أعربت الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس جو بايدن في أكثر من مناسبة عن استعدادها للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع إيران، وإحياء الاتفاق النووي الذي انسحبت منه إدارة سلفه دونالد ترامب، شريطة عودة طهران للامتثال لشروط الاتفاق.
ويرى مراقبون أن عودة بايدن إلى الاتفاق يكتنفها الكثير من التحديات والتعقيدات، في ظل العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب على طهران والمخاوف من تهديدها للأمن في المنطقة.
وقال الباحث والمحلل السياسي الأمريكي من أصل إيراني في جامعة هارفارد مجيد رفيع زاده، في تقرير نشره معهد جيتستون الأمريكي، إنه يبدو أن إدارة بايدن تريد من أعماقها المضي قدماً في أجندتها لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، وبالتالي رفع العقوبات عن طهران.
معارضة شديدة
وأشار رفيع زاده الذي يرأس المجلس الأمريكي الدولي للشرق الأوسط، إلى أن إدارة بايدن متأرجحة بشأن الارتداد عن مسار سياسة «الضغط الأقصى» التي تبنتها الإدارة السابقة والتي تمثلت في العقوبات الاقتصادية، وتردد أن واشنطن سمحت لكوريا الجنوبية بالإفراج عن 7 مليارات دولار من الأصول المجمدة لإيران، قبل أن يحث وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن سيؤول في 10 مارس على عدم الإفراج عن الأموال حتى توافق إيران على العودة إلى الامتثال الكامل للاتفاق النووي.
ولفت التقرير إلى المعارضة الشديدة للعودة للاتفاق القديم من العديد من القوى الإقليمية، إضافة إلى أعضاء في مجلس الشيوخ مثل جيم ريش وماركو روبيو وجيم إنهوف.
وأوضح الباحث أن المنطقة شهدت بالفعل عواقب سلبية للاتفاق، مؤكداً «لم تكتف إدارة أوباما ببدء سياسات الاسترضاء وتوسيعها، فحسب، بل قدمت تنازلات غير مسبوقة في محاولة لثني الملالي عن عدوانهم الداخلي والخارجي. لقد قابلتهم الولايات المتحدة بكرم ومرونة في كل خطوة على الطريق».
نهج أوباما
وبين زاده، أنه اتضح مع الوقت أن الاتفاق النووي قد غض الطرف بالكامل عن تمويل إيران لوكلائها الذين ينتهجون العنف، مثل حزب الله، الذي سيطر على لبنان، وحركة حماس في قطاع غزة، والحوثيين في اليمن، وكذلك عن توسيع إيران لنفوذها في مساحات شاسعة من أمريكا الجنوبية. ولم يكن لهذه النتيجة أن تحدث لو كانت إسرائيل والقوى الإقليمية الأخرى جزءاً من المفاوضات، بحسب ما يراه رفيع زاده.
واعتبر الباحث رفيع زاده أن الأسوأ من ذلك، هو أنه بعد إبرام الاتفاق النووي، شهدت القوى الإقليمية تأثيره بنفسها. ومع رفع العقوبات عن إيران في إدارة أوباما، سرعان ما تبين أنه بدلاً من «كبح السلوك الخبيث لإيران في الداخل والخارج، يرى المجتمع الدولي أن هذه الإجراءات قد منحت إيران شرعية عالمية جديدة، وتسبب ذلك، إضافة إلى رفع العقوبات، في توفير عائدات بمليارات الدولارات للمؤسسة العسكرية الإيرانية والحرس الثوري الإيراني وكذلك للميليشيات الإيرانية والجماعات الإرهابية».
واستخدمت طهران هذا «التدفق من الإيرادات في توسيع نفوذها في أنحاء المنطقة، بما في ذلك سوريا والعراق واليمن ولبنان».
ولفت إلى أن القوى الإقليمية اكتشفت أن الاتفاق سمح لطهران في وقت قصير بتخصيب أكبر قدر من اليورانيوم، فضلاً عن الصواريخ الباليستية التي يمكن استخدامها في إطلاق القنابل، بدلاً من منع إيران من امتلاك أسلحة نووية، كما وعد الاتفاق «بشكل خادع».
ويقول التقرير إن الدول العربية، شهدت بالفعل عواقب المحاولة السابقة للتوصل لاتفاق نووي.
عمل عسكري ضد إيران
وفقاً للتقرير، صعّد الحوثيون الذين تدعمهم إيران بالسلاح، جهودهم من أجل مزيد من الموت والدمار في اليمن، كما صعد حزب الله انخراطه في مساحات شاسعة من الأراضي السورية، وسيطرته عليها. وشهدت المنطقة أيضاً نزوعاً أكبر لإطلاق صواريخ الحوثيين على أهداف مدنية في السعودية، ونشر الآلاف من عناصر حزب الله في سوريا، والقصف المستمر على جنوب إسرائيل بصواريخ حماس الممولة من جانب إيران.
ويرى الباحث رفيع زاده أنه بالعودة إلى اتفاق لم يجلب شيئاً سوى الدمار المتزايد وعدم الاستقرار بالمنطقة، فإن إدارة بايدن ستتخلى عن الحلفاء القدامى في المنطقة، وستُمكّن بدلاً من ذلك نظاماً لا يزال يشكل تهديداً وجودياً للشرق الأوسط بأكمله.
وقال إن إحدى التداعيات المحتملة لإعادة انضمام واشنطن للاتفاق النووي تتمثل في أن دول المنطقة قد لا تجد خياراً آخر سوى القيام بعمل عسكري ضد إيران، وهي خطوة من شأنها أن تتحول إلى حرب إقليمية.
واختتم تقريره بالقول إنه يمكن لمحاولة إدارة بايدن إحياء الاتفاق النووي لعام 2015 أن تحول المنطقة وإرث بايدن بسهولة إلى حريق هائل، إضافة إلى إشعال سباق تسلح نووي شديد في أنحاء الشرق الأوسط.