الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

الإخوان وانتخابات أمريكا (4-1): إيزنهاور فتح الباب للتنظيم وأفغانستان أول توظيف

يعود الفضل للمخابرات الألمانية في لفت أنظار نظيرتها الأمريكية لكيفية «توظيف» جماعة الإخوان وتنظيمها الدولي في المنطقة العربية أو في العالم.

وجاء لقاء الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت أيزنهاور في البيت الأبيض عام 1953 مع سعيد رمضان زوج ابنة حسن البنا مؤسس الإخوان ليبدأ الوجود الإخواني في الساحة السياسية الأمريكية. ولكن كيف تسلل الإخوان للحياة السياسية الأمريكية؟ وما هي وسائل التنظيم المتطرف لحشد الأعضاء وبناء الشبكات النافذة في المؤسسات الأمريكية؟ وهل بالفعل يستطيع هذا التنظيم دفع جو بايدن للنجاح في الانتخابات القادمة؟

من يقرأ كتاب أيان جونسون المحقق الاستقصائي الشهير يتأكد من أن الزعيم النازي هتلر ووزير إعلامه جوبلز كانا أول من وظف الإخوان لتحقيق الأجندة الألمانية في الحرب العالمية الثانية، حيث اعتمد هتلر على سعيد رمضان زوج ابنة حسن البنا في إعادة تأهيل الأسرى السوفييت من أصول قوقازية للحرب بجانب ألمانيا، بعد أن أقنعهم سعيد رمضان بأن هتلر وألمانيا ينتميان لدين سماوي هو الدين المسيحي، بينما الاتحاد السوفيتي لا دين له ويجوز قتاله حسب المحاضرات التي كان رمضان يلقيها على الأسرى، وبالفعل عاد عشرات الآلاف من المقاتلين لجبهات القتال، لكن هذه المرة مع هتلر وألمانيا ضد الاتحاد السوفيتي، وهو ما لفت نظر المخابرات الأمريكية والغربية للدور الذي يمكن توظيف هذا التنظيم المتطرف فيه.


الحاج محمد هتلر والبنا


وهناك سلسلة من الوثائق التي تكشف التعاون الكامل بين هتلر والإخوان في الحرب العالمية الثانية، ما جعل الولايات المتحدة تنظر لورقة تنظيم الإخوان باعتبارها ورقة يمكن العمل بها واستثمارها في التخريب ومناهضة الاتحاد السوفيتي وضرب القوميات الناشئة في الشرق الأوسط، ومنها القومية العربية. وضمن هذه الوثائق كتاب «النازيون ومفتي القدس أمين الحسيني» للكاتب كلاوس جيسنك والذي شرح بالتفاصيل كيفية تعاون الإخوان مع هتلر خلال الحرب العالمية الثانية في مصر والمنطقة العربية، وهناك وثيقة كشفت عنها المخابرات البريطانية وتعود لـ12 أكتوبر 1939، وتشرح كيف تعاون الإخوان مع كل أنشطة هتلر حتى تتاح لهم الفرصة للسيطرة على الحكم في مصر. وقامت كل أنشطة الإخوان على خدمة أجندة هتلر خلال الحرب العالمية الثانية، ومنها ترويج حسن البنا لرواية كاذبة بأن هتلر اعتنق الإسلام، وهناك أكثر من 10 مقالات كتبها البنا بنفسه في مجلة النذير أبرزها في 26 ديسمبر 1938 يدعي فيها أن دول المحور، وهي إيطاليا وألمانيا واليابان، ستعترف بالإسلام كدين رسمي للدولة، وستنشئ مدارس لتعليم اللغة العربية، وأن تدريس الإسلام سيصبح مادة إجبارية في جميع مدارس دول المحور حتى الثانوية العامة، لدرجة أن البنا وصف هتلر «بالحاج محمد هتلر» وأنه قادم لتحرير العرب والمسلمين من الاحتلال الفرنسي والبريطاني.



