الجمعة - 29 مارس 2024
الجمعة - 29 مارس 2024

عودة داعش.. حياة جديدة للتنظيم في بؤر الفقر والصراعات

بعدما احتفل البعض في العالم بهزيمة تنظيم داعش الإرهابي إثر مقتل زعيمه أبوبكر البغدادي، في أكتوبر 2019، وبعد خسارة جميع مراكزه في العراق، يبدو أن التنظيم يستعيد قوته، عبر إقامة مراكز جديدة لنشاطه مستغلاً بؤراً هشة أمنياً واقتصادياً في مناطق مختلفة من العالم حيث تشكل أرضاً خصبة لنشر أفكاره وتجنيد عملاء جدد.

الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أحمد كامل البحيري، يرى أن تنظيم «داعش» عاد من جديد، والدليل على ذلك أن عدد العمليات الإرهابية التي قام بها في دول المنطقة والعالم، ارتفع بشكل كبير، وعادت لما قبل سقوط آخر معقل لهم في بلدة الباغوز على الحدود السورية - العراقية مارس 2019.

وأضاف أن التنظيم بدأ ينشط خارج معاقله التقليدية لينفذ عمليات في دول مثل الهند، وإندونيسيا، وليبيا، ومنها عمليتان متعاقبتان في ليبيا، حيث لقي نقيب حتفه في 14 يونيو الجاري بجنوب ليبيا، بتفجير عبوة ناسفة في سيارته، ومن قبلها نفذ التنظيم هجوماً انتحارياً 6 يونيو الجاري، في مدينة سبها جنوب ليبيا.

وأوضح البحيري في تصريحات لـ«الرؤية» أن الاستهدافات ازدادت في العراق بشكل كبير للغاية، وشملت أكثر من محافظة مثل ديالي، وكركوك، والموصل، والسليمانية، وبغداد، وبدأ التنظيم يقوم بعمليات نوعية كبيرة، مثل الهجمات الانتحارية التي حدثت في بغداد، في يناير وفبراير الماضيين، وكذلك العودة إلى أوروبا، بعمليات نوعية مثل هجوم فيينا الإرهابي في نوفمبر، وعملية نيس الإرهابية بفرنسا 29 أكتوبر الماضي، والحديث خلال الأسبوعين الماضيين يدور حول تنامي قدرة التنظيم في سوريا، وخاصة في منطقة البادية بشكل كبير.

مناطق نفوذ جديدة

وقال البحيري «هناك مناطق جديدة يتواجد فيها داعش بقوة، بعدما كان وجوده بشكل ضئيل، مثل منطقة الصحراء والساحل بأفريقيا، والأزمة ليست في التواجد، وإنما في التنامي والسيطرة، وإعادة تموضع التنظيم في بؤر جديدة، والاستحواذ على بعض المناطق الجغرافية الجديدة التي تعاني أوضاعاً أمنية واقتصادية هشة، مثل فرع التنظيم في غرب أفريقيا، حيث ارتفعت العمليات في النيجر، وتشاد، ومالي، وبوركينا فاسو، بشكل كبير، وسيطر على بعض المناطق الجغرافية الجديدة».

وأشار الباحث المتخصص في شؤون الإرهاب إلى أن « الأمر تم في وسط أفريقيا؛ في الكونغو، وموزمبيق، وتنزانيا بشكل كبير، حتى فرع التنظيم في الصومال، وهو فرع متواضع مقارنة بحركة شباب المجاهدين، حيث تمكن من تنفيذ عمليات إرهابية عديدة، في نهاية 2020، وبداية العام الجاري».

وقال البحيري «الأمر ذاته حدث أيضاً في آسيا، حيث أعاد التنظيم تموضعه وإقامة تشكيل جديد هناك، فاستهداف الهند كان لافتاً بشكل كبير، والعملية الإرهابية في إندونيسيا، والقبض على بعض الخلايا الجديدة هناك التي ثبت أنها تابعة لداعش، بخلاف النفوذ الكبير والقدرات الكبيرة المتنامية في فرع التنظيم في خراسان (شمال غرب أفغانستان)، وتنفيذ عمليات نوعية كبيرة في كشمير، في المنطقة الحدودية بين الهند وباكستان، كل ذلك يشير إلى أن التنظيم بدأ يركز بشكل كبير للغاية على بعض المناطق في آسيا، وبعض المناطق في أفريقيا، كمناطق نفوذ جديدة».

