السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

خلافات وتحديات.. هل يمنح بايدن «قبلة الحياة» للناتو؟

خلافات وتحديات.. هل يمنح بايدن «قبلة الحياة» للناتو؟

خبرة بايدن في السياسة الخارجية تمكنه من تحويل خلافات الناتو إلى فرص. (أ ب)

يراهن قادة دول حلف شمال الأطلسي «الناتو»، في قمتهم المقررة في 14 يونيو الجاري مع الرئيس الأمريكي، جو بايدن، على حسم سلسلة من القضايا التي تعصف بالحلف، خاصة مع ظهور تحديات جديدة تحتاج إلى رؤية موحدة من مليار ونصف المليار نسمة، يمثلون شعوب 30 دولة هم أعضاء الحلف الذي تجاوز 72 عاماً.

يتعين على الرئيس بايدن أن يقدم صورة نمطية أفضل عن الحلف الذي وصفه سلفه دونالد ترامب بأنه «عفى عليه الزمن»، ويزيد فوق كل ذلك التحدي الجديد بخروج قوات الناتو من أفغانستان، والبدائل التي يمكن أن يقوم بها الحلف لمنع سيطرة طالبان على البلاد، ناهيك عن الخلافات الداخلية، وزيادة النزعة الاستقلالية لدى الجناح الأوروبي من حلف الأطلسي، والخلاف القديم الجديد حول نسب الإنفاق، وحجم المشاركة في دعم عملياته.

ويبقى السؤال هل يعطي بايدن قبلة الحياة للحلف الذي وصفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ذات يوم «بالميت إكلينيكياً»؟ وإلى أي مدى يمكن أن تتسامح الولايات المتحدة مع فكرة بناء جيش أوروبي موحد؟ وماذا عن الصين وروسيا في أجندة الناتو؟

رؤية بديلة

تحتاج دول الناتو لوضع رؤية بديلة للتعامل مع الوضع في أفغانستان عقب قرار الولايات المتحدة ودول الحلف استكمال الانسحاب من أفغانستان قبل حلول 11 سبتمبر المقبل، ورغم بقاء قوات الحلف 20 عاماً كاملة في بلاد تورا بورا، وإرسال آلاف الجنود، وإنفاق مئات المليارات من الدولارات، إلا أن هناك مخاوف حقيقية من سيطرة طالبان على كل الأراضي الأفغانية بعد خروج 2500 جندي أمريكي، وما يقرب من 8000 جندي آخرين تابعين لدول الناتو، وتحتاج دول الأطلسي إلى مقاربة عسكرية جديدة يمكن من خلالها تقديم الدعم المالي والعسكري للحكومة الأفغانية بعد 11 سبتمبر المقبل.

وتواجه الولايات المتحدة وغيرها من دول الناتو معضلة إبقاء قواتها قريبة من أفغانستان في ظل الوجود الروسي العسكري المكثف في دول آسيا الوسطى، وزيادة الحضور الصيني في تلك المنطقة، وهو ما يدفع الولايات المتحدة للتعامل مع هذا التحدي من مناطق قريبة سواء في الشرق الأوسط أو المحيط الهندي.

يتعين على الرئيس بايدن، خلال أول قمة له كرئيس مع زعماء دول الناتو، أن يتعاطى مع زيادة النزعة الأوروبية نحو الاستقلالية العسكرية، حيث عادت 14 دولة أوروبية لتقترح تأسيس قوة تدخل سريع قوامها 5000 جندي، بغرض محاربة الجماعات الإرهابية، والتدخل لحماية أي حكومة ديمقراطية تتعرض للسقوط على أيدي الإرهابيين، وهي نزعة تزداد كل يوم بعد أن طالب الرئيس ماكرون العام الماضي بتأسيس جيش أوروبي موحد، وقبل ذلك اقترحت الدول الأوربية في 14 ديسمبر 2017 تأسيس قوة اتحاد التعاون المنظم الدائم «بيسكو»، لكن كل هذه الدعوات واجهت مشاكل كثيرة، منها غياب التمويل الدائم، واعتراض الدول الأوربية في الجناح الشرقي من الاتحاد الأوروبي على تلك الأفكار.

