السبت - 20 أبريل 2024
السبت - 20 أبريل 2024

قمة جنيف.. هل تشهد «تبريد الصراعات» بين واشنطن وموسكو؟

قمة جنيف.. هل تشهد «تبريد الصراعات» بين واشنطن وموسكو؟

عندما ينظر الرئيس الأمريكي جو بايدن في عيني الزعيم الروسي فلاديمير بوتين، خلال أول قمة لهما في 16 يونيو الجاري، فسيكون على بايدن تجاوز وصفه للرئيس بوتين «بالقاتل»، كما يتوجب على الزعيمين تجاوز أحداث شهر أبريل الماضي، عندما كاد الصراع يتطور في منطقة دونباس جنوب شرق أوكرانيا إلى نزاع مسلح بين الدول الغربية وروسيا، وما تلى ذلك من مناورات «ديفندر يوروب 2021» في البحر الأسود وشرق أوربا، بالإضافة إلى المظاهرات في بيلاروسيا التي تتهم موسكو كلاً من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بالوقوف خلفها، وارتباط كل ذلك بأزمة المعارض الروسي أليكسي نافالني.

ويبقى السؤال الذي يطرحه الجميع، لماذا وسط هذا الخطاب السياسي الأمريكي الحاد ضد موسكو، يدعو بايدن نظيره الروسي للاجتماع في جنيف هذا الشهر؟ وهل من هدايا روسية ينتظرها بايدن من بوتين، المتهم من جانب أمريكا بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عامي 2016 و2020 لصالح دونالد ترامب؟

رغبة مشتركة

المؤكد أن التصعيد ليس في صالح أي طرف، فالولايات المتحدة تعاني حالة من عدم اليقين السياسي والاقتصادي؛ نتيجة لجائحة كورونا، واقتحام الكونغرس في ليلة 6 يناير الماضي، والصراع بين الجمهوريين والديمقراطيين، وإفشال الجمهوريين لخطة بايدن لتعيين لجنة تحقيق فيما حدث في تلك الليلة، بالإضافة إلى تقرير الوظائف الأمريكي الأخير، الذي وصف بأنه مخيب للآمال، والذي وضع علامات استفهام كثيرة على خطط بايدن للتعافي الاقتصادي.

على الجانب الآخر فإن الأوضاع السياسية والاقتصادية في روسيا ليست بأفضل حال في ظل تداعيات جائحة كورونا، والعقوبات التي يتعرض لها الاقتصاد الروسي منذ ضم شبه جزيرة القرم عام 2014، وتظاهر أنصار المعارض الروسي نافالني في أكثر من 30 مدينة، لأول مرة في تاريخ روسيا.

الجو الملبد في واشنطن وموسكو يخلق رغبة للبناء على المساحات المشتركة بين البلدين، خاصة بعد نجاحهما في تمديد معاهدة «ستارت 3» لمدة 5 سنوات جديدة، تستمر حتى فبراير 2026، ويمكن للقمة الروسية الأمريكية أن تطرح إطاراً استراتيجياً أكبر لهذه الاتفاقية، بحيث يتم تخفيض الحدود القصوى للرؤوس النووية الهجومية للبلدين بنسبة أكبر من 30%، والحدود القصوى لآليات الإطلاق بنسبة أعلى من 50%، وهي النسب السارية في الاتفاقية حتى الآن، كما أن الهدوء الحالي على جبهات الصراع الروسي الأوكراني يمكن البناء عليه من خلال استئناف «مفاوضات مينسك»، واستعداد روسيا للدفع بحل يقوم على منح الحكم الذاتي لإقليم دونباس، مقابل تخلي جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الشعبيتين، عن استقلالهما وبقائهما تحت السيادة الأوكرانية، لكن التحدي الأكبر يتعلق باتفاقية منع إنتاج ونشر الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى ذات الرؤوس النووية المعروفة باسم INF، والتي وقعها البلدان في 1987، وانسحبا منها في أغسطس 2019، وستشكل أي حلحلة في هذا الملف مكسباً لاستقرار العالم، لكن يظل رفض الصين الانضمام لهذه المعاهدة سبباً وراء بقاء واشنطن خارجها.

جبال من الغموض

ورغم أن الولايات المتحدة أبلغت روسيا بأنها لن تعود لاتفاقية السماوات المفتوحة، التي انسحبت منها في عهد الرئيس ترامب، إلا أن من يراجع تصريحات بايدن عندما كان مرشحاً، يتأكد أن للرجل موقفاً إيجابياً من الاتفاقية التي وقعت عليها 27 دولة عام 1992، وتسمح للطائرات العسكرية من هذه الدول بالتحليق دون ذخيرة بشكل مفاجئ فوق أجواء الدول الأخرى، وتتهم واشنطن الحكومة الروسية بعدم احترام بنود الاتفاقية، لكن عدم الانسحاب الروسي من الاتفاقية، وأجواء القمة التي تنعقد بعد اجتماعين ناجحين لمستشاري الأمن القومي في البلدين، ثم اجتماع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، ونظيره الروسي سيرغي لافروف، في آيسلندا الشهر الماضي، يمكن أن يكشف مساحة جديدة للتعاون بين القوتين العظمتين في هذه الاتفاقية.

ويرتبط بهذا المسار رغبة واشنطن في التوصل مع موسكو إلى آلية حول إنهاء جبال الغموض بين البلدين، وتسمح للإدارة الأمريكية بتوقع أو معرفة ما ستقوم به روسيا في المستقبل، وهو أمر يمكن تحقيقه بتفعيل «دبلوماسية الخط الساخن» بين البلدين، وهنا يحتاج الرئيس بوتين أن يقنع نظيره الأمريكي بأن موسكو لن تكون وراء أي عمليات قرصنة، مثل تلك التي لحقت بوكالات حكومية أمريكية، ومراكز صناعة القرار، وشركات مثل «مايكروسوفت» و«سولار ويندز»، حيث يتهم مسؤولون أمريكيون موسكو بالضلوع في تلك الهجمات التي أدت في بعض الأيام إلى وقف ضخ البنزين في محطات الوقود بالساحل الشرقي الأمريكي، وأدت الاتهامات بالوقوف وراء الهجمات السيبرانية إلى تبادل استدعاء السفراء بين واشنطن وموسكو.

جبهة واحدة تكفي

هناك من يربط بين الرغبة المفاجئة لدى بايدن في لقاء الرئيس بوتين بتقدير موقف أمريكي جديد يقوم على أنه ليس من مصلحة واشنطن أن تحارب على جبهتين، بمعنى أن واشنطن لكي تربح في صراعها الاستراتيجي مع الصين، عليها قبل كل شيء أن تقوم بتحييد روسيا، ففي ظل تداعيات كورونا يكفي الولايات المتحدة أن تحارب على جبهة واحدة، ويعتمد هؤلاء على رؤية قديمة تقول: «إذا أردت أن تسيطر على العالم فعليك أن تحيِّد روسيا أولاً»، ولهذا قد يكون هدف بايدن من اللقاء مع بوتين هو «تبريد الصراعات» مع موسكو حتى يتفرغ لبناء الاقتصاد الأمريكي، وتقوية اللُّحمة الداخلية، ومواجهة الخطر الأكبر في تقدير بايدن، وهو إرهاب الجماعات التي تدعي تفوق العرق الأبيض، ومن ثم التفرغ للصين.