الثلاثاء - 23 أبريل 2024
الثلاثاء - 23 أبريل 2024

القطب الشمالي.. ذوبان الجليد يلهب صراع الكبار

القطب الشمالي.. ذوبان الجليد يلهب صراع الكبار

بوتين وبايدن في قمة جنيف. (إ ب أ)

حصلت الدببة القطبية وطيور البطريق التي تريد العيش في سلام، بعيداً عن أصوات البنادق، على وعد من روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، بإمكانية التوقف عن سباق التسلح، وعدم الاستمرار في عسكرة القطب الشمالي خلال الفترة القادمة، وذلك بعدما احتل الصراع المحتدم في القطب الشمالي مساحة من النقاش بين واشنطن وموسكو خلال قمة جنيف التي أكد فيها الرئيس فلاديمير بوتين على أن خطوات بلاده لن تهدف إلى عسكرة القطب الشمالي الذي تبلغ مساحته 27 مليون كم، أي ما يعادل مساحة جمهورية مصر 27 مرة تقريبا.

وكان من نتيجة قمة جنيف أيضاً اتفاق واشنطن وموسكو على استئناف الحوار حول هذه المنطقة الاستراتيجية، التي باتت عنواناً للصراع الجيوسياسي بين أكبر دولتين نوويتين، فلماذا يزداد الصراع سخونة في أكثر مناطق العالم برودة؟ وهل من مقاربة سياسية وعسكرية تجعل من القطب الشمالي واحة للسلام، ونموذجاً للتعاون بين القوى الكبرى؟

مستقبل النفط والغاز

شكل ارتفاع درجات الحرارة وذوبان الجليد وإمكانية ظهور خطوط ملاحية جديدة فرصة لروسيا والولايات المتحدة وكندا والدنمارك والنرويج، وهي الدول الخمس المتشاطئة للقطب الشمالي، مع الدول المتداخلة وهي فنلندا والسويد وأيسلندا، للاستفادة من الثروات الضخمة، حيث ينظر للقطب الشمالي باعتباره أضخم احتياطي غير مكتشف للنفط والغاز في العالم، لأنه يضم 23% من المشتقات النفطية، بنسبة 78% غاز طبيعي، و22 % للنفط، ناهيك عن تقديرات بــ35 تريليون دولار هي قيمة المعادن التي تتصارع عليها ليس فقط الدول المتشاطئة والمتداخلة، بل والدول البعيدة عن القطب الشمالي، فمجلس الدول القطبية يضم بجانب الدول المتشاطئة والمتداخلة 13 دولة أخرى بصفة مراقب، مثل الصين التي تعتبر نفسها دولة شبه قطبية.

ومنذ موافقة بوتين على رفع العلم الروسي في أعماق القطب الشمالي عام 2007، لا يمر عام إلا وتتلقى الأمم المتحدة طلبات من دول مجلس القطب الشمالي، لضم مساحات جديدة إلى أراضيها، كان أحدثها طلب روسيا في 31 مارس الماضي ضم 710 آلاف كلم، بعد أن أعلنت عام 2015 ضم مليون و190 ألف كلم أخرى، وهو الأمر الذي تعترض عليه الولايات المتحدة وكندا والدنمارك والنرويج على وجه الخصوص.

مغانم ومغارم

وترى واشنطن كثيراً من المغانم والمغارم في تلك المنطقة؛ فالمغانم تأكدت عندما تحولت الولايات المتحدة من مستورد للنفط حتى عام 2016 إلى مصدر صاف للنفط عام 2018 نتيجة لاكتشاف كميات ضخمة من النفط والغاز في منحدرات جبال ولاية ألاسكا، وهي الولاية الأكبر في الولايات المتحدة، والتي اشترتها واشنطن من روسيا القيصرية عام 1867 بـ7 ملايين و200 ألف دولار فقط، واليوم تدر عليها أكثر من 40 مليار من النفط والغاز سنوياً، كما أنها الولاية التي منحت الولايات المتحدة حدوداً مع القطب الشمالي، لذلك حاول الرئيس ترامب السير على نفس الدرب بشراء أكبر جزيرة في العالم جرينلاند من الدنمارك بهدف أن يزيد من الحضور الأمريكي العسكري والاقتصادي في القطب الشمالي.

