الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

الإنفاق الأسري في رمضان.. «ضرورة الحاجة» و«بذخ العادة»

رغم تصنيف دول المنطقة بين الأكثر هدراً للغذاء في العالم سنوياً، إلا أن الأمور تأخذ منعطفاً أشد هدراً في شهر رمضان، في ظل تقديرات تشيراً إلى ارتفاع الإنفاق بأكثر من 50%، خلال رمضان مقارنة بباقي شهور العام، وتُقدر منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «الفاو»، نصيب الفرد في المنطقة من هدر الطعام بنحو 350 كلغ في شهر رمضان، مقارنة بمتوسط 250 كلغ سنوياً، وبقيمة عالمية بأكثر من 60 مليار دولار أمريكي سنوياً.

وبينما يتدافع الصائمون على تخزين وشراء المواد الغذائية قبل وخلال شهر رمضان، فإن نسبة كبيرة من هذه المواد تذهب إلى صناديق القمامة.

ويشير مختصون ومستهلكون، إلى أن موسم الخصومات الذي تشهده دول منطقة الشرق الأوسط لا سيما دولة الإمارات مع قدوم شهر رمضان يدفع المستهلكين لزيادة الإنفاق مع انتعاش متوقع في المبيعات مقارنة بموسم رمضان الماضي والذي كان محاطاً بإغلاقات كورونا، لافتين إلى أن أغلب موارد الأسر في رمضان تتجه للإنفاق الاستهلاكي، وسط تقديرات باستحواذها على نسبة تزيد على 90% من دخل الأسرة، فيما أشار آخرون إلى زيادة التوجه للاستهلاك عبر الشراء الإلكتروني، فيما تباينت الآراء بشأن الأسباب النفسية لزيادة الاستهلاك في الشهر الكريم.


ورغم كون المنطقة، بين المناطق الأكثر استيراداً للأغذية في العالم، فإن هدر الطعام يتسبب في تداعيات اقتصادية واجتماعية وبيئية خطيرة، وفي ظل أساليب الاستهلاك الخاطئة أصبح شهر رمضان الأكثر إنفاقاً بين شهور السنة في المنطقة العربية، مع تجاهل كل التعاليم الدينية الداعية إلى عدم التبذير.


وتتصدر السعودية الدول العربية الأكثر هدراً للطعام، وقدرت بيانات المؤسسة العامة للحبوب السعودية، قيمة الهدر الغذائي التقديرية لجميع السلع على أساس الإنفاق الاستهلاكي بالمملكة بنحو 40.48 مليار ريال في العام، وبلغت نسبة الهدر في الغذاء 18.9%.

وبحسب دراسة لموقع «The Economist»، فإن هدر المواطن السعودي من الغذاء يبلغ 427 كلغ سنوياً، تلاه المواطن الإماراتي بنحو 196 كلغ، ثم المواطن الفلسطيني بنحو 93 كلغ، تلاه المواطن المصري بنحو 73 كلغ.

ويشير هدر الأغذية إلى انخفاض كمية أو جودة الأغذية الناتجة عن القرارات والإجراءات التي يتخذها تجار التجزئة ومقدمو خدمات الأغذية والمستهلكون، بينما فقد الأغذية هو الانخفاض في كمية أو جودة الطعام الناتجة عن القرارات والإجراءات التي يتخذها موردو الأغذية على طول السلسلة، باستثناء تجار التجزئة ومقدمي خدمات الأغذية والمستهلكين.

وبين دول شمال أفريقيا قدرت الجامعة المغربية لحقوق المستهلك حجم تبذير الطعام في رمضان بنحو ثلث الأغذية الصالحة للاستهلاك، بمتوسط قيمة مالية 50 دولاراً في الشهر من الأسر.

وتقدر مجموعة EcoMENA للاستدامة أن نحو 25 % من الأطعمة المحضرة خلال رمضان مصيرها حاويات القمامة.

