السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

مؤتمر ميونيخ للأمن.. العالم على صفيح ساخن

اختتمت الأحد الماضي أعمال مؤتمر ميونيخ للأمن، الذي عقد عبر الفضاء الافتراضي، بمشاركة قادة دول وحكومات، وفي أجواء غير اعتيادية، منعت حكام العالم من الالتقاء وجهاً لوجه لمناقشة أحوال العالم المضطرب.

بداية التساؤل: ماذا عن مؤتمر ميونيخ أول الأمر؟ وما أهميته؟

لهذا المؤتمر قصة تاريخية، فقد كانت البدايات عام 1963، من خلال الناشر الألماني إيفالد فون كلايست، وهو أحد مؤيدي المقاومة ضد النازية، والفيزيائي إدوارد تيلر، وقد حمل بداية اسم «المؤتمر الدولي لعلوم الدفاع»، قبل أن يتم تغييره إلى «مؤتمر ميونيخ للأمن».

أهمية المؤتمر

اعتبرت بعض جامعات العالم مؤتمر ميونيخ أهم مؤتمر للأمن حول العالم، ومرد ذلك تجمع كبار قادة العالم لمناقشة شؤون وشجون الأمن حول العالم، وبصورة تستمر لثلاثة أيام على التوالي، وقد جرى العرف أن تطرح قضايا التسلح والمواجهة الباردة، ثم أوضاع الاقتصاد العالمي المتقاطعة مع السياسات الدولية، ناهيك عما لا يتم الإعلان عنه بشكل مباشر.

ترأس مؤتمر ميونيخ وزير الدولة الألماني للشؤون الخارجية، فولفغانغ إيشنغر، ولعله من المثير أن الرجل كان قد أشار في مؤتمر عام 2019، وقد كان الأخير على صعيد المشاركات الفعلية، إلى أن «النظام العالمي يتفكك»، وساعتها لم تكن جائحة كورونا قد ضربت العالم على النحو المؤلم الحالي، كما أن الاقتصاد العالمي لم يكن بدوره قد أصيب إصابات جسيمة، ربما يحتاج إلى سنوات لإصلاحها، فيما دعوات القومية ونزعات الشوفينية التي ولدتها الجائحة، ومحاولة كل دولة النجاة بنفسها، ولتذهب الدول الأخرى إلى ما شاء لها أن تذهب، لم تكن قد طفت على السطح على النحو الذي رأيناه.

عبر التقنيات التكنولوجية اجتمع كل من الرئيس الأمريكي الجديد جوزيف بايدن، والذي شارك للمرة الأولى كرئيس هذا العام، وإلى جانبه المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، قبل أن تغادر موقعها عما قريب، إضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والأمين العام لحلف الأطلنطي ينس ستولتنبرغ، والعشرات من رؤساء الدول والشركات والمؤسسات التي يضيق المسطح المتاح عن ذكرها.

يعن لنا أيضاً أن نتساءل: ما أهم الملاحظات التي يمكن رصدها في مؤتمر هذا العام؟

مصالحة أمريكية

ربما أهم إشارة جاءت لتعطي حلف الناتو قُبلة الحياة، هي اهتمام الرئيس بايدن بإلقاء كلمة وهو في الـ100 يوم الأولى لولايته، ويعكس هذا التوجه علامة مصالحة ومصافحة مع أوروبا، تلك التي تضررت علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية كثيراً جداً في زمن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

لا نغالي إن قلنا إن كلمة بايدن جاءت برداً وسلاماً على بقية أعضاء الناتو، لا سيما حين عبر عن التزام الولايات المتحدة التام نحو كل دول الحلف، ومعززاً فكرة الدفاع المشترك عن أي دولة تتعرض لأي هجوم، معتبراً أنه سيكون بمثابة هجوم على جميع أعضاء الحلف، وفي المقدمة من الكل أمريكا نفسها.