أما الجانب الروسي فيرى أن مستقبل روسيا الاقتصادي يتوقف على ما ستجنيه من ثروات القطب الشمالي، الذي يشكل مصدراً لــ20% من صادراتها و10% من إجمالي ناتجها المحلي، فالتقديرات الروسية تقول إن 95% من مخزون الغاز الطبيعي الروسي، و60% من احتياطياتها من النفط، تقع في القطب الشمالي، ولذلك استثمرت روسيا أموالاً طائلة من أجل بناء كاسحات ثلوج، منها ما يعمل بالطاقة الذرية، كما تشجع مواطنيها على الذهاب والعيش هناك، حيث يعيش 2 مليون روسي يمثلون 50 % من السكان الذين يعيشون بالقرب من القطب الشمالي.

وأمام هذا التفوق الروسي تبنت الولايات المتحدة عقيدة استراتيجية جديدة في القطب الشمالي، حيث تستضيف ولاية ألاسكا أكبر قاعدة من نوعها في العالم تضم طائرات (إف 35)، وهي قاعدة إليسون التي بها 100 طائرة (إف 35)، وسينضم لها 54 طائرة أخرى من نفس الطراز في ديسمبر القادم، وكل ذلك رداً على نصب روسيا لصواريخ حديثة وبناء قواعد عسكرية تنتشر على ساحل طوله 3000 كلم، يشكل 53 % من ساحل القطب الشمالي، وذلك بعد أن أقامت روسيا 7 قواعد عسكرية عملاقة مزودة بأحدث الأسلحة التي تتحسب لها الولايات المتحدة بشكل خاص، مثل طوربيد (بوسيدون إم 392) الذي يمكن أن يغرق السواحل الأمريكية عن طريق إرسال موجات مد عملاقة ذات إشعاعات خطيرة، كما يتزامن مع هذا الانتشار العسكري الروسي ضخ موسكو استثمارات ضخمة لبناء أكثر من 40 كاسحة ثلوج عملاقة، منها 11 كاسحة تعمل بالطاقة الذرية.

العروض الافتتاحية والحلول

ورغم الخلاف حول حقوق كل دولة، إلا أن المساحات الشاسعة للقطب الشمالي تسمح بالتوصل لحلول يقبلها الجميع، وطبيعي في العروض الافتتاحية للمفاوضات والنقاشات التي يستضيفها مجلس القطب الشمالي أن ترفع كل دولة من سقف مطالبها، فروسيا والولايات المتحدة وكندا ترفض الالتزام بنصوص اتفاقية الأمم المتحدة لتقسيم مياه البحار التي دخلت حيز النفاذ عام 1994، والتي تقول إن لكل دولة 200 ميلاً بحرياً فقط بعيداً عن سواحلها، كما أن الصين تطالب بـ25 % من إجمالي مساحة القطب الشمالي اعتماداً على أنها تمثل 25 % من سكان العالم، لكن من يدقق في ثنايا تصريحات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، يتأكد له إمكانية التوصل لحلول تجنب العالم مزيدا من العسكرة، وذلك عبر تخفيف التوتر في القطب الشمالي، والاتفاق على نهج تعاوني يستفيد منه الجميع، وفي مقدمتهم الصين التي أصدرت عام 2018 الكتاب الأبيض القطبي، الذي يعتبر الاستفادة من موارد القطب الشمالي جزءاً مهماً من مشروعها المعروف بـ«الحزام والطريق»، كما أن الاقتراح الروسي بعقد جولات منتظمة من النقاش بين الخبراء، وتنظيم لقاء دوري لرؤساء أركان جيوش مجلس القطب الشمالي سوف يخفف من حدة التوترات.