العمليات النوعية

وحول المتغيرات الأخرى التي لجأ إليها داعش، قال البحيري «هناك متغيرات لها علاقة بطبيعة المستهدف وتكتيكات التنظيم، وحجم العمليات، حيث بدأ التنظيم يركز على العمليات النوعية أكثر من العمليات الكبيرة، عبر استهداف بعض القيادات الأمنية، والمسؤولين في أماكن محددة، بوصفها بديلاً عن العمليات الكبيرة، والتي تستهدف ارتكازات أمنية كبيرة».

وتابع البحيري بأن «نسبة الأمريكيين والأوروبيين في التنظيم حالياً لا تتجاوز 2%، والنسبة الأكبر من جنسيات التنظيم حالياً هي من الآسيويين، وخاصة من عناصر أقلية الإيغور من مسلمي الصين، بجانب بعض الجنسيات الأفغانية والباكستانية، إضافة لجنسيات دول أفريقيا التي له فروع فيها مثل السنغال، وبوركينا فاسو، وتشاد، ومالي، والنيجر، وتنزانيا، ونيجيريا، وهي مناطق ارتكاز للتنظيم».

حجم التنظيم

وحول حجم تنظيم داعش حالياً قال البحيري «لا توجد إحصاءات محددة عن حجمه حالياً، لكن التنظيم في غرب أفريقيا يضم عدداً كبيراً، وينتشر في أكثر من 9 دول، وتتفاوت النسب باختلاف المناطق، في بعض الأفرع عدد أعضائه فقط 150 شخصاً، وفي أماكن ارتكاز أخرى يصل إلى 15 ألفاً أو 30 ألف شخص»، حسب قوله.

ولفت البحيري إلى أن بعض الصور والفيديوهات الخاصة بالاستعراضات العسكرية التي نشرها داعش لبعض الأفرع والولايات الخاصة في غرب أفريقيا، تتضمن سيارات مكتظة بالعناصر الإرهابية، وبعض الصور تشير إلى أن الأعداد تتجاوز الألف ونصف الألف خلال العرض العسكري، بجانب عناصر أخرى يضمها التنظيم كالنساء والأطفال.

انسحاب القوات الدولية

ومن جانبه يقول الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة منير أديب «نجح مسؤول ولاية داعش في غرب أفريقيا مصعب البرناوي في قتل زعيم تنظيم بوكو حرام بنيجيريا، أبوبكر شيكاو، وهذا دليل على قوة التنظيم».

وأضاف في تصريحات لـ«الرؤية» أن التنظيم ما زال قادراً على تنفيذ عمليات مسلحة كبيرة، وهناك أسباب أخرى ستزيد من قوة التنظيم، والتنظيمات المتطرفة، مثل انسحاب القوات الدولية والأمريكية من أفغانستان مع حلول ذكرى أحداث 11 سبتمبر، حيث من المتوقع أن يتحرك التنظيم الإرهابي وغيره مثل القاعدة وطالبان بحرية أكبر.

استراتيجية الهروب

ومن جهته، يرى الباحث في شؤون الحركات السياسية الإسلامية، والجماعات المتطرفة، صبرة القاسمي، أن العالم سيعاني من داعش مجدداً خلال العقدين أو الثلاثة عقود القادمة على الأقل، حتى يتمكن من السيطرة على التنظيم.

وأوضح في اتصال مع «الرؤية» أن أمريكا حاصرت التنظيم في العراق وسوريا، فهرب من المواجهة، لأنه يؤمن بأن الفرد أقوى من الأرض، فأمر أفراده بالهروب من ساحات القتال، وانطلقوا لكل مطارات وموانئ العالم، واختبؤوا لكي يستعيدوا قوتهم من جديد، وأتوقع نشأة تحالف دولي آخر، للقضاء على داعش في شمال وغرب أفريقيا".