الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

التكيف مع الجوائح.. 10 دروس لعالم ما بعد الوباء

حُكماً، بات فيروس كورونا مسرعاً لحركة التاريخ، لكن السؤال كيف؟ وما هو شكل العالم الآتي؟

ذات مرة قال مؤسس الحزب الشيوعي الروسي فلاديمير لينين: «هناك عقود لا يحدث فيها شيء، وأسابيع يحدث فيها ما يوازي العقود».

هنا يبدو أن زماننا الحالي هو أحد الفترات التي يتسارع فيها التاريخ.

من هذا المنطلق يجيء هذا المؤلف المهم للكاتب الأمريكي الجنسية، الهندي الأصل، فريد زكريا، المعروف بمؤلفاته العديدة التي تناولت العولمة ومسارات ومساقات العالم المعاصر، وتميز بكتاباته عن عالم ما بعد أمريكا.

الكتاب الذي بين أيدينا، عشرة دروس لعالم ما بعد الوباء، يساعد القرّاء على فهم طبيعة عالم ما بعد الجائحة، وتأثيراتها السياسية والاجتماعية والتكنولوجية والاقتصادية التي قد تستغرق سنوات لتُكتشف.

صدر الكتاب في نسخته العربية عن الدار العربية للعلوم "ناشرون"، ومن ترجمة إسماعيل كاظم، في نحو 270 صفحة من القطع المتوسط.



ما بعد الآثار المباشرة

من خلال 10 دروس، غطى فريد زكريا موضوعات من العولمة والتأهب للتهديد إلى عدم المساواة والتقدم التكنولوجي، وبنى هيكلاً يساعد القرّاء على بدء التفكير فيما وراء الآثار المباشرة لـ"كوفيد-19".

يتناول الكتاب أبعاد الزمن الثلاثة، الماضي والحاضر والمستقبل، ويتحدث عن كيفية التعاطي الآني مع الجائحة، والتي يفترض أنها ستصبح عنصراً أساسياً دائماً.

الدروس العشرة التي يقدمها المؤلف في كتابه للعالم، خصص لها فصول الكتاب وبالترتيب التالي:

** استعد.

** ما يهم ليس كمية ما تملكه الحكومة بل جودته.

** الأسواق ليست كافية.

** على الناس الاستماع إلى الخبراء، وعلى الخبراء الاستماع إلى الناس.

** الحياة الرقمية.

**كان أرسطو محقاً، نحن حيوانات اجتماعية.

** سوف تزداد اللامساواة سوءاً.

**العولمة ليست ميتة.

**أضحى العالم ثنائي القطبية.

** في بعض الأحيان يكون أعظم الواقعيين هم المثاليون.

يلفت زكريا في مقدمة كتابه إلى مفارقات مثيرة، منها على سبيل المثال حجم الفيروس، والذي ظن البعض أنه كبير أول الأمر، لكن تبين لاحقاً أنه يبلغ 10000/1 من حجم النقطة التي تنتهي بها هذه الجملة.

الاستعداد للمخاطر

تبدو إشكالية البشر في القرن الـ 21 متمثلة في استعدادهم لتخيل المخاطر الكبيرة والتقليدية التي نواجهها، مهما تكن غير محتملة، مثل الهجمات العسكرية، والغزوات، والتخطيط لاستجابات متعددة واسعة النطاق لها، فالحكومات تنفق تريليونات الدولارات لبناء جيوش ضخمة وتتبع حركة الجيوش عبر الكوكب، وتجري المناورات الحربية ضد الأعداء المحتملين، وتخصص الولايات المتحدة وحدها قرابة ثلاثة أرباع التريليون دولار لميزانيتها الدفاعية كل عام.

ومع ذلك، لم نكتشف أننا مستعدون للدفاع ضد ميكروب صغير، وقد يكتشف فيما بعد أن هذا الجسيم الفيروسي تسبب بأكبر ضرر اقتصادي، وسياسي، واجتماعي للبشرية منذ الحرب العالمية الثانية.



