الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

بايدن والسياسة الخارجية.. قراءة من كتاب أوباما

أحد الأسئلة المثيرة المطروحة على مائدة النقاش عشية الانتخابات الرئاسية الأمريكية، هو ذاك الموصول بالمرشح الديمقراطي جوزيف بايدن مع ارتفاع حظوظه في استطلاعات الرأي، وهل لدى الرجل رؤية متكاملة لسياسة خارجية لبلاده، أم أن هناك عقولاً أخرى ستقوم بترتيب الأوراق له؟

الذين تابعوا عدداً من مشاهد حملة بايدن الانتخابية تنتابهم مخاوف عميقة من أن الرجل الذي عجز عن تذكر اسم السيناتور ميت رومني، وأشار إليه بهويته الدينية كـ«مورموني»، وهو عينه الذي استخدم اسم جورج عوضاً عن ترامب، وقبل أن تصحح له زوجته الثانية الاسم همساً، ربما يكون غير قادر إن لم يكن عاجزاً عن بلورة رؤية لعالم مثير، شرقاً وغرباً، عالم يتشكل مرة أخرى بعد 3 عقود من انهيار الاتحاد السوفييتي، ولا تبدو له ملامح أو معالم حتى الساعة؟

باختصار غير مخل، يمكننا الحكم على توجهات سياسة بايدن الخارجية من خلال طاقم المستشارين الذين يحيطون به خلال حملته الانتخابية، وفي غالب الأمر سيكون معظمهم أعضاء في إدارته حال قدر له الفوز.

المفاجأة في المشهد أن غالبيتهم كانوا قد شغلوا مناصب نافذة خلال ولاية الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، وذلك حين كان بايدن نائباً له...ماذا يعني ذلك؟

بكل تأكيد وتحديد، ستضحي أمريكا أمام ولاية ثالثة لفلسفة القيادة الأوبامية، من وراء الكواليس، وقد كان مثيراً جداً، وللمرة الأولى في تاريخ سياق الانتخابات الأمريكية الرئاسية، أن يقوم رئيس سابق بدعم نائبه السابق في حملته، على النحو الذي فعله أوباما، ففي حين كان بايدن متخندقاً في قبو بيته، جال أوباما وصال في عدد من الولايات الأمريكية دعماً للمرشح المختبئ عن الأنظار، خوفاً من فيروس كورونا تارة، وتجنباً لمزيد من السقطات الإعلامية، والتي يمكن أن تكلفه الكثير تارة أخرى.

ولعل القارئ العربي على نحو خاص مهموم بدرجة كبيرة بتوجهات بايدن حيال الشرق الأوسط، وهذا حق طبيعي، وتطلع مشروع، لا سيما أن المنطقة برمتها تقترب من مرور عقد على الطروحات التفكيكية والتفخيخية التي قادها أوباما وبايدن، وذلك تحت غطاء مغشوش يطلق عليه، ثورات الربيع العربي.

يمكن القطع أن بايدن ما يزال يؤمن بفكرة التعاطي مع جماعات الإسلام السياسي، بالضبط كما كان أوباما، وربما لهذا السبب تحديداً كان اختياره لرجال بعينهم قريبين جداً، بل مخترقين وزارة الخارجية الأمريكية، هناك حيث أتباع هيلاري كلينتون، ما يزالون يميلون إلى إعادة فصول التاريخ إلى الوراء، وإن كان هذا أمراً غير ممكن.

على سبيل المثال لا الحصر فإن أقرب مستشاري بايدن في حملته الانتخابية الحالية، توني بلينكن، هو الرجل النافذ على صعيد السياسة الخارجية.

شغل بلينكن من قبل منصب مساعد أوباما في البيت الأبيض، كما عمل نائباً لمستشار الأمن القومي، ويتمتع مستشار أوباما بنفوذ واسع داخل وزارة الخارجية.

الشرق الأوسط

من رؤى بلينكن التي ستفرز توجهات لبايدن حال فوزه، البقاء عسكرياً في الشرق الأوسط، وقد اعتبر أن الانسحاب من سوريا على سبيل المثال خطأ فادح، انتهى بمحو نفوذ واشنطن في سوريا.

من جهة أخرى يرى أن التخلي عن الأكراد كان خطيئة ترامبية كبرى إن جاز التعبير، وأنه ما كان يجب على واشنطن أن تتخلى عن حلفاء شاركوا في سحق ومحق داعش.

الاستنتاج الأولي هنا يتمثل في علامة الاستفهام التالية: «هل إذا فاز بايدن سنشهد عسكرة أمريكية شرق أوسطياً، ما يعني خروجاً على رؤية أوباما، وهل هو قادر على تقديم خطط ذات طبيعة عسكرية وسياسية خلاقة»؟

مشهد آخر من مشاهد السياسة الخارجية لبايدن، يتمثل في الإشكال الأكبر لأمريكا أي العلاقة مع إيران، وهنا فإنه لا يوجد سر في الأمر، بمعنى أنه حال وصول بايدن إلى البيت الأبيض، فسوف يمضي في ذات النهج الذي سلكه أوباما، بمعنى أنه سينقلب مباشرة على كل ما فعله ترامب خلال السنوات الأربع المنصرمة، وسيعود إلى فكرة إحياء الاتفاق النووي والمفاوضات، وسيعمل على ما يعتبره فك اشتباك في المنطقة، في حين أن الواقع يخبرنا بأنه سيقدم الشرق الأوسط على طبق من ذهب لإيران ووكلائها اللوجستيين في المنطقة، الحوثي في اليمن، حزب الله في لبنان، الميليشيات والحشد ما بين العراق وسوريا، ناهيك عن الخلايا التي تعمل برسم دوغمائي في الداخل الإفريقي وهذه قصة أخرى.

في هذا الإطار تتوجب الإشارة إلى جيك سوليفان، مهندس الاتفاق النووي الأمريكي الإيراني وكبير مستشاري بايدن، وربما يكون المرشح الأول لوزارة الخارجية إذا قدر للأخير الجلوس في المكتب البيضاوي.

سوليفان عينه عمل كبير مستشاري حملة هيلاري كلينتون عام 2016، ويكفي المرء نظرة سريعة على إيميلات هيلاري المفرج عنها مؤخراً ليعرف أبعاد الدور الذي لعبه هذا الرجل في دعم الإيرانيين والإسلامويين خليجياً وشرق أوسطياً، وقد ظهر أكثر من مرة أمام وسائل الإعلام مدافعاً عن هيلاري أمام اتهامات ترامب.

كارثية سوليفان تتمثل في قناعته بأن سياسة «الضغط الأقصى»، التي اتبعتها إدارة ترامب، لن تفلح في القضاء على برامج إيران النووية، ولهذا يؤمن بأن البديل هو إعادة السير على طرق الدبلوماسية النووية مع إيران، والتطلع لبلورة خطة مشابهة لعمل 2015.

يضيق المسطح المتاح للكتابة عن سرد وعرض سياسة بايدن الخارجية، ولهذا يمكن العودة إلى سياسات أوباما والنقل عنها من دون تغيير أو تبديل.