وتُعد قضية تمويل أنشطة حلف الناتو من المشكلات القديمة والمتجددة في العلاقة بين جناحي حلف الأطلسي، حيث تطالب الولايات المتحدة منذ عهد أوباما بوفاء الدول الأوروبية بدفع 2% من ميزانياتها للحلف، وحتى الآن هناك دول غنية مثل ألمانيا وهولندا وإيطاليا وفرنسا لم تصل في إنفاقها لعتبة 2% من ناتجها القومي، وبعد الخلافات والضغوط العلنية حول هذه القضية في عهد الرئيس ترامب وصلت 17 دولة منها بولندا ورومانيا والمجر لهذه النسبة.

المفارقة أن غالبية تلك الدول كانت أعضاء في حلف وارسو المنافس القديم للناتو، ووفق الميزانية الجديدة لعام 2022 فإن واشنطن سوف تنفق على ميزانية الدفاع و215 ألف جندي في الخارج، 715 مليار دولار، وهو ما يساوي 3.5% من ناتجها القومي البالغ 20.4 تريليون دولار في 2019، وهو ما يدفع بايدن إلى مواصلة حث نظرائه في الحلف على مزيد من الإنفاق، خاصة أن هناك عجزاً تجارياً بين واشنطن ودول الناتو يتجاوز 151 ملياراً لصالح دول الناتو قبل جائحة كورونا.

وتحتاج الولايات المتحدة من دول الناتو إلى ضخ 119 مليار دولار في المرحلة الأولى من خطة دعم الحلف التي وضعها الأمين لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، والتي تنتهي عام 2030، وإنفاق إضافي 400 مليار دولار قبل 2024 على خطط تعزيز قدرات الحلف التقليدية، وهناك من يطرح حلولاً أسهل لهذه القضية على غرار النموذجين الياباني والكوري الجنوبي، حيث حافظت اليابان على وجود 39 ألف جندي أمريكي في 112 قاعدة مقابل مزيد من الاستثمارات اليابانية في البنية التحتية الأمريكية، بينما حافظت كوريا الجنوبية على بقاء 34 ألف جندي أمريكي في 33 قاعدة عسكرية مقابل شراء مزيد من السلاح، خاصة منظومة الدفاع الصاروخية «ثاد».

خلافات داخلية

لم يشهد حلف الناتو منذ تأسيسه في 4 أبريل 1949 انقساماً وخلافات مثلما يشهد في تلك الأيام، فالخلافات كبيرة بين دول الحلف وتركيا بسبب شراء أنقرة لمنظومة الدفاع الصاروخية «إس 400» من روسيا، كما أن فرض الكونغرس عقوبات على تركيا شكل سابقة هي الأولى من نوعها في الحلف، بالإضافة إلى الخلافات بين تركيا واليونان في بحر إيجة الشرقي.

خلافات الناتو لا تقتصر على الدول فحسب، بل تمتد إلى داخل الدولة الواحدة، فزعماء أحزاب مثل مارين لوبان زعيمة حزب الجبهة الوطنية الفرنسية، وماثيو سالفيني رئيس حزب رابطة الشمال الإيطالي، بالإضافة إلى ما يسمى «بكتلة بوتين» في البرلمان الأوروبي، كل هؤلاء ضد سياسة العداء بين روسيا والناتو، ويطالبون بسياسة مرنة تقوم على التعاون وليس العداء مع روسيا، ناهيك عن الخلاف بين الولايات المتحدة وألمانيا حول خط نقل الغاز «نورد ستريم» الذي ينقل الغاز من روسيا لألمانيا أسفل بحر البلطيق.

الناتو يستطيع

لكن الرئيس بايدن، وبخبرته في السياسة الخارجية، يستطيع أن يحول تلك الخلافات والتحديات إلى فرص من خلال استعادة روح التضامن بين دول الناتو التي وضعت خطة تسمى «4*30» وهي خطة لردع روسيا عسكرياً، وتقوم على أساس أن يكون الناتو قادراً في عام 2030 على نشر 30 كتيبة آلية، و30 سرب طائرات، و30 سفينة حربية في 30 يوماً، كما أن الدليل الاستراتيجي المؤقت للأمن القومي الأمريكي الصادر في شهر مارس الماضي يطرح رؤية واشنطن لحشد كل مواردها وموارد حلفائها لدعمها في الخلاف مع الصين.