العروض والتخفيضات

وقال أحمد فلفل المحاسب المقيم في منطقة المعادي بمحافظة القاهرة: إن الأسر المصرية يوجهون نحو 90% من دخلهم خلال الشهر الكريم إلى التسوق واقتناص العروض على المنتجات الغذائية إضافة إلى أسعار ياميش رمضان والتي يهتم باقتنائها كل بيت مصري.

وقال الرئيس التنفيذي لمجموعة «إليكسير غروب» للحلول المبتكرة بصناعة التجزئة والتي تتخذ من دبي مقراً لها، علي راو: إن الظروف المرتبطة بأزمة «كورونا» أكدت على تغير كبير في أنماط المستهلكين بدول المنطقة، موضحاً أن أبرز تلك التغييرات هي الاعتماد بشكل كبير على الخدمات اللاتلامسية والتركيز على المنتجات الصحية والأساسية التي تحتاجها الأسر في ذلك الشهر الكريم وسط التوقعات بوصول التخفيضات في بعض السلع إلى نسب تتجاوز 50%.

ومن جانبه، قال يوغيش خيراجاني، محلل أبحاث الاستثمار لدى «سنشري فاينانشال»: إن الوضع الاقتصادي بالمنطقة هذا العام قد يحتم على بعض التجار توفير المزيد من العروض الترويجية وتطبيق مجهود أكبر لمواكبة الأوضاع وجذب الجمهور، مشيراً إلى أنه يمكن للمبيعات أن ترتفع في حال ابتكار المحلات منصات إلكترونية تمكن الزبائن من التسوق من منازلهم، إضافة إلى تسويق العروض المتوفرة عبر منصاتهم ومنصات أخرى لتصل إلى أكبر عدد من الجمهور المستهدف.

وإلى ذلك قال منذر غانم مدير المبيعات لدى مصنع أم حمزة للمواد الغذائية بإمارة أبو ظبي: إن أنماط المستهلكين ستتركز خلال رمضان على المواد الغذائية، متوقعاً نمو مبيعات الألبان بنسب تصل إلى 20%، ومبيعات الأجبان بنسب تناهز 15% مدعوما بعوامل كالتعقيم الجيد لتجنب أي ضرر صحي وسهولة الوصول عند الطلب.

آثار الجائحة

تشير دراسة صادرة عن فيسبوك IQ، بالشراكة مع YouGov، خلال شهر رمضان العام الماضي وشمل أكثر من 17000 مشارك من 11 دولة، لفهم الأنماط السلوكية للمجتمع خلال شهر رمضان وعادات التسوق بشكل أفضل، إلى أن جائحة كوفيد-19 أثرت بشكل كبير على أسلوب حياة المجتمعات وطريقة تواصلهم وتسوقهم والأدوات التي يعتمدون عليها للاستكشاف.

وذكرت الدراسة أنه برز ذلك بشكل واضح خلال شهر رمضان الذي يحتفي به نحو 2 مليار شخص حول العالم، وخلال شهر رمضان، يرغب الجميع في الاجتماع معاً سواء حضورياً أو افتراضياً لمشاركة مشاعر الفرح مع أحبائهم بمناسبة الشهر الفضيل، وعلى الرغم من الاختلافات التي طرأت خلال السنوات الأخيرة، فقد نشأت سلوكيات جديدة للتسوق وأساليب جديدة للاستكشاف، وأمضى 42% من المشاركين بالاستطلاع في مصر وقتًا أطول في التسوق عبر الإنترنت خلال شهر رمضان وعيد الفطر بسبب الجائحة.

منصات التوصيل

وقال خالد فنسة، المقيم بمملكة البحرين: إن أسعار شحن المواد الغذائية التي يحتاجها المستهلكون خلال الشهر الكريم ستكون محدداً رئيسياً في نمو أعمال التجزئة عبر منصات التوصيل الإلكترونية.

وبدوره، توقع الرئيس التنفيذي لشركة «شيبا» لخدمات التوصيل، والتي تتخذ من دبي مقراً لها، برهان بن مينا، أن تتجاوز نسبة النمو بحجم الشحنات والطرود عبر المنصات الإلكترونية من المواد الأساسية بدولة الإمارات 30% خلال الشهر المبارك.

