السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

أمريكا وكرة الثلج: أسبوع الغضب يهدد بمزيد من الانقسام المجتمعي

هل باتت الولايات المتحدة الأمريكية قريبة من تحقيق سيناريو كرة الثلج التي تسقط من فوق الجبل، وفيما هي تجري بها المقادير تزداد كتلتها، ويتسع قطرها، ويتعاظم هولها، إلى أن يُقدر لها السقوط من الأعلى والارتطام بسفح الجبل؟

المشاهد الأمريكية الخارجة عن نطاق المعروف والمألوف تبدو أقرب ما تكون إلى ذلك، وعوضاً عن محاولة لملمة نسيج الأمة وضم أجنحتها بحكمة وحصافة في وقت المحنة، تبدو الأحداث ماضية في طريق لا رجعة عنه، يقود البلاد والعباد في دروب المجهول ولا شك.

لم يعد هناك طرف صائب بالمطلق، وآخر مخطئ إلى نهاية الطريق، ويكاد الناظر إلى ما يجري من قبل القيادة السياسية الأمريكية يجزم بأن لحظات التعقل والحكمة قد غابت عن الجميع، وأن فن السياسة قد توارى، وقد حل محله نوع من أنواع المكايدة السياسية التي لا تليق بدول كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية.

البداية من عند توجيهات الرئيس دونالد ترامب إلى مناصريه، وطلبه منهم التوجه إلى الكونغرس الأمريكي لإبداء غضبهم، وهو يدرك أو لا يدرك، أن الرؤوس الساخنة لا دالة لها على التعقل أو حسن التصرف، ولهذا تم اعتباره، لا سيما من الجانب الديمقراطي، بل ومن الكثيرين من الجمهوريين، عملاً متهوراً، أدى إلى ما عُرف بغزوة الكونغرس، وهو حدث مربك للديمقراطية الأمريكية، سوف يظل تأثيره عميق، وندبة غائرة في الجسد الأمريكي لعقود طوال، لا سيما وأن هذه هي المرة الأولى منذ عام 1812، حين قام الجنود البريطانيين بالهجوم على الكونغرس بشكله القديم.

مشاهد غير مطمئنة

والثابت أنه إذا كانت قوات الأمن الأمريكية قد استطاعت الحفاظ على تماسكها وحضورها، وتم التصدي للمهاجمين بشكل عقلاني، وتجنب الجميع سيناريو المجزرة البشرية التي كان يمكن أن تحدث، إلا أن هناك أكثر من رؤية وتحليل للمشهد لا تطمئن:

أولاً: ما جرى يعبر عن الحادثة وليس الكارثة، فالاعتراض في واقع الأمر ليس سببه مجرد دعوات ترامب لأنصاره، وإنما الإشكال الأكبر يتمثل في تراكمات رُسخت في الذات الأمريكية البيضاء، تلك التي تستشعر الخطر الديموغرافي الذي يقترب منها، ويكاد يجعلها أقلية، عطفاً على المخاوف التي يعيشها أبناء الطبقة العاملة، أولئك الذين سلبت النيوليبرالية الكثير من حقوقهم، وهذه قصة تحليلية تحتاج إلى قراءة قائمة بذاتها.

ثانياً: مشهد الهجوم في حد ذاته واللين والرفق الذي جرى مع المتظاهرين، جعل جماعات عرقية أمريكية أخرى، لا سيما الأمريكيين من أصول إفريقية، يستشعرون شيئاً من المرارة، فقد رأوا الصيف الماضي كيف كانت قوات الشرطة والحرس الوطني تتعاطى معهم بعنف وقسوة شديدتين، ما سيترك حكماً أثراً سيئاً بالغاً في نفوس الملايين من الأمريكيين أصحاب البشرة السمراء.

لم تَسُد الحكمة واشنطن، وإنما مضت ردات الفعل في اتجاه آخر غير امتصاص الصدمة ومحاولة تجاوزها من أجل الحفاظ على التماسك المجتمعي الأمريكي، وهنا بدا كأن نهج الديمقراطيين، و بنوع خاص رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، يميل إلى سكب المزيد من الزيت على النار المشتعلة.

