الخميس - 25 أبريل 2024
الخميس - 25 أبريل 2024

«تحور داعش».. الانتصار على الإرهاب يحتاج إلى تكاتف الجميع

عندما تلقى تنظيم داعش الإرهابي هزيمته في قرية الباغوز، الواقعة بشرق سوريا على ضفاف نهر الفرات، في 23 مارس 2019، على يد قوات سوريا الديمقراطية بدعم من التحالف الدولي، قالت أورسولا فون دير لاين، التي كانت وزيرة للدفاع في ألمانيا آنذاك، إن «التنظيم خسر دولته المزعومة، لكنه غيّر وجهته». ويوضح هذا التصريح «التحور الداعشي» من استراتيجية السيطرة على الأرض، وهي الميزة التي كانت تعتمد عليها دعايته قبل الربع الأول من عام 2019، إلى القيام بعمليات خاطفة دون السيطرة الجغرافية في سوريا والعراق.

ورغم إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، هزيمة التنظيم في ذلك الوقت، فإن ما يحدث في أفريقيا، خاصة في غرب القارة ومنطقة الساحل والصحراء، وزيادة عمليات داعش في آسيا الوسطى، وجنوب القوقاز، وجنوب شرق آسيا، أكد للجميع أن هزيمة التنظيم بشكل نهائي لم تقترب بعد، وتحتاج إلى مقاربة سياسية وعسكرية وفكرية مختلفة، وهو الهدف الذي يعمل عليه التحالف الدولي ضد داعش، الذي تأسس في سبتمبر 2014، والذي سيعقد اجتماعاً على مستوى وزراء الخارجية في إيطاليا الإثنين 28 يونيو، بحضور وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن.

بعد نحو 20 عاماً على هجمات 11 سبتمبر، و10 سنوات على مقتل أسامة بن لادن، وعامين على مقتل أبوبكر البغدادي، تقول تقديرات فريق الرصد التابع للجنة الجزاءات المفروضة على داعش في العراق والشام بالأمم المتحدة، إن الإرهاب يتمدد، وإن ما بين نصف أو ثلثي عناصر التنظيم الذين يزيد عددهم على 40 ألف إرهابي لا يزالون على قيد الحياة، ويملكون ما بين 100 إلى 300 مليون دولار للقيام بعمليات إرهابية، فما هي الأخطاء التي وقع فيها التحالف الدولي لهزيمة داعش الذي يضم 83 دولة؟ وكيف يمكن للمجتمع الدولي العمل وفق استراتيجية جديدة تقتلع التنظيم من جذوره؟

انتقائية المواجهة

أبرز الأخطاء التي وقع فيها التحالف الدولي، هي الانتقائية في محاربة الجماعات الإرهابية، حيث تركزت عمليات التحالف على داعش في سوريا والعراق فقط، دون الاهتمام بالتنظيمات الأخرى مثل القاعدة، وأحرار الشام، وحراس الدين، والمرابطون، وبوكو حرام، وغيرهم، كما أن التحالف لم يُبق عيناً على تنظيمات لا تقل خطورة عن داعش في سوريا والعراق، وشكلت بعد ذلك إما ولايات جديدة لداعش، وإما التحق عناصرها بالتنظيم المتطرف، على غرار الجماعات الإرهابية المتنامية في 5 دول تشكل منطقة الساحل والصحراء، كما أن شرق أفريقيا عانى من العمليات الإرهابية لحركة «الشباب» في الصومال وكينيا والقرن الأفريقي، ناهيك عن المجال الأرحب الذي يعمل فيه داعش في آسيا، خاصة في أفغانستان ومنطقة آسيا الوسطى، وسعى التنظيم لتأسيس دويلة في أقصى جنوب الفلبين في مدينة ماراوي، ناهيك عن التمدد غير المسبوق في جنوب شرق آسيا.

