الجمعة - 19 أبريل 2024
الجمعة - 19 أبريل 2024

«صراع الكبار».. حرب سيبرانية أمريكية روسية في الأفق

هل بات العالم على موعد مع انطلاق حرب سيبرانية صريحة في الأيام القليلة المقبلة؟

المتابعون للأخبار الواردة من واشنطن يدركون أن هناك شيئاً مثيراً للقلق تجري به المقادير، والجميع يتكلم عن استعدادات واشنطن لخوض معركة في الفضاء الافتراضي ضد موسكو، الأمر الذي دعا المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أن يصف ما يتردد في واشنطن وما تنوي القيام به، بأنه جريمة دولية.

دوافع إدارة بايدن

ولعل السؤال الرئيس في هذه القراءة: ما الذي يدفع إدارة بايدن دفعا، وهي لم تكمل بعد الـ100 يوم الأولى لها، إلى الدخول في هذه المغامرة الخطيرة، والتي حُكماً سوف تنعكس بالسلب على العلاقات الأمريكية الروسية؟

قبل بضعة أيام كانت صحيفة نيويورك تايمز تتحدث عن إرهاصات تخطيط أمريكي لشن هجوم إلكتروني على روسيا خلال أسابيع؛ كرد على هجوم سيبراني ساحق ماحق تعرضت له الولايات المتحدة الأمريكية، في نهايات ديسمبر الماضي. ورغم أن الرئيس ترامب وقتها أنكر أن تكون لروسيا صلة ما بالأمر، إلا أن المرشح الديمقراطي للرئاسة وقتها جوزيف بايدن، توعد برد عميق وشامل على من قاموا بتهديد البلاد.



لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتخذ فيها بايدن موقفاً حاسماً وحازماً من القائمين على الهجمات السيبرانية ضد بلاده، فقد حدث اختراق مماثل، وإن كان أقل في قوته، عام 2016، وفي زمن الانتخابات الرئاسية، وساعتها أكد بايدن في حديثه مع شبكة «إن بي سي» مساء الجمعة 14 أكتوبر من ذلك العام، أن الرد الأمريكي قادم لا محالة، وقال ما نصه «سنبعث برسالة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين». وأضاف وقتها «لدينا القدرة على القيام بذلك وسيتم إرسال الرسالة، وسيعرف بوتين بذلك، وسيكون هذا وفقاً لجدولنا الزمني، وفي الظروف التي سيكون لها أكبر تأثير ممكن».

في اليوم التالي، أي 15 أكتوبر 2016، بدأت المواجهات اللفظية من موسكو إلى واشنطن، فقد وصف مساعد بوتين، يوري أوشاكوف، تصريحات بايدن بـ«الوقحة»، وهدد بأن بلاده سترد بقوة، أما بيسكوف فقد أكد أنه سيكون من اللازم اتخاذ التدابير والتحوط بطريقة أو بأخرى من المخاطر.

لم يُقدَّر لإدارة باراك أوباما أن تمضي في تنفيذ تهديدات النائب بايدن، فقد أخفقت المرشحة هيلاري كلينتون في مواجهة المرشح الجمهوري ترامب، غير أن النوايا كانت قائمة وقادمة في عقل الرئيس الحالي.

مسؤولية الهجوم

هل أعادت روسيا الكرَّة مرة جديدة؟

يقول الأمريكيون إن ذلك كذلك، فيما ينفي الروس نفياً مطلقاً أي علاقة رسمية لهم بما جرى في أواخر ديسمبر الماضي، من هجوم سيبراني أدى إلى أضرار جسيمة دفعت بايدن، وقد كان وقتها رئيساً منتخباً، أن يتوعد بأغلظ الأيمان بمعاقبة من فعلها.



ومن المثير أن وزير خارجية ترامب، مايك بومبيو، بدوره كان من أعلى الأصوات التي حملت روسيا مسؤولية الهجوم الذي تعرضت له البلاد، وكذلك فعل رؤساء لجان المخابرات في مجلسي الشيوخ والنواب.

والشاهد أن حقيقة ذلك الهجوم لم تكشف بالكامل حتى الساعة، فقد استهدف القراصنة وزارة الخزانة الأمريكية، ووزارتي الداخلية والدفاع.