هل يتحدث هذا الكتاب عن الوباء الذي ضرب العالم وأحدث ما أحدث من خسائر في البشر والحجر؟

يبدو أن الأمر ليس على هذا النحو، فهو لا يتحدث عن الوباء، بل عن العالم الذي ينتفض ليبقى نتيجة لهذا الوباء، والأهم من ذلك عن استجابتنا له.

هذا الكتاب يتحدث عن عالم ما بعد الوباء، ليس لأن الفيروس التاجي وراؤنا، ولكن لأننا عبرنا عتبة معقولة، كان الجميع تقريباً على قيد الحياة بمنأى عن المعاناة من وباء حتى الآن، ولكننا ندرك الآن كيف تبدو الجائحة العالمية.

يذهب زكريا إلى أن الأجيال المعاصرة قد شهدت تحديات وتكاليف، ويمكن أن تستمر الجائحة، ولكن حتى لو قضي على الفيروس، فمن شبه المؤكد حدوث تفشيات جديدة لأمراض أخرى في المستقبل، وبهذه المعرفة والخبرة، نعيش الآن في عصر جديد.

عواقب الوباء

يطرح صاحب الكتاب علامة استفهام مدعاة للتأمل: ما عواقب هذا الوباء بالتحديد؟

الشاهد أن هناك من صرح بأن هذا الفيروس سيكون حدثاً مفصلياً في التاريخ الحديث، لحظة تغيير مساره إلى الأبد، بينما صرح آخرون بأننا سنعود بسرعة إلى العمل كالمعتاد بعد اللقاح، وهناك آخرون يقولون إن الوباء لن يعيد تشكيل التاريخ بقدر ما سيسرعه، ويبدو أن هذا السيناريو الأخير هو النتيجة الأكثر احتمالا.

ربما يعني ذلك أن عالم ما بعد الجائحة سيكون في جوانب عديدة، نسخة من العالم الذي عرفناه. ولكن عندما تسير الحياة بسرعة إلى الأمام، ستواكبها الأحداث ولن تسير بشكل طبيعي، ويمكن أن تكون العواقب مدمرة، بل مميتة.



بعد انتشار الوباء، وكما تشير سطور الكتاب، ستكون الحياة مختلفة بالنسبة للبلدان والشركات، لا سيما الأفراد، حتى وإن عاد الاقتصاد والسياسة إلى طبيعتهما، فلن يعود البشر، وذلك لأنهم مروا بتجربة غير عادية وصعبة، وسيشعرون بأنهم حصلوا على فرصة جديدة بشق الأنفس.

توقع الوباء

جزئية مثيرة في الحال، وأكثر إثارة في الاستقبال، يفجرها فريد زكريا في كتابه، وتتمثل في علامة الاستفهام التالية: هل كان على البشرية أن تتوقع هذا الوباء، ومع ذلك حدث تقصير كبير؟

الثابت أنه في العقود الأخيرة، تفشى السارس، ومتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، وإنفلونزا الطيور، وإنفلونزا الخنازير، والأيبولا، بسرعة وعلى نطاق واسع، وهذا ما دفع العديد من الخبراء إلى التحذير من أننا سنواجه وباءً عالمياً عما قريب، وأحيط الجمهور علماً بذلك أيضاً.

لكن أي جمهور أحيط علماً، يمكننا أن نحاجج صاحب الكتاب؟ وهل جرى تنبيه البشرية بأكملها كي تستعد لمواجهة الفيروس الشائع، مع العلم أن أحداً لم يكن يملك ما يلزم للدفاع عن الحياة البشرية في ذلك التوقيت؟

من أفضل النتائج التي يتوصل إليها المؤلف في عمله الجديد هذا، القول إن الأزمة العالمية لوباء "كوفيد-19"، ورغم الآلام التي ولدتها، والصعاب التي أوجدتها، إلا أنها فتحت مجالاً إنسانياً رحباً للتفكير خارج أطر الرأسمالية المعولمة، وأتاحت جانباً كبيراً للإنسانية، إذ تيقن البشر من أنه لن يكون أي بلد في مأمن من هذه الأزمة ما لم يكن لدى الجميع قدر من الأمان.

الدرس الـ11 الذي لم يتحدث زكريا بشأنه، هو أنه أمام البشرية فرصة واحدة للنجاة معاً، أو الاضمحلال سوياً.