معركة الأفكار

ورغم أن التحالف الدولي نجح في تجييش الموارد العسكرية لهزيمة التنظيم وإخراجه من الأرض التي سيطر عليها، فإنه لم ينجح في معركة الأفكار، فالجهد الدولي تركز على العمل العسكري دون السعي الحقيقي نحو هزيمة الفكر الداعشي، وهذا متغير هام في الحرب ضد التنظيم، فالإرهابي قبل أن يحمل بندقية أو حزاماً ناسفاً يحمل أفكاراً خاطئة، وإذا أمكن إزالة أو تغير الأفكار الخاطئة وقتها لن تكون هناك حاجة لمواجهة البندقية والرصاص، ولن تكون هناك عمليات إرهابية، وهذا ما يدلل عليه الوضع الحالي، فرغم الهزيمة المكانية لداعش، فإن التنظيم يعمل على تجميع صفوفه وحشد أنصاره، وتلميع صورته، واستطاع القيام بعمليات كبيرة ونوعية في العراق، واستغل التنظيم جائحة كورونا وما ترتب عليها من ضعف القبضة الأمنية، وزيادة الضغوط على السكان، من أجل نسج شبكة سرية من العملاء عبر الأراضي السورية والعراقية، ووصل الأمر به اليوم إلى استثمار بعض أمواله في العراق في أنشطة علنية مثل الصرافة، وذلك وفق مجموعة الرصد التابعة للأمم المتحدة.

وتعامل التحالف الدولي لهزيمة داعش خلال ما يقرب من 7 سنوات مع «الفعل الإرهابي» وليس مع العملية الإرهابية، بمعنى أن التحالف بذل جهوداً كبيرة ومقدرة في مجال مكافحة الهجمات الإرهابية، سواء بشكل استباقي، أو مهاجمة عناصر التنظيم، لكن كان يتوجب أن ينظر للإرهاب باعتباره عملية من 3 حلقات تبدأ بالتلقين الأيدلوجي، مروراً بالتمويل المالي، وصولاً إلى العمل الإرهابي، لأن الفكرة الخاطئة لا يمكن أن تتحول إلى عمل إرهابي دون تمويل، وكل الشواهد تؤكد أن التنظيم قادر على تمويل عملياته، ودعم وإيجاد فروع جديدة، كما هو الحال في شمال موزمبيق وكوت ديفوار، وبوركينا فاسو، ونيجيريا، والنيجر، وحتى في داغستان و ولاية خراسان.

تكاتف الجميع

نظراً لأن طبيعة عمل التنظيمات الإرهابية أصبحت عابرة للحدود سواء عبر الانتقال المباشر، أو عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، فإن القضاء عليها في العالم يحتاج أيضاً إلى أن يكون التعاون بين الدول عابراً للحدود، وهذا التعاون في الحد الأدنى حتى الآن، وخير دليل على ذلك أنه عندما وقعت تفجيرات باريس في 13 نوفمبر 2015، والتي نفذها عضو خلية إرهابية يقيم في بلجيكا، اكتشف الفرنسيون والبلجيكيون أنه لم يكن هناك تنسيق بين سلطات البلدين حول هذه الخلية، رغم القرب الجغرافي.

عدم قدرة المجتمع الدولي على وضع تصور مشترك حتى اليوم للتعامل مع نحو 70 ألف من عائلات الدواعش في مخيم الهول على الحدود السورية العراقية، وفق تقديرات الأمم المتحدة، ينذر بجيل جديد من الإرهابيين، وهذا ليس ببعيد، فأحد الأبناء الذين فجروا المنتجع السياحي في بالي بإندونيسيا عام 2002، شارك في عمليات داعش شمال سوريا عام 2016، ناهيك عن الحاجة لوجود قرون استشعار استخباراتية و تعاون أكبر بين الأمم المتحدة والدول التي يمكن أن تشهد زيادة في وتيرة العمليات الإرهابية، فالتفجيرات التي شهدتها سريلانكا عام 2019 وقتل فيها نحو 290 شخصاً بينهم 25 أجنبياً لم تكن على رادار المتابعة المحلية أو الدولية.