع في بحر الصين الجنوبي.



ولكي تُظهر الولايات المتحدة موقفها الحاسم، أرسلت حاملتي طائرات إلى منطقة التدريبات العسكرية. ورداً على ذلك، صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، تشاو لي جيان، بأن الولايات المتحدة «تخلق انقسامات بين دول المنطقة وتضفي الطابع العسكري على بحر الصين الجنوبي».

وذكر الأكاديميون في تقريرهم أن زيادة التوترات العسكرية والدبلوماسية تدل على أن الصين تحاول إنهاء نظام الهيمنة الحالي الذي تقوده الولايات المتحدة، وأنه أصبح من الواضح بصورة متزايدة أمام الكثيرين أن الجهود الأمريكية لاستغلال النظام الليبرالي العالمي الذي يتسم بتعددية الأطراف والاعتماد الاقتصادي المتبادل لمواجهة صعود نجم الصين، قد حلّت محلها الآن الاحتكاكات العسكرية والخلاف الدبلوماسي.

وفي ضوء هذه التطورات، قد يتساءل المرء: هل نشهد حرباً باردة بين الولايات المتحدة والصين؟ وكيف سيغير هذا النظامَ العالمي؟

أمريكا تقلص التزاماتها تجاه الدبلوماسية الدولية

يرى الأكاديميون أن الإجابة على هذين السؤالين قد لا تكون واضحة، لكن هناك دلائل على أن الولايات المتحدة تتباعد حالياً عن النظام العالمي. ويظهر الانسحاب من اتفاقية الشراكة الاقتصادية عبر الباسيفيكي، في اليوم الثاني من تنصيب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقطع الوعود، مثل سحب القوات الأمريكية من ألمانيا، ووقف دعم إنفاق حلف الناتو، والقرار الأخير بالانسحاب من عضوية منظمة الصحة العالمية، أن الولايات المتحدة تقلص التزاماتها تجاه الدبلوماسية الدولية.

ورغم الانتقاد الموجه بدرجة كبيرة لمبدأ «أمريكا أولاً» الذي يتبناه ترامب، باعتباره دليلاً على استراتيجيته الشعبوية، هو رد منطقي على التكاليف التي زعم أن الولايات المتحدة تحملتها لبذل جهودها العالمية. وأدت أساليب ترامب الدبلوماسية التصادمية إلى خلق كتلتين عالميتين جديدتين. وما نشهده الآن هو تحول من نظام أحادي القطب تقوده الولايات المتحدة إلى عالم ثنائي القطبية يضم قوتن عظميين، هما الولايات المتحدة والصين.



يصور مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكي، الصراع بين الولايات المتحدة والصين بأنه معركة بين القيم الديمقراطية والحرية واقتصاد سوق رأسمالي، وبين القيم المعارضة التي تتبناها الصين.

ويشير التقرير إلى أن وجهة النظر هذه بالغة التبسيط، وأن الحقيقة هي أن كثيراً من الدول تسعى جاهدة إلى الالتزام بكتلة واحدة، ووحيدة، والنظام العالمي الحالي ليس مقسماً بشكل دقيق إلى معسكرين. فبدلاً من استغلال الاختلافات المؤسساتية واختلافات القيم لتقسيم العالم إلى كتلتين، تعتبر الروابط التاريخية المشتركة، ومعارضة القيادة الأمريكية، والاعتماد على رأسمالية الدولة الصينية أفضل مؤشرات لتحديد سمات الدول في النظام الدولي الجديد ثنائي القطبية.

فالمملكة المتحدة ودول الكومنولث التابعة لها، وغيرها من دول شرق آسيا التي تعتمد على الدعم العسكري الأمريكي، ستنضم دون تردد إلى الكتلة الأمريكية.

ومع ذلك، ونظراً للروابط الاقتصادية مع الصين، ستكون بعض الدول أكثر تردداً في أن تفعل ذلك (مثل اليابان وكوريا الجنوبية). هذه الدول ممزقة، حيث توفر لها الولايات المتحدة الأمن، لكن الصين غالباً ما تساعدها في توفير غذائها على المائدة. وهو في الأساس خيار بين السلاح والطعام.

«مبادرة الحزام والطريق»



ويبدو أن الاتحاد الأوروبي يميل إلى الصين الآن. ولا شك أن الصين تكسب نفوذاً من خلال الاستثمارات الهائلة في الاتحاد الأوروبي في ظل خطط مثل «مبادرة الحزام والطريق»، التي أطلقتها بكين عام 2013، على غرار فكرة «طريق الحرير» التجاري في القرن الـ19 الذي ربط الصين بالعالم كله من خلال تجارة الحرير التي اكتشفت الصين صناعته آنذاك وبدأت تصدره للعالم بأسره.

وبصراحة، الصين هي أفضل خيار لدول الاتحاد الأوروبي لتخليص نفسها من الولايات المتحدة واستعادة مجدها ونفوذها السابقين. وربما كان هذا هو السبب وراء اندفاع دول الاتحاد الأوروبي في طريق تحقيق تكامل اقتصادي أكثر قرباً مع الصين.

والأمر الأكثر أهمية هو أن التوترات المتزايدة في العلاقات الصينية-الأمريكية وزيادة إمكانية وقوع تصادم عسكري، للأسف، تؤدى إلى قصر المدة التي يمكن أن تفكر فيها هذه الدول في اختياراتها بالنسبة للمعسكر الذي تنضم إليه.

المسارات الحالية في العلاقات الأمريكية-الصينية لا تدعو للتفاؤل. وأي حرب بين القوتين الاقتصاديتين سيكون من الصعب خوضها، لكن ليس من المستحيل تخيل وقوعها.