لقاء إيزنهاور ورمضان


بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وبدء الحرب الباردة بين حلفي وارسو والأطلنطي، أرادت الولايات المتحدة توظيف بعض الفئات في الجمهوريات الإسلامية لتفكيك الاتحاد السوفيتي، وفي الوقت ذاته «توظيف» الإخوان في الصراعات الدولية لخدمة الأجندة الغربية والأمريكية، واعتمدوا في البداية على «سعيد رمضان» باعتباره صهر مؤسس جماعة الإخوان، ولذلك مولت المخابرات الأمريكية شراء كنيسة في مدينة ميونيخ الألمانية لسعيد رمضان حتى يؤسس فيها ما سمي بعد ذلك بالمركز الإسلامي العالمي، ويتحول ليصبح مقراً للإخوان في أوروبا، ومع زيادة وتيرة الحرب الباردة استدعت الولايات المتحدة سعيد رمضان لزيارة البيت الأبيض واللقاء مع الرئيس إيزنهاور عام 1953 حيث تم وضع حجر الأساس للعلاقات الأمريكية مع الإخوان، وأوصى جون فوستر دالاس وزير خارجية إيزنهاور، كما تقول وثائق مكتبة جامعة برنستون، بالاعتماد على هذه الجماعة التي لديها عناصر مستعدة للقتل ونشر الفوضى مقابل ثمن بخس.

وكان أول توظيف للإخوان على الساحة الدولية لخدمة دول الحلفاء من خلال ما يسمى «بالجهاد العالمي»، وكان هذا في عام 1979 عندما احتل الاتحاد السوفيتي أفغانستان، ونتيجة لتوظيف أمريكا لخطاب الإخوان في المنطقة العربية والدول الإسلامية وإرسال آلاف الشباب العرب إلى أفغانستان ما سمي وقتها «الأفغان العرب» أو «المجاهدون العرب» خرج الاتحاد السوفيتي من أفغانستان عام 1989، وتفكك نهائياً دون طلقة واحدة من الجنود الأمريكيين.

وبعد انتهاء الحرب في أفغانستان عاد هؤلاء الإرهابيون ليهددوا أمن وسلامة الدول العربية والإسلامية التي جاؤوا منها.

السياسة الأمريكية و«ISNA»

شكل لقاء سعيد رمضان مع الرئيس الأمريكي إيزنهاور إشارة البدء للطرفين للعمل معاً، فالولايات المتحدة بدأت تسمح للعناصر الإخوانية بالتواجد بكثافة على أراضيها، مقابل أوامر من قادة الإخوان لقواعدهم بأهمية الذهاب للولايات المتحدة، وكانت الدراسة هي المدخل الطبيعي لوصول مئات الإخوان إلى أمريكا، وسجلت جامعات مثل الينوي، وإنديانا وميتشيغان حضوراً لافتاً للطلاب الإخوان، وأسس هؤلاء الطلاب ما سمي بعد ذلك بـ«رابطة شباب المسلمين» عام 1963، وقبل نهاية النصف الأول من ستينات القرن الماضي تأسس أول فرع لتنظيم الإخوان في الولايات المتحدة تحت اسم « الرابطة الإسلامية لأمريكا الشمالية» المعروفة اختصاراً باسم ISNA.

وسيطرت «إيسنا» على أكثر من 75% من المساجد والجمعيات والمراكز في الولايات المتحدة، وكشفت وثائق نشرتها المخابرات الأمريكية عام 1999 أن غالبية الأعضاء الإخوان الذين أسسوا «إيسنا» كانوا ينتمون للإخوان في بلادهم قبل الوصول للولايات المتحدة ثم انضم لهم الطلاب الإخوان في الجامعات الأمريكية، وأطلق على هذه المرحلة من الخمسينات حتى منتصف الستينات مرحلة «التعبئة والتحشيد» بينما اعتبرت الأوساط الأمريكية أن تأسيس «إيسنا» هو بداية العمل التنظيمي الإخواني في الولايات المتحدة.

أول مراقب من كفر الشيخ

نظراً لأن جماعة الإخوان تدرك تماماً أنها تعمل ضد أي دولة تتواجد بها، وأنه سيأتي اليوم الذي يكتشف فيه الرأي العام والساسة حقيقة هذا التنظيم المتشدد، رفض الإخوان إطلاق مسمى الإخوان على أي فرع أو نشاط لهم في الولايات المتحدة، فكانوا يستبدلونها بأسماء أخرى مثل «الجماعة الثقافية» ورسموا أهدافاً معلنة تختلف عن نواياهم الحقيقية، لذلك أشاعوا وسجلوا في منظماتهم وجمعياتهم الكثيرة في الولايات المتحدة أهدافاً مثل حفظ الهويات الثقافية والفكرية بهدف حماية أنفسهم من الاعتقال أو التحقيق، وطوال أكثر من 30 عاماً حتى نهاية التسعينات كان الإخوان ينظمون مؤتمراً في مدينة أمريكية كبيرة كل عام في شهر سبتمبر، كما أصدروا مجلة باسم « أفق»، وكان أحمد القاضي أول مراقب عام للإخوان في الولايات المتحدة وهو مولود في مدينة دسوق بمحافظة كفر الشيخ المصرية.