يلفت النظر كذلك أن مؤتمر ميونيخ جاء هذا العام في وقت تتأزم فيه إشكالية إيران النووية، وفيما تحاول أوروبا أن تلعب دوراً وسيطاً لنزع فتيل الأزمة، ومحاولة إحياء الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب، رأينا بايدن بدوره يدعو إلى ضرورة التصدي لتصرفات إيران المزعزعة للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.

أمريكا والصين

لم يكن من العجيب أو الغريب أن يفسح بايدن في كلمته مساحة واسعة للمشهد الأمريكي – الصيني المحتقن والمضطرب إلى أبعد حد ومد، ولم يتوقف بايدن عند الهجوم على مواقف الصين التي يعتبرها عدائية من بلاده، بل دعا حلفاء بلاده إلى العمل معاً لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية الصينية قائلاً «علينا الاستعداد لمنافسة استراتيجية بعيدة الأمد من الصين... علينا ضمان أن تتم مشاركة فوائد النمو بشكل واسع وبالتساوي، ليس من قبل البعض فقط».

هل من إشكالية كبرى في هذه الجزئية؟

ذلك كذلك، فقد كانت الصين قريبة جداً من أوروبا قبل جائحة كورونا، واليوم ربما تغير الموقف قليلاً، وها هو بايدن يتابع مسيرة ترامب في العداء للصين، وقد صرح بأنه يمكن للناتو والأصدقاء مواجهة انتهاكات الحكومة الصينية الاقتصادية والإكراه وتقويض أسس النظام الاقتصادي العالمي.

بداية الصفيح الساخن من عند الصين وأمريكا، ما دعا ايشينغر لاستبعاد أي تقارب صيني أمريكي، ويمكننا القطع بأن بحر الصين الجنوبي، قد يكون نقطة اندلاع مواجهة مسلحة.

هل غابت روسيا عن صدام الزحام واحتكاك الظلام على الخارطة الدولية؟

المتابع يستطيع أن يرصد تصريح رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الاتحاد الروسي، قسطنطين كوساتشوف، والذي أكد فيه أن مؤتمر ميونيخ يهدف تقليدياً إلى توحيد صفوف أعضاء الناتو، ولذلك يحتاج إلى افتعال التهديد الروسي. على حد قوله.

والشاهد أن بايدن بالفعل، وفي كلمته، كان قد أشار إلى أن روسيا تسعى لتقويض التعاون بين الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية في إطار حلف الناتو، ودعا الحلف إلى التمسك بالوحدة في الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو في ضوء التهديد الصادر من روسيا.

من بكين إلى واشنطن مروراً بموسكو، تبقى الخلافات مشتعلة، وخلف الباب العالمي جائحة لم يقدر للعالم بعد القفز من فوق أسوارها، وربما لهذا كان الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريش يدعو القادة المشاركين إلى تشكيل فريق عمل طارئ لوضع خطة تطعيم عالمية ضد فيروس كورونا المستجد، وقد دعا كذلك لأن تكون اللقاحات متاحة، وبأسعار معقولة للجميع، وفي أي مكان، مشدداً على أن «المساواة في اللقاحات أمر ضروري للغاية لإنقاذ الأرواح وإنقاذ الاقتصادات، وطالب بمضاعفة القدرة الحالية لإنتاج اللقاحات».

على أن علامة الاستفهام: هل ستتقبل لوبيات الأدوية والشركات الدوائية العابرة للقارات مثل تلك الدعوات اليوتوبية، أم أن ما يهمها بالأساس هو مراكمة الأرباح؟

أفضل من عبر عن حال العالم في هذه الأوقات، السيد ايشينغر، الذي شبه الثقة الدولية بأنها العملة الدبلوماسية، ولهذا ففي ظل غيابها بين الدول والأقطاب الكبرى بنوع خاص، يبقى العالم في حالة حيرة وقلق مستمرين و مستقرين، وتظل هناك قضايا مخيفة تطل برأسها كعودة سباق التسلح، ونقص الغذاء حول العالم، ومسارات الطاقة. ماذا إذن بعد مرحلة العالم المفكك؟