بعد أسبوع من الهجوم السيبراني قال الرئيس التنفيذي لشركة فاير آي، للأمن السيبراني، إن أكثر من 50 مؤسسة أمريكية كبرى قد تضررت بشكل بالغ، وقد ظهرت علامات ضارة على شبكات 1800 منظمة.

كنز معلومات

هل هناك ملف بعينه تسبب في هلع الأمريكيين الرسميين، ولم يدر العوام حقيقة ما خلَّفه الهجوم بشأنه بنوع خاص؟

أغلب الظن أن ذلك كذلك، ونحن هنا نتحدث عن وزارة الطاقة الأمريكية، المسؤولة عن أمن الترسانة النووية الأمريكية، فعلى الرغم من نفي الوزارة بشكل رسمي أن تكون معلومات وقواعد بيانات أمريكا النووية قد أصابها عطب ما، إلا أن البعض من وراء الستار لفت الانتباه إلى أنه من الوارد أن يكون القراصنة قد حصلوا على كنز ثمين من المعلومات.

في هذا السياق كان مسؤولو الاستخبارات الأمريكية يقطعون بأن ما جرى يتسق تماما مع ما يعرفونه عن عمل وكالة الاستخبارات الروسية الخارجية. وشدد البعض على أن من قاموا بالاختراقات هم الأشخاص نفسهم الذين واجهتهم واشنطن في التسعينيات، وفي بداية الألفية الجديدة.

وفي وقت لاحق من ذلك الهجوم، غرَّد رئيس لجنة المخابرات في مجلس الشيوخ، ماركو روبيو، قائلاً: «من الواضح بشكل متزايد أن المخابرات الروسية نفذت أخطر اختراق إلكتروني في تاريخنا». وأضاف أن «الرد يجب أن يكون متناسباً».

دفاع ترامب

يلفت الانتباه في ذلك الوقت إصرار ترامب على أن روسيا بريئة من ذلك الهجوم، الأمر الذي فتح المجال واسعاً لنقد كبير واتهامات عديدة من الديمقراطيين وجهت لساكن البيت الأبيض وقتها، لا سيما مع تماهيه مع ما تقوم به روسيا. وقد عبَّر الديمقراطي، آدم شيف، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، عن وجهة نظره وقتها بالقول: «لا أعتقد أن هناك أي شك في أنها روسيا».



يكاد جمهور المحللين الأمريكيين يقطعون بأن خسائر جسيمة بعينها أصابت أمريكا، لا سيما أن حالة الارتباك التي واكبت أزمة انتخابات الرئاسة الأمريكية، قد فتحت الأبواب واسعة للقوى المعادية الخارجية للتلاعب بالكثير من مقدرات الأمريكيين، عطفاً على التفاعلات الداخلية المرتبكة من جراء جائحة «كوفيد-19»، وما صاحبها من انقسام مجتمعي، وقد تكون هناك أسرار عسكرية قد حصل عليها القراصنة، يمكن أن تحدث أضراراً جسيمة لاستراتيجيات واشنطن العسكرية في العقود المقبلة.

خطورة الحرب السيبرانية أنها قادرة على إصابة الآخر لا في معلوماته وبنيته التحتية المعلوماتية فقط، بل تمتد إلى التحكم في كافة مناحي نقاطه الاستراتيجية، من بنية تحتية مدنية، وعسكرية، ومحطات نووية، وأخرى كهربائية، ووسائل نقل وسفر جوي وبري وبحري، وبنوك وحسابات أفراد، وجسور وطرق.. إلخ.

ومع القرصنة التي تعرضت لها واشنطن قبل 4 سنوات، أعلنت حالة ديفكون 3 أي الدرجة الثالثة على مقياس ديفكون لحالة الاستعداد الدفاعي المؤلف من 5 درجات، والآن تبدو واشنطن على أهبة فعل مثير ومخيف، ويمكن أن يقود موسكو في أي لحظة سخون رؤوس إلى رد فعل مقابل.

هل هي حرب عالمية تبدأ سيبرانية، ثم لا تنفك تتحول إلى مواجهة حقيقية؟