ورجح أن تشهد دول المنطقة وفي مقدمتها الإمارات والتي تتميز بأقوى بنية تحتية تكنولوجية عربياً أرقاماً قياسية في خدمات التوصيل للمنتجات الاستهلاكية خلال رمضان الجاري.

وقال نور نجم المدرس والمقيم بمدينة العين: إن التسوق وشراء الحاجات يعد من أهم مظاهر شهر رمضان، مشيراً إلى أننا كمستهلكين نقوم بالتخطيط للتسوق قبل أسبوعين من بداية الشهر لشراء الزينة وبعض المواد الغذائية الأساسية التي عادة ما ترتفع أسعارها بشكل كبير مع بداية الشهر، و أن من أكثر المنتجات استهلاكاً بالنسبة لنا هي المواد الغذائية.

وقال طاهر سعيد، مقيم بمحافظة الزقازيق بمصر، وأحد مديري محل بيع الحلويات: إن صناعة الحلويات كالكنافة والقطايف ترتفع مبيعاتها بنسب تتجاوز 60% خلال شهر رمضان وهي من السلع المرتبطة بالشهر الكريم، بينما تكون مبيعاتها في الحجم الطبيعي خلال باقي الشهور.

عادة الهدر

وتقول منظمة «الفاو»: بالنسبة إلى العديد من الأشخاص في العالم، أصبح هدر الأغذية أشبه بعادة، بحيث نشتري من الغذاء في الأسواق ما يزيد على حاجتنا، أو نترك الفاكهة والخضار تفسد في منازلنا أو نأخذ حصصاً غذائية تفوق ما نستطيع أن نأكله، وتفرض هذه العادات ضغطاً إضافياً على مواردنا الطبيعية وتلحق الضرر ببيئتنا.

وعندما نهدر الغذاء، فإنما نهدر العمل والجهد والاستثمار والموارد الثمينة (كالمياه والبذور والأعلاف وغيرها) المبذولة في سبيل إنتاجه، ناهيك عن الموارد التي تخصص لنقل الغذاء وتجهيزه، مضيفة: نحن أمام مشكلة لا يستهان بها، والواقع أنه في أنحاء العالم، تُفقَد يومياً أطنان من الأغذية الصالحة للأكل أو تُهدَر. ففي المرحلة الممتدة بين الحصاد وتجارة التجزئة وحدها يُفقد نحو 14% من مجمل الأغذية المنتجة عالمياً، كما تهدر كميات ضخمة من الغذاء على مستوى تجارة التجزئة أو الاستهلاك.

ويقدر الهدر الغذائي في مرحلة الاستهلاك في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسبة 34% معظمها في المناطق الحضرية، ويسجل قدر كبير من الهدر خلال العطل الدينية وحفلات الزفاف واللقاءات العائلية وفي قطاع الضيافة كالمطاعم والفنادق.

وتعتبر الفاو أن حصر نطاق هذه المشكلة أساسي لتعزيز الأمن الغذائي وتخفيف الضغط على الموارد الطبيعية الشحيحة أصلاً في هذه المنطقة.

وبحسب دراسة فيسبوك: يعد شهر رمضان أحد أكبر مواسم التسوق على مستوى العام، ومع ذلك، فإن معظم المعلنين يتوقفون عن الإنفاق خلال هذا الوقت، بسبب سوء الفهم بأن معظم الناس ينجزون التسوق لشهر رمضان مبكراً، والحقيقة هي أن الناس يستمرون في إعداد منازلهم ومؤنهم وهداياهم لأحبائهم ويبحثون عن أفضل الصفقات قبل وأثناء الموسم.

وتنطبق حساسية السعر هذه على المواد الضرورية مثل الأطعمة والمشروبات وكذلك الملابس والهدايا، ما يجعل عروض التخفيضات الضخمة أكثر أهمية خلال شهر رمضان.