طفا على السطح، ولا يزال، سيناريو عزل الرئيس ترامب، وهذه هى المرة الأولى في التاريخ الأمريكي التي يسعى فيها مجلس النواب إلى عزل رئيس واحد مرتين في ولاية واحدة.

ولعل قائلاً يرى أن ترامب قد أخل بالفعل بمهامه الرئاسية، وأن التعديل الـ25 يليق به. أي عزل الرئيس لعدم قدرته على القيام بواجباته الرئاسية، أو أنه أخل بها.

هذا الطرح قد يفهمه البعض إذا كان ما تبقى لترامب من حكمه عام أو أكثر، أما وإن أيام ترامب في البيت الأبيض معدودة، وتقل عن عدد أصابع اليدين، فإن الأمر هنا يبغي شيئاً آخر.

ما تسعى إليه بيلوسي في واقع الحال هو أن يخرج ترامب من البيت الأبيض مجللاً بالعار، لا مكللاً بالفخار، إن جاز التعبير. وكونه يخرج كرئيس معزول، فإن هذا يحرمه من حقوقه السياسية، وفي المقدمة منها حقه في الترشح لولاية رئاسية ثانية، وقد أعلن الرجل، أكثر من مرة، شهوة قلبه في خوض غمار الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024.

تأثيرات المدى البعيد

لكن التساؤل الذي لم يتوقف أمامه الديمقراطيون: «أي تأثيرات سلبية سوف يتركها مثل هذا القرار في نفوس وعقول وقلوب أكثر من 75 مليون أمريكي يؤمنون جذرياً بأن رئيسهم قد تعرض لمؤامرة انتخابية أول الأمر، ولامتهان رئاسي في مرحلة لاحقة؟».

هنا تبدو الانعكاسات على الشارع الأمريكي خطيرة جداً، ويكاد الناظر يرى أن الأمر سوف يزيد من عناد الرئيس الأمريكي، لا سيما أن بعض التوجهات الأخرى التي تحاول قطع جسور التواصل بينه وبين أتباعه لم تأتِ إلا بنتائج سلبية.

يصف مايك بومبيو وزير الخارجية، وأحد أقرب المقربين من ترامب، مشهد إغلاق «تويتر» لحساب الرئيس ترامب، بأنه أمر خطير، وتكميم للأفواه لا يليق بدولة ديمقراطية عظمى، والمشهد أقرب إلى الوصاية على الرجل.

ترامب لن يعدم وسيلة لبناء منصته الخاصة ولو في الأيام القليلة المتبقية، وسيجد طريقاً أو آخر للتواصل مع مريديه، ويكفي المشهد الأمريكي الداخلي هولاً أن يستمع المرء إلى الدعوات اليمينية المتصاعدة ليكون نهار الـ19 من يناير المقبل، نهاراً تصادمياً دموياً. و بأرقام من الجماهير المسلحة كالطوفان البشري لا تستطيع قوات الشرطة أو الحرس الوطني التصدي لها، الأمر الذي ينذر بحرب أهلية وصدامات شعبية، وهنا تظهر على السطح من جديد قراءات علماء اجتماع مثل النرويجي يوهان غالتونغ، والذي يؤكد على أن الاتحاد الأمريكي لن يتجاوز 2025 بحال من الأحوال.

ولعله في وسط الاضطراب الذي بات يلف واشنطن، حدث خطأ جسيم أيضاً من جانب نانسي بيلوسي، يمكن اعتباره انقلاباً على الديمقراطية الأمريكية، فقد أعلنت عن أنها اتصلت بالجنرال مارك ميلر رئيس هيئة الأركان، ووصته بعدم الاستماع إلى ترامب في أي توجه عسكري، وبخاصة قصة السلاح النووي الأمريكي.

ما فعلته بيلوسي يعد تجاوزاً حقيقياً على الدستور الأمريكي الذي يفصل بين السلطات. فما قامت به من اختصاص الرئيس الأمريكي وليس غيره، بوصفه صاحب السلطة التنفيذية في البلاد، وما فعلته يحرض على عدم الانصياع لأوامر الرئيس والتحريض ضده، وهذه بدورها جريمة كبرى.

تفكك أمريكا ليس من مصلحة العالم برمته، ولهذا فإن الرئيس بايدن مدعو لأن يستنقذ بلاده بالحكمة ومداواة الجراح.